فاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام , اليوم الجمعة 09 أكتوبر 2009, بسبب دعوته لخفض المخزون العالمي للأسلحة النووية, والعمل من أجل إحلال السلام في العالم. وكان أوباما وهو أول أمريكي من أصل إفريقي يصبح رئيسا للولايات المتحدة, دعا لنزع السلاح والعمل على استئناف عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط منذ توليه منصبه مطلع السنة الجارية. وسيقام حفل تسليم الجائزة وقيمتها 4ر1 مليون دولار, في أوسلو في العاشر من دجنبر المقبل. فيما يلي بعض الحقائق عن جائزة نوبل للسلام. - المرشحون لنيل الجائزة لعام 2009 بلغ عددهم 205 مرشحين وهو رقم قياسي. - فاز الرئيس الامريكي باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام لعام 2009 لجهوده في ترسيخ الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. - رفضت الام تيريزا حضور مأدبة تقام للفائزين بالجائزة في أوسلو عندما حضرت لتسلم جائزتها في عام 1979 قائلة ان الفقراء سينتفعون بشكل أكبر من النقود. وألغيت المأدبة نتيجة لذلك. - اللجنة الدولية للصليب الاحمر هي أكثر من فاز بالجائزة حيث فازت بها في أعوام 1917 و1944 و1963. وتقاسم مؤسس اللجنة هنري دونانت من سويسرا الجائزة الاولى في عام 1901. - ألقى محتجون كرات من الثلج على السفير الامريكي في أوسلو عندما حضر لتسلم الجائزة نيابة عن وزير الخارجية هنري كسينجر في عام 1973 للعبه دور الوسيط في اتفاقية سلام فاشلة لانهاء الحرب في فيتنام. ورفض زعيم فيتنام الشمالية لي دوك تو الجائزة المشتركة وهو الامر الذي اعتبر الاكثر اثارة للجدل في تاريخ الجائزة. - من بين المرشحين السابقين لنيل الجائزة الزعيم الالماني أدولف هتلر والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين. - حظر أدولف هتلر على الالمان قبول جوائز نوبل تعبيرا عن استيائه بعد أن ذهبت جائزة عام 1935 للكاتب الالماني المناهض للنازية كال فون أوسيتزكي. وأثر هذا القرار على ثلاثة علماء ألمان فازوا بالجائزة في الكيمياء والطب في أواخر الثلاثينيات. - منحت جائزة نوبل للسلام عن العام 2008 للرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتيساري لجهوده في العديد من القارات وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن لحل الصراعات الدولية. - منحت جائزة نوبل للسلام لعام 2007 لكل من ال جور نائب الرئيس الامريكي الاسبق والهيئة الحكومية الدولية بالامم المتحدة المعنية بتغير المناخ لجهودهما في اثارة الاهتمام بمخاطر ارتفاع درجة حرارة كوكب الارض والتغير المناخي. - منحت جائزة نوبل للسلام لعام 2006 لكل من الاقتصادي البنغالي محمد يونس وبنك جرامين الذي أسسه لجهودهما في مساعدة الملايين على الخروج من الفقر بمنح قروض صغيرة للفقراء وريادتهما في في حركة عالمية عرفت باسم الاقراض المتناهي الصغر. وهذه كلمته بالمناسبة: "أسعدتم صباحا. طبعا، لم أتوقع أن أستيقظ هذا الصباح بهذه الصورة. بعد أن تلقيت الخبر، جاءتني (كريمتي) ماليا لتقول لي: "أبي، لقد فزت بجائزة نوبل للسلام، واليوم هو عيد ميلاد بو (كلب العائلة)". ثم حضرت ابنتي (الثانية) ساشا لتقول لي: "لدينا عطلة نهاية أسبوع طويلة". وهكذا من الجميل أن يكون لدى المرء أطفال لكي يبقي الأمور في منظورها الصحيح. لقد كان قرار لجنة جائزة نوبل مفاجئا ومبعث تواضع عميق لي. وأود أن أكون واضحا هنا: إنني لا أعتبر أن هذا القرار تقديرا لإنجازاتي بالذات، بل هو تأكيد للقيادة الأميركية من أجل تحقيق الطموحات التي يحملها الناس في جميع البلدان. وكي أكون صادقا، فإنني لا أشعر بأنني أستحق أن أكون في مصاف الكثير من الشخصيات البعيدة التأثير ممن كرمتهم هذه الجائزة - من الرجال والنساء الذين كانوا مصدر إلهام لي وللعالم بأسره من خلال سعيهم الشجاع للسلام. لكني