ما زلت أستحضر في ذهني تلك الصورة أو الصور التي كنت أضعها نصب عيني وأنا طالب في الثانوية وبعدها في المرحلة الجامعية عن عدد من دول المشرق العربي، حينها كنت، كباقي أبناء شعبنا المغربي، نحزن ونتظاهر نصرة لإخوان لنا في المشرق ونفرح، وهو أمر نادر لقلة فرحهم. كانت القضية الفلسطينية وبيت المقدس ومازالت قضية العرب والمسلمين جميعا توحدهم بالكلام أكثر من الفعل، ومازلت أذكر كيف كان تضامننا مع إخواننا في العراق إبان الحصاروبعد ذلك خلال وبعد الغزو الأميركي لبغداد وما تلا ذلك من أحداث، ولبنان خلال الحرب الأهلية أو الحروب الأهلية ثم عند العدوان الإسرائيلي الوحشي عليها في مناسبات عدة وأخيرا وليس آخرا، العدوان الإسرائيلي الهمجي على إخواننا لنا في قطاع غزة وكل المحاولات الصهيونية لتهويد أرض المقدس وبلاد فلسطين وقضية سفن كسر الحصار عن غزة أو ما بات يعرف بقضية أسطول الحرية لرفع الحصار عن غزة وقس على ذلك. هذا تصورنا باختصار عن المشرق والمشارقة، أو على الأقل تصوري الخاص، قد يوافقني فيه البعض وقد يختلف؛ لكن شاء القدر أن يأخذني إلى المنطقة حيث كان علي أن أعمل وأتعايش مع كل جنسيات أهل الشرق! من السوري في أقصى شمال بلاد الشام إلى اليمني والعماني في أقصى جنوب جزيرة العرب، مرورا باللبناني والفلسطيني، وهم أنواع( الفلسطيني الأردني والفلسطيني اللبناني والفلسطيني السوري والفلسطيني الكندي إلخ... أو ما يعرف بفلسطينيي الشتات) ثم الأردني والعراقي فالمصري بالإضافة إلى أهل الخليج. فكيف كانت نظرة هؤلاء جميعا لأقصى نقطة في خريطة العالم العربي، المغرب الأقصى؟ وما حكمهم عليه؟ و ماذا يعرفون عن قضاياه؟ وتاريخه وتركيبته البشرية؟ لا بد هنا أن أشير إلى أمر مهم مفاده أن السواد الأعظم بل والغالبية العظمى من أهل المشرق لا يعرفون عن المغرب وتاريخه ونظامه وحتى جغرافيته إلا عناوين سطحية وبسيطة جدا على الرغم من ادعائهم الإحاطة بخبايا الأمور، وكثير من المغالطات وأحكام القيمة المسبقة. المغربي بالنسبة لمعظمهم بربري (يعني أمازيغي إذ أن الكلمة ليس موجودة في قواميسهم) أعجمي لا يقوى على تكوين جملة عربية سليمة، أو بربري متفرنس( أي ناطق بالفرنسية) لا يمكنه بأي حال من الأحوال الحديث باللغة العربية بطلاقة دون إقحام مفردات فرنسية. وحتى لا يثير غضبك أحدهم فإنه يبادرك بالجملة التالية:" أنتم تتكلمون فرنسي بطلاقة!" وهذا ليس مديحا لك بقدر ما هو اتهام مباشر لك بالأعجمية إن صح هذا التعبير. فاللبنانيون، المتهمون باطلا أنهم متسيسون أكثر من غيرهم على الأقل في العالم العربي، يعتبرونا مجرد تلامذة لهم في الإعلام والقضايا السياسية وأنهم هم من أسس لقواعد مهنة الصحافة في المغرب، بل وفي العالم العربي، وأن لغتنا العربية لا ترقى لمكانة الفهم على الصعيد العربي وأنها محلية! وأننا ملكيون سياسيا ولا نخوض في دواليب السياسة! والواقع أنني اكتشفت من خلال العمل مع عدد