بحثت طويلا .. قبل أن أتناول هذا الموضوع، لأجد على الأقل سببا واحدا .. ومبررا في نفس الوقت، يدفع قناتين تلفزيتين تحترم أذواق المشاهدين الذين يدفعون المقابل على ما يشاهدونه عبرها، ومن حقهم عليهما خدمتهم على أحسن وجه، فلم أفلح في ذلك. ربما يتساءل القراء، عن سر هذه المقدمة، وهم في حيرة من أمرهم، لهذا أحيلهم سريعا على القولة التالية: " إذا ظهر السبب بطل العجب " والحديث هنا عن القناة (الأولى والثانية) اللتين طبلتا وزمرتا قبل حلول شهر رمضان الكريم، بلازمتين فارغتين من المعنى ( رمضاننا أحلى مع الأولى – 2M تجمعنا ) رغم أنهما لازالتا في عصر التكنلوجيا الحديثة تفتحان أبوابهما على مصراعيها لتستقبلا كل من هب ودب، وكل من ( طنطن عليه رأسه) وأوحى إليه شيطانه بأنه فنان فكاهي، رغم أن الفكاهة، كما هو متعارف عليه، فن شعبي قريب من الجماهير، بحيث تكون مواضيعها من صميم الحياة العامة لهذه الجماهير وهمومها، واهتماماتها، واللتين في نفس الوقت لم يعلم المسؤولين عنهما بعد، أن الأعمال الفنية الخالدة هي نتاج عقل واع وفكر عميق .. فهي لا تموت رغم طول الزمن وتقلباته .. بل تفرض نفسها على الأجيال المتعاقبة لتنهل منها الثقافة والمعرفة، ولكن نجد أن ما تقدمه القناتين التلفزيتين ( المذكورتين ) في إطار الفكاهة، خلال شهر رمضان هذه السنة، لا يمت بصلة لما استهليت به مقالي هذا، وفي هذا السياق فقد أسيل مداد كثير، وكغيري من الملاحظين على الخصوص، والمشاهدين على العموم، وجدتني أدلي بدلوي، للمساهمة بقدر متواضع، في توضيح بعض الأمور، وهكذا يمكن القول بأن الفترات التي تسمى فكاهية "ظلما وعدوانا " هذه السنة، أثارت استياء عدد كبير من المشاهدين إن لم أقل كلهم، وهذا ما جعلني أطرح السؤال التالي: "هل من المنطقي أن نكون ونحن نفتخر بأننا في عهد جديد، تعمه التطورات والابتكارات، والتطلع إلى ما هو أفضل، والمزيد من التقدم ، وننادي بالقطيعة النهائية مع الزمن البائد، دون أن تكون لنا وسائل إعلام عمومي تحترم النظارة المغاربة، الذين يساهمون بدورهم في تمويل القناتين من خلال، المكس لإنعاش الفضاء السمعي البصري ..؟" ( Taxe pour la promotion du paysage audiovisuel ) وهل لانستحق كشعب أن تكون لنا قناتين، تحترم وتحب جمهورهما، وتترجم هذا الحب والاحترام بالعمل على انتقاء ما تقدمه له كمواد للفرجة .. ؟ بدل الرجوع إلى الوراء، واستعمال أدوات أكل الدهرعليها وشرب، وطالها النسيان . لكن ما يحدث الآن، يتبث العكس، بحيث أن الأعمال التي تتفضل القناتين ببثها قبل وبعد آذان المغرب، ترسم سحابات من الخجل على وجوه كل من قدر له الجلوس أمام الشاشة الصغيرة، رغم أن بعض أبطالها لهم تاريخ يشهد لهم بعطاءاتهم التي أغنوا بها الساحة الفنية، وقدموا أعمالا جعلت المتلقي يولي اهتماما بالغا لهم، ويتوق إلى المزيد من سبر أغوار المواضيع الجريئة ذات البعد الاجتماعي والإنساني .. والمعبرة على نبض الشارع ، ولاينتظر التهريج، وأعمال تشبه أعمال (لحلاقي) إنما يسعى إلى تلقي فرجة صادقة وأداء مميز، ينضاف إلى تراث تاريخهم الفني، ويثري الساحة الفنية الوطنية. ولما كان أهم ما في المسلسلات أو التمثيليات والفقرات الترفيهية، هو أنها تشد المشاهد من أول لحظة، وتختطفه من نفسه وذاته لتدخله في ذاتها، فان هذا لم يحصل أبدا منذ أول بث لهذه الأعمال، منذ بداية هذا الشهر الفضيل، لأن ما يقدم لا يرقى إلى ما يطمح إليه المشاهدون، ولم يأت البتة بأي جديد، اللهم إلا الكلام الساقط الذي يفسد أذواق المشاهدين، ولاتخلو من الحركات التي أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها لا ترقى إلى مستوى المشاهد المغربي المتعطش إلى الترفيه عن النفس، بعد يوم طويل من الصوم ومن تعب الحياة. والحق يقال .. أننا كسائر النظارة، لم نفهم أبدا كيف ل.فنانين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : محمد الجم .. محمد بسطاوي، وعبد القادر مطاع، وغيرهم نالوا في ما مضى إعجاب ورضى المشاهدين، قلت لم نفهم كيف أنهم ينخرطون دون سابق إعلام في أعمال لا تستحق إلا أن تنعث ب. " المهزلة الفنية " التي أصابت جمهورالمشاهدين بالغم والنكد، بحيث تسربت إلى نفوسهم آفة الحياة البشرية التي هي الملل، الشيء الذي جعلهم يعيشون حالة صعب فيها عليهم عملية التحصيل والقدرة على التركيز. وعليه .. أرجو من صميم القلب أن يتحرك المسؤولون بالقناتين المغربيتين ليقوموا الأشياء، ويصلحوا مسارها، لأن في ذلك صلاح لشعبنا .. ووضع حد لنشاطات الطوفان الذي يغزو بلادنا يوما عن يوم عبر الفضائيات الأجنبية، وليتذكر هؤلاء المسؤولين، أن الشعب الذي يتعاملون معه، هو أكبر بكثير من ( الخردة ) الرديئة التي تقدم له كبرامج ترفيهية بمناسبة شهر رمضان الكريم. وكل رمضان والشعب المغربي بخير.