أعرف أيضا أن هذه الجائزة تعكس نوع العالم الذي يريد أولئك الرجال والنساء، وجميع الأميركيين، أن يبنوه – عالم يمنح حياة جديدة للوعد الذي حملته الوثائق التي تأسست على أساسها بلادنا. إنني أعلم أن جائزة نوبل للسلام لم تُستعمل عبر التاريخ لمجرد تقدير إنجازات معينة، بل هي استخدمت كذلك كوسيلة لإعطاء زخم لطائفة من القضايا. ولهذا السبب سأقبل هذه الجائزة على أنها دعوة للعمل – ودعوة لجميع الأمم كي تجابه التحديات المشتركة للقرن الحادي والعشرين. هذه التحديات لا يمكن أن يتصدى لها أي زعيم بمفرده أو أمة بمفردها. ولهذا السبب عملت حكومتي على إرساء حقبة جديدة من التواصل التي سيكون لزاما فيها على جميع دول العالم أن تتحمل المسؤولية عن العالم الذي نسعى إليه. ولا يمكننا أن نتساهل حيال عالم تنتشر فيه الأسلحة النووية إلى المزيد من الدول ويهدد فيه رعب المحرقة النووية أعدادا أكبر من الناس. ولهذا السبب باشرنا باتخاذ خطوات أساسية سعيا لبناء عالم خال من الأسلحة النووية، ذلك لأن لدى جميع الأمم الحق في السعي لحيازة طاقة نووية سلمية، ولكن على جميع الدول مسؤولية إظهار نواياها السلمية. ولا يمكننا أن نقبل بالتهديد المتنامي الذي يمثله التغير المناخي الذي يمكن أن يؤذي إلى الأبد العالم الذي سنورثه لأبنائنا – عن طريق زرع بذور الحرب والجوع، وتدمير الشواطئ وإفراغ المدن. ولهذا السبب يتعين على جميع دول العالم أن تتحمل قسطها من المسؤولية بشأن تبديل الطريقة التي نستهلك بها الطاقة. ولا يسعنا أن نسمح للخلافات بين الشعوب أن تحدّد الطريقة التي ننظر فيها إلى بعضنا البعض، ولهذا السبب علينا أن نسعى لبداية جديدة بين الناس الذين ينتمون إلى أديان وأعراق ومذاهب مختلفة، بداية أساسها المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. كما علينا جميعا أن نقوم بدورنا لتسوية النزاعات التي سببت الكثير من الألم والمعاناة على مدى سنوات كثيرة جدا، وينبغي أن يتضمن هذا المسعى التزاما لا يتزعزع يُحقّقّ في نهاية المطاف حقوق جميع الإسرائيليين والفلسطينيين بالعيش بسلام وبأمن في دولتين خاصتين بهما. ولا نستطيع القبول بعالم يُحرم فيه عدد أكبر من الناس من الفرص والكرامة التي يصبو إليها جميع الناس - القدرة على الحصول على التعليم وكسب لقمة العيش الكريم – والضمان بألا يترتب على المرء العيش في خوف من المرض والعنف بدون أمل في المستقبل. وحتى في الوقت الذي نعمل فيه بكد سعيا وراء عالم تسوى فيه النزاعات سلميا ويتم فيه تقاسم الرخاء على نطاق واسع، فإن علينا مواجهة العالم الذي نعرفه في يومنا هذا. فأنا قائد للقوات المسلحة في بلاد مسؤولة عن إنهاء حرب، والعمل في مسرح عمليات حرب أخرى للتصدي لخصم لا يرحم يهدد بصورة مباشرة الشعب الأميركي وحلفاءنا. كما أنني مدرك أننا نتعامل مع تأثير أزمة اقتصادية عالمية خلفت ملايين الأميركيين الذين يبحثون عن فرص العمل. إن هذه هي مشاغل أجابهها يوميا من أجل مصلحة الشعب الأميركي. إن جزءا من العمل الذي يواجهنا لن يستكمل خلال ولايتي الرئاسية. كما أن بعضا منه، مثل إزالة الأسلحة النووية، قد لا يستكمل خلال فترة حياتي. لكني أعلم أن هذه التحديات ستمكن مجابهتها طالما كان هناك إقرار بأنها لن تجابه من قبل شخص بمفرده أو دولة واحدة بمفردها. وهذه الجائزة لا تتعلق فقط بجهود حكومتي – بل هي تتعلق بالجهود الشجاعة للناس حول العالم. ولهذا فإنه ينبغي تشاطر هذه الجائزة مع كل من يناضل من أجل العدالة والكرامة – مع السيدة الشابة التي تشارك في مسيرة صامتة في الشوارع من أجل حقها في الاستماع إلى صوتها حتى في وجه الضرب والرصاص، ومع قائدة تُسجن في منزلها لرفضها التخلي عن التزامها بالديمقراطية، ومع الجندي الذي يضحى في نوبة خدمة عسكرية تلو أخرى من أجل شخص آخر على مبعدة نصف الكرة الأرضية منه، ومع جميع كل هؤلاء