منهم ما يلي: فيما يتعلق باللغة العربية أنهم يكتبون العامية اللبنانية باللغة العربية إلا من رحم ربي، أما في مجال السياسة فإنهم لا يعرفون عن التعددية الحزبية في المغرب، الأكبر في العالم العربي، شيئا في حين أنهم مازالوا يقبعون في رداء الطائفية ويخضعون لسلطة زعيم الطائفة سواء أكان على خطأ أم على صواب، أما نظاميا فالدولة يحكمها عمليا ثلاث رؤساء يمثلون الطوائف الكبرى في البلاد وهي المسيحيون الماورنة، يمثلهم رئيس الجمهورية، والمسلمون السنة ويمثلهم رئيس الوزراء، ثم المسلمون الشيعة ويمثلهم رئيس مجلس النواب. أما الفلسطينيون فتختلف نظراتهم للمغاربة بحسب انتمائهم وكذا بلد استقبالهم إذا كانوا من خارج الأراضي المحتلة. فالمغرب بالنسبة لبعضهم بلد مصدر للمستوطنين، وبالنسبة لآخرين بلد أعجمي لا يتكلم سكانه العربية، وبالنسبة لمن يتقمصون الجنسية الأردنية ويعيشون داخل الأردن أو في دول الخليج، فالمغرب مصدر للبنات اللائي يملأن مقاهي وعلب عمان الليلية وفي دول الخليج؛ فيما يعتبر الفتحاويون المغرب بلدا صديقا للحركة ولقائدها الراحل أبو عمار، ويعتقد الكثيرون من الفلسطينيين أننا شعب لا يجيد التحدث باللغة العربية. والحقيقة أنني اكتشفت أننا في المغرب نهتم ونكابد للفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. ففي الوقت الذي يخرج فيه ملايين المغاربة في تظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني وهذا واجب لنصرة قضيتنا وإخواننا وسنظل نقوم بذلك ما دمنا مقتنعين بعدالة القضية، تجد أبناءهم يملؤون مقاهي الشيشة وبعض علب الفنادق والمقاهي يقهقهون ويركبون السيارات الفاخرة والملابس الغالية ولا يهتمون لما يجري في الوطن الأم، فيما يصر عدد لا بأس به على أنه أردني ولا يهتم كثيرا! والمغاربة بالنسبة للمصريين "أجدع ناس" وهي كلمة تسويقية يتخذها المصري لإرضائك ولا تقتصر على جنسية معينة، فهو بمجرد ما يسألك عن بلد الأصلي إلا ويعقب بهذه الجملة حتى يمهد الطريق لقضاء حاجة له عندك. والمغاربة بالنسبة لأغلبهم كرة القدم ومنتخب 86 الذي يحفظون أسماء لاعبيه عن ظهر قلب؛ وبالنسبة لآخرين عقدة منتخبات مصر في كرة القدم، فيما يحتاط الكثيرون منهم من أي زميل مغربي في الشغل ويتربصون به لإدراكهم أنه سيكشف مستواياتهم. أما المغاربة في عيون أهل الخليج، فتختلف النظرة من بلد إلى آخر؛ فالمغاربة في عيون السعوديين شعب يدين للسعودية بالكثير وهي صاحبة فضل ومكرمات عليه. وبالنسبة لبعضهم مكان للترفيه وقضاء العطل والسهرات، والسعوديون فيه مكرمون ولا أحد يحاسبهم. وهو الشعور نفسه لدى الإماراتيين الذين يعتقدون أن أيادي الشيخ زايد البيضاء رحمه الله على المغرب وأهله كفيلة بأن تجعلهم ضيوفا فوق العادة ولا يحق لأحد أن يعكر عنهم سهراتهم، فيما يعتبر القطريون المغاربة شعب عصبي سريع الغضب وبالتالي لا يجب أن تحتك فيه. والمغاربة بالنسبة لأهل اليمن فرع