تعيش الجهة الشرقية هذه الأيام على إيقاع نقص مادة الوقود ( البنزين والمازوط المهرب من الجزائر) وإرتفاع الطلب على الوقود الوطني ، بعدما شدد النظام الجزائري الرقابة على تهريب هذه المادة الحيوية، مما حرم الآلاف من مزاولي " ترابانْدو" من دخل ألفوا حلاوته على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، ترتبت عنه حالات نمطية ترسخت في أذهان كل سكان الشريط الحدودي في كلا الضفتين ... فنظرا لطول الحدود بين المغرب والجزائر و إستمرار غلقها من جانب النظام الجزائري، فكر سكان هذا الموقع الجغرافي المشترك في إيجاد حركة تجارية غير مهيكلة بدأت بتهريب مواد غذائية بواسطة الحمير، لكنها تطورت لتشمل موادا أخرى بعد مجيئ بوتفليقة الذي أمر بإغراق السوق المغربية بمنتوجات غذائية رخيصة و رديئة وسريعة الفساد والتلف : حليب ودانون وفرماجْ وشكولاطة ، زيد عليها مشروبات غازية شبيهة بما تنتجه معامل الحي الصناعي المنشرة على طول الطريق المؤدية إلى المركز الحدودي " جوجْ بغالْ "، مواد نافست المنتوج المغربي ذو الجودة العالية والعالمية، وبالمواصفات الصحية المضمونة، دون أن نذكر سلعا أخرى من قبيل الثلاجات والآلات الكهربائية المنزلية والميكانيكية المتعددة الاستعمال. طبعا، لم نسكت على هذا الترامي وعلى هذا الخطر الداهم من جار متربص وحاقد، كل همه السياسي والدبلوماسي والأمني والاقتصادي هو إلحاق أكبر الضرر بالمغرب حتى لا تقوم له قائمة، وإلهائه عن قضيته المصيرية بمشاكل جانبية قد تؤثر على قدراته الاقتصادية والسياسية، والنتيجة حسب مخططاتهم إضعاف جبهته الداخلية، وبمعادلة بسيطة تضعف الجبهة الخارجية فيتحقق مرادهم في الصحراء المغربية . ففجأة ، استفاق السكان الجهة الشرقية على غياب البنزين والمازوط من قارعة الطريق، وهم الذين ألفوا اقتناء هذه المادة بثمن بخس، حتى أن محطات الوقود أغلقت أبوابها وطردت عمالها بسبب منافسة الوقود المهرب الذي تسبب لنا في حالة مرضية واجتماعية نتج عنها نشاط اقتصاد ريعي أجهز على ما تبقى لنا من الأنشطة الحرفية والتجارية الوطنية، وخلق لنا جيلا من الشباب الكسلان والمتواكل، شباب غير منضبط، كم كان يحلو تحدي القانون والسلطات بسياقة المقاتلات المهترئة المعدة لتهريب المحروقات والقرقوبي و.... وهاهم أصحاب السيارات الخاصة والطاكسيات والعربات الأخرى يحاولون التأقلم مع الوضع الجديد، والتصالح مع محطات الوقود والتشحيم وغسل السيارات، والتي كانوا ذات مرة يقفوا عندها للتبول خلسة، لكن هذه المرة لإقتناء حصتهم من الوقود الوطني والذي على قلته ( بالمفهوم الاستيرادي والتوزيعي) موجود في أي لحظة، وهنا صدق المثل الشعبي القائل :" قليل او دايمْ خير ْ من كثيرْ و زايلْ . وفي الأخير لا بد من أن نشير أنه ورغم تشديد الرقابة على مرور البنزين والمازوط إلى المغرب ، فهذا لن يفيدهم في شيء، فالمغربي متعود على الشدة والرخاء، وعلى التأقلم مع الأوضاع والأحوال، أما هم فلا أظن أنهم سيتعافون بسرعة، خاصة في ظل هذه الأزمة الاقتصادية التي هزت العديد من الدول والنظم. واللجوء إلى هذا الحل سيزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في ظل هيمنة طغمة عسكرية طالما خدعتهم بالديماغوجية وألهتم بأسطوانة " المغارب عدونا " علما بأنهم يلمسوا من المغاربة إلا الخير والإيخاء والاحترام المتبادل ، أما النيفْ والنخوة الكاذبة التي يتبجح بها حكام قصر المرادية فلم تعد تطعم الأفواه الجائعة وتوفر الشغل لملايين الشباب البطالْ.