الرجال والنساء في العالم أجمع الذين يضحون بسلامتهم وحرياتهم وأحيانا بأرواحهم من أجل قضية السلام. لقد كانت هذه على الدوام قضية أميركا. ولهذا السبب دأب العالم على التطلع إلى أميركا على الدوام. ولهذا السبب أعتقد أن أميركا ستواصل تولي مركز القيادة". وللتذكير،فالرئيس أوباما، أول رئيس أميركي إفريقي للولايات المتحدة، يحمل معه سيرة حياة تختلف عن حياة أي رئيس سابق للولايات المتحدة. فباراك أوباما، هذا الابن الثنائي العرق، لأب كيني وأم من قلب الأراضي الأميركية، انطلق كالشهب إلى الشهرة القومية، عبر خطاب مفصلي ألقاه في العام 2004 ولقيَ قبولاً حماسياً. ألقى الخطاب السياسي الرئيسي في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في ذلك العام، وهو العام الذي انتخب فيه لاحقا عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إلينوي. وبعد مرور أربع سنوات فقط، استطاع أن يبلغ مقدمة المضمار المكتظ بشخصيات مرموقة من الحزب الديمقراطي، ليكسب تسمية حزبه لانتخابات الرئاسة ثم ليفوز في الانتخابات الرئاسية ضد المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين. لقد كان أوباما حقيقة الأمر مرشحاً نموذجيا للقرن الواحد والعشرين: فهو صاحب أسلوب مصقول في الكلام، وبلاغة فصيحة ترفع المعنويات، وقدرة على إثارة حماس الناخبين الشباب بالترافق مع الاستعمال المعقد للإنترنت كأداة في الحملة الانتخابية. شدد أوباما في حملته على موضوعين أساسيين يتعلقان، من جهة أولى، بتغيير طريقة واشنطن التقليدية في قيادة شؤون البلاد، ومن جهة ثانية، مناشدة الاميركيين من مختلف الخلفيات الأيديولوجية، والاجتماعية، والعرقية للاتحاد سوية من أجل الخير العام. وقال أوباما في خطابه سنة 2004، في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي: "ليست هناك أميركا ليبرالية، وليست هناك أميركا محافظة، وليست هناك أميركا حمراء وأميركا زرقاء، بل هناك فقط الولاياتالمتحدة الأميركية" وأضاف، "ليست هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء، أو أميركا لاتينية وأميركا آسيوية، بل هناك الولاياتالمتحدة الأميركية... نحن شعب واحد، جميعنا تعهدّنا بالولاء للعلم الأميركي، جميعنا ندافع عن الولاياتالمتحدة الأميركية." وجاء والدا أوباما من خلفيتين شديدتي الاختلاف. والدته، آن دونهام، ولدت وترعرعت في بلدة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد ان انتقلت عائلتها إلى جزر هاوائي، تعرفت على باراك أوباما الأب، الطالب الكيني الذي كان يدرس في جامعة هاوائي بموجب منحة. تزوج الاثنان في العام 1959، وفي 4 غشت، 1961، ولد باراك أوباما الابن في هونولولو. بعد انقضاء سنتين ترك أوباما الأب عائلته الجديدة لمتابعة الدراسات العليا في جامعة هارفارد ومن ثم الالتحاق بوظيفة مسؤول اقتصادي حكومي في كينيا. قابل أوباما الابن والده مرة أخرى واحدة فقط، عندما كان في سن العاشرة. عندما كان أوباما في سن السادسة، تزوجت والدته من جديد، وهذه المرة من موظف تنفيذي يعمل في قطاع النفط الإندونيسي، وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا، فأمضى أوباما فترة أربع سنوات يدرس في جاكرتا، عاصمة تلك البلاد. عاد في نهاية المطاف إلى هاوائي حيث التحق بالمدرسة الثانوية وعاش في كنف جده وجدته لجهة والدته. في أول كتاب له، Dreams From My Father "أحلام من والدي"، وصف أوباما هذه الفترة من حياته بأنها تميزت بقدر يزيد عما هو معتاد من اضطرابات المراهقة، في الحين الذي كان يكافح فيه لإضفاء معنى على إرثه الثنائي العرق، وهي صفة كانت لا تزال في ذلك الحين غير مألوفة نسبياً في الولاياتالمتحدة. لكن تجذره في الثقافة السوداء كما في الثقافة البيضاء على حدٍ سواء، قد يكون ساعد في توفير الرؤيا الشمولية المتعمقة التي أدخلها أوباما إلى