لأصل؛ فهم يعتبرون أن أصل سكان المغرب الأصليين من اليمن وأن هناك أكثر من رابط يؤكد طرحهم هذا، وهو أمر ذهب إليه أيضا المؤرخ ابن خلدون :" البربر عرب حميريون من بني قحطان"؛ ثم إن ارتداء الأمازيغ للخنجر كجزء من اللباس المحلي يعكس التقليد اليمني والعماني وإن اختلف شكل الخنجر بين هنا وهناك. المهم هذه بعض آرائهم ونظراتهم وحتى تحليلاتهم، وهي قد تصادف الصواب أحيانا وقد لا تحتمله البثة في مواضع كثيرة. والسؤال الذي يمكن طرحه الآن هو من المسؤول عن تصحيح وتلميع وخاصة إبراز صورة مغربنا الحضاري والضارب في عمق التاريخ؟ في البداية دعونا نتفق أنها مسؤولية كل مغربي أصيل، نعم المغرب شعب أصيل أبا عن جد وعرقه صاف كالذهب لا اختلاط فيه بخلاف الكثير من الدول العربية. فإعطاء المثل وتصحيح الصورة الخاطئة لدى الأشقاء في المشرق تبدأ من جهود كل فرد من أفراد المجتمع. هذا عن مسؤولية الأفراد، أما المسؤولية الكبرى في نظري فهي الملقاة على عاتق الدولة، وبخاصة وزارة الخارجية التي تصرف الملايير على سفاراتنا في بلدان المشرق. فحري بهذه السفارات والقنصليات العمل على إيصال الصورة الصحيحة لبلد قطع أشواطا مهمة في التنمية بجميع أنواعها، وبتنوع ثقافي عز نظيره؛ وذلك من خلال معارض ومهرجانات وأسابيع ثقافية ومحاضرات في كل المناسبات الوطنية، وعرض أفلام وثائقية تعريفية بالمغرب ودوره العربي السياسي والثقافي والتاريخي والاجتماعي والنهضوي؛ وهي مسؤولية وزارتي الثقافة والسياحة أيضا. وقد حضرت مؤخرا فعالية ثقافية ترأسها وزير الثقافة وألقى فيها محاضرة عن عولمة الثقافة وطغى عليها الطابع الفلسفي والدارجة المغربية في أحيان كثيرة فلم تحقق في نظري أي هدف، وكان من الأحرى أن يكون الموضوع عن التنوع الثقافي المغربي وغناه. ثم أين دور إعلامنا بجميع مكوناته، وخصوصا الإعلامي الرسمي في شخص محطاتنا التلفزيونية؟ لماذا لا نقيم اتفاقيات تبادل برامج هادفة وثقافية وتعريفية مع دول المشرق؟ لماذا يفعهم المغاربة لهجة المصريين ولهجة الخليجيين؟ أليس عبر جهاز التلفاز والإنتاج الدرامي التلفزي الهادف والمحبوك؟ إن لهجاتهم ليست سهلة ولا سلسلة كما يدعي البعض، بل طرق توصيلها عبر التلفزيون هي التي جعلتها مفهومة لدينا. لماذا لا نوضح للفلسطينيين أن المغرب أول من أسس لجنة القدس للدفاع عن بيت المقدس والقضية الفلسطينية وبعد ذلك بيت مال القدس لتمويل عملية ترميم الأماكن المقدسة في المدينة؟ لماذا لا نوضح لهم أن المغرب هو من مول واشرف على بناء مطار بالأراضي المحتلة عقب اتفاق غزة وأريحا أولا، وأن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني رحمه الله كان دائما يدافع عن القضية الفلسطينية وينصرها وكذلك خلفه محمد السادس نصره الله وأيده. لقد حان الوقت ليعمل الجميع من أجل إيصال صورتنا الحقيقية للآخرين في المشرق ولا نقتصر على تكريس السلبيات لديهم وإن كان بعضها وللأسف صحيح.