المشهد السياسي الأميركي في السنوات اللاحقة، تلك الرؤيا القادرة على تفهم العديد من وجهات النظر واحتوائها. قالت زميلته في كلية الحقوق، كاسندرا بوتس، لمراسلة صحيفة نيو يوركر، لاريسا مكفاركوهار: "يملك أوباما قدرة لا تصدق على دمج الحقائق التي تبدو متناقضة وجعلها متماسكة. يعود ذلك لكونه خرج من منزل اعتنى فيه به أناس بيض، ثم دخل إلى العالم الخارجي الذي كان يُنظر فيه إليه على أنه شخص أسود." غادَر أوباما هاوائي لمتابعة دروسه في كلية اوكسيدنتال في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا لفترة دامت سنتين. وانتقل عقب ذلك إلى نيويورك حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا العريقة سنة 1983. وفي خطاب ألقاه في العام 2008، وصف أوباما تفكيره في تلك الفترة، فقال، "عندما تخرجت من الجامعة تملكتني فكرة جنونية بأنني سوف أعمل على المستوى الشعبي لتحقيق التغيير." وفي سياق بحثه عن هويته الخاصة وعن توجّه هادف لحياته، ترك أوباما لاحقاً عمله ككاتب مالي لدى إحدى الشركات الاستشارية الدولية في نيويورك، وانتقل إلى شيكاغو في العام 1985. عمل هناك كمنظم للمجتمع الأهلي لدى اتحاد من الكنائس المحلية في الجانب الجنوبي للمدينة، وهي منطقة فقيرة يقطنها أميركيون من أصل إفريقي أصيبت بضرر كبير لكونها كانت تتحول من مركز صناعي إلى اقتصاد مستند إلى الخدمات. استعاد أوباما بعد سنوات ذكريات هذه الفترة في الخطاب الذي أعلن فيه ترشحه لمنصب رئاسة البلاد: "تلقيت في هذه الأحياء أفضل تعليم حصلت عليه في حياتي وتعلمت المعنى الحقيقي لإيماني الديني كمسيحي." حقق أوباما بعض النجاحات الملموسة في هذا العمل ووفر لسكان الجانب الجنوبي من شيكاغو صوتاً مسموعاً في مسائل مثل إعادة التنمية الاقتصادية، والتدريب الوظيفي، وجهود تنظيف البيئة. فقد اعتبر أن دوره الأولي كمنظم للمجتمع الأهلي هو بمثابة دور محفّز لحشد المواطنين العاديين في جهد ينطلق من قاعدة الهرم إلى رأسه لكي يقوموا بصياغة استراتيجيات أهلية تمكّنهم سياسياً واقتصادياً. بعد ثلاث سنوات من هذا العمل، استنتج أوباما أن إدخال التحسينات الصحية إلى مثل هذه المجتمعات الأهلية البائسة يتطلب مشاركة على مستوى أعلى في المجالين القانوني والسياسي. تبعاً لذلك، التحق بكلية الحقوق في جامعة هارفرد حيث ميّز نفسه بانتخابه أول رئيس أسود لمجلة "هارفارد لو ريفيو" المرموقة وتخرج بامتياز كبير في العام 1991. لاحظ ديفيد أكسلرود، المخطط الاستراتيجي لحملة أوباما الرئاسية، أنه بمؤهلات كهذه "كان بإمكان أوباما أن يفعل أي شيء يريده". عاد أوباما إلى شيكاغو، المدينة التي تبناها، حيث مارس قانون الحقوق المدنية ودرّس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. في العام 1992، تزوج ميشيل روبنسون، وكانت هي الأخرى قد تخرجت من كلية الحقوق في جامعة هارفارد. وعمل على تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة مرشحين من الحزب الديمقراطي مثل بيل كلينتون. باراك في العاشرة من عمره، مع والده الكيني، باراك أوباما الأب.وإذ واظب على التزامه القوي بالخدمة العامة، قرر أوباما أن يقوم بأول محاولة له للترشّح لانتخابات العام 1996، ففاز بمقعد عن مدينة شيكاغو في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. كان السباق بطرق عديدة تقدماً منطقياً لعمله المبكر كمنظم للمجتمع الأهلي، وحمل أوباما معه الكثير من تلك النظرة الشمولية إلى رؤياه السياسية، والتي تعتبر بأن السياسي ما هو إلاّ عامل تمكين للجهود الأساسية الموجهة نحو المواطن ومنشئ لتحالفات سياسية ذات قاعدة عريضة. قال أوباما في ذلك الوقت: "أي أميركي إفريقي لا يتحدث سوى عن العرقية كحاجز يعيق نجاحه يكون مُضَللاً لدرجة خطيرة إذا لم يتعامل بحزم مع القوى الاقتصادية الأعظم التي تخلق عدم الاستقرار الاقتصادي لجميع العمال، البيض، واللاتين، والآسيويين على حدٍ سواء." من بين إنجازاته التشريعية خلال السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية نذكر إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، والتخفيضات الضريبية للعمال الفقراء، وإدخال التحسينات في النظام القضائي الجنائي في الولاية. وفي العام 2000، قام أوباما بأول محاولة له لدخول الكونغرس الأميركي، إذ تحدى من دون أن يوافقه الحظ بوبي راش، عضو الكونغرس الديمقراطي من شيكاغو الذي كان يشغل المقعد في الكونغرس. بعد الخيبة التي أصابته بسبب خسارته غير المتوازنة في الانتخابات التمهيدية لصالح راش، تحول أوباما إلى البحث عن النفوذ في ما هو أبعد من المجلس التشريعي لولاية إلينوي، فأقنع ميشيل بفكرة ترشحه لمجلس الشيوخ الأميركي كمحاولة أخيرة إمّا "للنجاح الكامل أو للخروج الكامل" بهدف تعزيز مسيرته السياسية. تحوّل سباق العام 2004 لمجلس الشيوخ الأميركي في ولاية إلينوي إلى سباق مفتوح للجميع، وذلك خلال السنة السابقة لتلك الانتخابات عندما أعلن بيتر فيتزجرالد، الجمهوري الذي كان يشغل مقعداً في مجلس الشيوخ، أنه لن يسعى لإعادة انتخابه. تنافس سبعة مرشحين من الحزب الديمقراطي وثمانية من الحزب الجمهوري للفوز في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما بالتسمية لعضوية مجلس الشيوخ. حصل أوباما بسهولة على تسمية الحزب الديمقراطي بفوزه بحصة من الأصوات بلغت 53 بالمئة، ففاقت ما حصل عليه منافسوه الستة مجتمعين. مع احتفاظ الجمهوريين في ذلك الحين بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس الشيوخ، كانت 51 مقعداً من أصل 100 مقعد، رأى الديمقراطيون في المنافسة على مقاعد مجلس الشيوخ في إلينوي معركة حرجة تؤثر على فرصهم لاستعادة الغالبية في مجلس الشيوخ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من تلك السنة (وبالفعل فإنهم لم يستعيدوا السيطرة على مجلس الشيوخ إلا في العام 2006). ولأن جون كيري كان يرغب في منح حملة أوباما دفعة إلى الأمام من خلال إعطائه دوراً بارزاً في المؤتمر الانتخابي للديمقراطيين، وبسبب القدرات الخطابية المعروفة لأوباما، والانطباع الجيد الذي تركه في نفس المرشح الديمقراطي للرئاسة، فقد حسم جون كيري قراره باختيار أوباما ليكون الخطيب الرئيسي في المؤتمر الديمقراطي الانتخابي. خطاب أوباما، بلغته المصقولة، المُحلَّقة، حول الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى اتّباع "سياسات الأمل" بدلاً من "سياسات التشكيك"، أدى إلى أكثر بكثير من إثارة حماس الحاضرين في المؤتمر. فقد وضع هذا الخطاب أوباما تحت أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد في الحزب الديمقراطي. فانطلق من هناك للفوز بسهولة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف وحصل على نسبة ساحقة بلغت 70 بالمئة من الأصوات الشعبية. غير أنه ورغم الفوضى الكاملة تقريباً التي حلت بصفوف الجمهوريين في إلينوي تلك السنة التي ساهمت بدون شك في تحقيق تلك النسبة الساحقة من النجاح لأوباما، إلاّ أن انتصاره ظل حدثاً مؤثراً بعمق من حيث أنه فاز في 93 مقاطعة من المقاطعات ال102 للولاية، وحصل على أصوات الناخبين البيض بما يزيد عن هامش اثنين إلى واحد. كانت شهرة أوباما في كونه يمثل جيلاً جديداً من السياسيين قادراً على التغلب على الانقسامات العرقية التقليدية تتنامى باستمرار. ففي مقال عن سيرة أوباما نشر في صحيفة النيويوركر، وبعد أن لاحظ موهبة أوباما "المتمثلة في قدرته على الانزلاق بمهارة في لهجة محدثه"، قال الكاتب وليام فينينغان إن أوباما "يتحدث بمجموعة شاملة من اللهجات العامية الأميركية". قدم أوباما تفسيراته الخاصة لماذا يستطيع التواصل مع الناس البيض. فقال: "أنا أعرف هؤلاء الناس، انهم جديَّ وجدتي ... طبائعهم، حساسياتهم، شعورهم بما هو صح وخطأ، كلها أشياء مألوفة كلّياً لديّ." في مجلس الشيوخ، جمع أوباما سجلاً انتخابياً يتماشى مع الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي. انتقاده للحرب في العراق كان إحدى علاماته الفارقة ويعود إلى خطاب ألقاه في العام 2002، حتى قبل أن تبدأ الحرب، عندما حذر من أن أي عمل عسكري كهذا "سوف لن يستند إلى المبادئ بل إلى السياسة". كما عمل على تعزيز المعايير الأخلاقية في الكونغرس وتحسين العناية بالمحاربين القدامى وزيادة استعمال أنواع الوقود المتجدد. وكانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة للحزب الديمقراطي التي جرت في العام 2008، مع الانتخابات والاجتماعات الانتخابية الحزبية في كافة الولايات الخمسين، تاريخية من عدة جوانب. وإذا كان قد ترشح في السابق أميركيون من أصل إفريقي ونساء لمنصب الرئاسة، لكن في هذه المرة كان المرشحان المتقدمان هما امرأة وأميركي من أصل إفريقي. ومع بدء باراك أوباما وسبعة غيره من المتنافسين للفوز بتسمية الحزب الديمقراطي بتنظيم صفوفهم في العام 2007، كانت استطلاعات الرأي تصنف أوباما باستمرار كمرشح للرئاسة، في الموقع الثاني بعد المرشح المفضل المفترض، وهي عضو مجلس الشيوخ في ولاية نيويورك هيلاري كلينتون. غير أن أوباما حقق نجاحاً كبيراً في هذه المرحلة المبكرة من السباق بحشده كادرات من المؤيدين المتحمسين، وعلى وجه الخصوص بين الشباب، مما أوجد تنظيما رئيسيا للحملة على مستوى البلاد وبنية تحتية واسعة النطاق لجمع التبرعات عبر الإنترنت. وحيث كانت كلينتون تتمتع بشهرة أكبر بفضل اسمها المعروف، وبآلية انتخابية جيدة التنظيم، وبدعم على مستوى الولايات من الزعماء الديمقراطيين، فقد صمم معسكر أوباما استراتيجية مبتكرة لإبطال مفعول هذه المزايا: استهداف الولايات التي تستخدم اجتماعات انتخابية حزبية بدلاً من الانتخابات التمهيدية العامة، والتركيز على الولايات الأصغر حجماً التي كانت تدلي بأصواتها تقليدياً لصالح الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة. استغلت هذه المقاربة نظام التمثيل النسبي للحزب الديمقراطي، الذي يمنح الفائز في كل ولاية نسبة من أصوات مندوبي المؤتمر الانتخابي تتناسب تقريباً مع حصة ذلك المرشح من الأصوات الشعبية، وذلك خلافاً للنظام الجمهوري الذي يمنح أكثرية أو كل مندوبي المؤتمر إلى الفائز في كل ولاية. نجحت هذه الاستراتيجية في أول اجتماع حزبي انتخابي في البلاد جرى في ولاية آَيوا في 3 ناير، 2008، عندما سجل أوباما انتصاراً غير متوقع على كلينتون. أدى الانتصار في آَيوا إلى تغيير قواعد اللعبة، كما وصفتها صحيفة الواشنطن بوست، إذ كتبت تقول: "الانتصار على كلينتون بدّل مجرى السباق من خلال تثبيت أوباما كمنافس رئيسي لكلينتون، وهو أصبح المرشح الوحيد الذي يحمل رسالة، وقدرات تنظيمية وموارد مالية لتحدي موقعها المتقدم كالمرشح الأول." سجلت هذه الاستراتيجية نجاحاً ثانياً في "الثلاثاء العظيم"، حين جرت الانتخابات بالتزامن مع بعضها البعض في 22 ولاية في 5 شباط/فبراير، عندما تعادل أوباما مع كلينتون واكتسح بسهولة الولايات الريفية في الغرب والجنوب. كما أصابت هذه الاستراتيجية النجاح عندما تمكن أوباما من الانتصار في 10 منافسات انتخابية متتالية أخرى في شباط/فبراير، مرسخاً بذلك تقدماً في عدد المندوبين لم تتمكن كلينتون أبداً من اللحاق به. وباراك أوباما هو من بين أصغر الرؤساء الأميركيين سناً. ولد في نهاية جيل "طفرة المواليد" بعد الحرب العالمية الثانية (1946-1964)، كما انه أيضاً أول رئيس بلغ سن الرشد في الثمانينات من القرن الماضي، التي كان ينبغي التوقع ان تُشكِّل بحد ذاتها نذيراً تغييرياً. البيئة التي ترعرع فيها كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن الستينات الصاخبة اجتماعياً، وهي السنوات التي كانت صاغت شخصية جيل طفرة المواليد الذي سبق جيل أوباما. وكما قال أوباما في إحدى المرات عن الانتخابات الرئاسية للعام 2000 وللعام 2004، التي تنافس فيها مرشحون من جيل سبق بكثير جيل ما بعد حرب فيتنام، فقال، "شعرت أحياناً كما لو كنت أراقب دراما نفسية لجيل طفرة المواليد، أي تلك القصة المتجذرة في الضغائن القديمة والمؤامرات الانتقامية التي جرى إعدادها في أحرام جامعات معدودة منذ وقت طويل، وكانت تنفذ الآن على المسرح القومي." قدمت لاريسا مكفاركوهار من مجلة نيويوركر، نظرية حول الجاذبية الملحوظة لأوباما المتجاوزة للخطوط السياسية التقليدية، فكتبت تقول، "سِجل أوباما الانتخابي يشير إلى أنه من أشد الليبراليين في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً يحصل على إعجاب الجمهوريين ربما لأنه يتحدث حول الأهداف الليبرالية بلغة محافظة." وأضافت تقول، "في نظرته للتاريخ، في احترامه للتقاليد، في يقينه بأن العالم لا يمكن أن يتغير بأي طريقة غير الطريقة البطيئة، البطيئة جداً، كان أوباما يعتبر محافظاً بعمق." حطَّم الرئيس أوباما حدوداً جديدة في السياسات الأميركية. جاء ترشيحه في الوقت الدقيق الذي كان العديد من الأميركيين يعتقدون فيه أن بلادهم بحاجة إلى تحول أساسي في توجهاتها. من المحتمل أن بي جي ديون، المعلق السياسي في صحيفة الواشنطن بوست، قد عبّر بصورة ممتازة عن اللقاء التصادمي بين ترشيح أوباما وروح العصر الأميركي عندما كتب يقول: "التغيير، وليس الخبرة، كان السمة الطاغية لليوم. النظرة الشاملة، وليس إجادة التفاصيل، كان الفضيلة الأكثر قيمة في خطابات الحملة الانتخابية. الانفصال الكامل عن الماضي، وليس فقط العودة إلى أيام أفضل، شكّل الوعد الأكثر جدارة للنضال من أجله." وهذه مقتطفات من "لحظة أميركا المواتية،" كلمة أمام مجلس شيكاغو حول الشؤون العالمية، 23 إبريل، 2007: "لدي قناعة بأن أهم مهمة من مهمات أي رئيس هي حماية الشعب الأميركي. وأنا مقتنع، بالدرجة ذاتها، بأن القيام بهذا العمل بشكل فعال في القرن الواحد والعشرين سيتطلب رؤيا جديدة للقيادة الأميركية، وتصوراً جديداً لأمننا القومي، رؤيا تستفيد من عبر الماضي، ولكنها ليست حبيسة طريقة تفكير بالية. ففي عالم اليوم المعولم، هناك صلة لا تفصم تربط بين أمن الشعب الأميركي وأمن جميع الشعوب. وعندما يهدد الفساد والاتجار بالمخدرات الديمقراطية في أميركا اللاتينية، تكون هذه مشكلة أميركا أيضاً. وعندما لا يكون أمام القرويين الفقراء في إندونيسيا خيار سوى إرسال دجاج مصاب بفيروس إنفلونزا الطيور إلى الأسواق، لا يمكن اعتبار ذلك شأناً بعيداً عنا. وعندما تقوم المدارس الدينية في باكستان بتعليم الأطفال الصغار الضغينة والكراهية، يهدد ذلك أطفالنا أيضا. وهكذا لم يعد بالإمكان اليوم احتواء التهديدات التي نواجهها في فجر القرن الواحد والعشرين ضمن حدود معينة، سواء كانت تلك التهديدات إرهاباً عالمياً أو وباء متفشياً أو تغيراً مناخياً مفاجئاً أو انتشاراً لأسلحة الدمار الشامل." ***** وربما وجد كثير من الأميركيين أنه من المغري الانطواء على أنفسنا، والتنازل عن دورنا القيادي في الشؤون العالمية. إلا أنني أصرّ على أن تخلياً من هذا القبيل عن دورنا القيادي هو خطأ ينبغي أن لا نرتكبه. إذ لا يمكن لأميركا مواجهة تهديدات هذا القرن والتغلب عليها وحدها، ولكن العالم لا يمكنه مواجهتها والتغلب عليها بدون أميركا. وعليه، يجب علينا أن لا ننسحب من العالم، وألا نحاول إكراهه على الخضوع، يجب علينا أن نقود العالم، بالأفعال وبالقدوة الحسنة. يجب علينا ممارسة القيادة عن طريق إنشاء جيش للقرن الواحد والعشرين، لضمان أمن شعبنا وتحسين أمن جميع الشعوب. ويجب علينا ممارسة القيادة عن طريق تنظيم جهد عالمي لوقف انتشار أخطر أسلحة العالم. ويجب علينا ممارسة القيادة من خلال إقامة وتعزيز الشراكات والتحالفات الضرورية لمواجهة تحدياتنا المشتركة والتغلب على التهديدات المشتركة. ويجب أن تمارس أميركا القيادة عن طريق التواصل مع جميع أولئك الذين يعيشون حياة يائسة منقطعين عن الآخرين في زوايا العالم المنسية، ففي حين أنه سيكون هناك دائماً أولئك الذين يستسلمون للكراهية ويربطون أحزمة ناسفة على أجسادهم، هناك ملايين أكثر يريدون أن يسلكوا طريقاً آخر، يريدون أن تنير شعلة الأمل التي نملكها طريقهم." ***** "أميركا هي الدولة التي ساعدت في تحرير قارة من زحف رجل مجنون. إننا الدولة التي أخبرت السكان البواسل في مدينة مقسَّمة أننا كلنا من أهالي برلين أيضاً. لقد أرسلنا أجيالاً من الشباب للخدمة كسفراء للسلام في دول في جميع أنحاء العالم. ونحن الدولة التي هرعت لإرسال المعونة إلى جميع أنحاء آسيا وإغاثة ضحايا كارثة تسونامي مدمِّرة. والآن حانت لحظتنا المواتية لتولي القيادة. حانت الساعة المناسبة لأن يسطر جيلنا قصة أميركية عظيمة أخرى، لكي نتمكن من القول في يوم ما لأبنائنا بأن هذا كان العصر الذي حققنا فيه السلام في الشرق الأوسط، وأن هذا كان العصر الذي تصدينا فيه لتغير المناخ، وضمنا صون عالمنا من خطر الأسلحة التي يمكنها القضاء على الجنس البشري. هذا كان العصر الذي قدمنا فيه فرصاً لتلك الأركان المنسية من العالم. وهذا كان العصر الذي قمنا فيه بتجديد أميركا التي تولت قيادة أجيال من المسافرين المرهقين من جميع أنحاء العالم ليجدوا الفرص والحرية والأمل على عتبة بابنا". والنص أدناه مقتطف من كتاب بعنوان "الرئيس باراك أوباما، مختارات من أبرز خطبه،" من منشورات مكتب برامج الإعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، باللغة العربية. " أيها المواطنون، أقف هنا اليوم متواضعا أمام المهمة التي تنتظرنا، ممتنا للثقة التي أنعمتم بها علي، واعيا التضحيات التي تحملها أسلافنا. وأقدم الشكر للرئيس بوش على خدماته لبلدنا وعلى الكرم والتعاون اللذين أبداهما طيلة الفترة الانتقالية. أربعة وأربعون أميركيا أدوا حتى الآن قسم الرئاسة. وقد ترددت تلك الكلمات خلال ارتفاع موجات الرخاء وسكون مياه السلام. لكن القسم أديت أيضا في غمرة من تلبد الغيوم والأعاصير العاتية. وقد تمكنت أميركا في تلك الأوقات من المضي والاستمرار لا لمجرد مهارة ورؤيا أولئك الذين تبوأوا المناصب الرفيعة، بل لأننا، نحن الشعب، بقينا مخلصين لمُثل أسلافنا وأمينين على وثائق تأسيس بلادنا. هكذا كان، وهكذا يجب أن يكون مع هذا الجيل من الأميركيين. صحيح أننا نمر الآن فعلا في أزمة. فبلادنا في حرب ضد شبكة مترامية الأطراف من العنف والبغضاء. والاقتصاد في حالة من الضعف والوهن الشديدين نتيجة لجشع وانعدام مسؤولية البعض، ولإخفاقنا الجماعي أيضا في اتخاذ الخيارات الصعبة وإعداد الشعب لهذا العهد الجديد. فُقدت بيوت، وتقلصت أعمال ووظائف وأغلقت مؤسسات تجارية. ونظامنا الصحي مكلف جدا. مدارسنا تفشل بأعداد مفرطة، وكل يوم يجلب معه مزيدا من الدلائل على أن الطريقة التي نستخدم بها الطاقة تقوّي خصومنا وتهدد كوكبنا الأرضي. هذه مؤشرات أزمة طبقا للبيانات والإحصائيات. وهناك استنزاف للثقة عبر بلادنا ليس أقل شدة وإن كان أقل تحديدا– وهو الخوف الملح من أن انحسار أميركا لا رجعة فيه وأنه، يجب على الجيل القادم أن يخفض أهدافه. واليوم أعلن لكم أن التحديات التي نواجهها حقيقية. وهي خطيرة وكثيرة. ولا يمكن مواجهتها بسهولة أو في فترة قصيرة من الزمن. ولكن فلتعلم أميركا هذا – إننا سنواجهها. إننا نحتشد في هذا اليوم لأننا اخترنا الأمل بدلا من الخوف، ووحدة الهدف بدلا من النزاع والخلاف. ولقد أتينا اليوم كي نعلن انتهاء الشكاوى التافهة والوعود الكاذبة، والاتهامات والعقائد البالية التي خنقت سياساتنا زمنا طويلا. نحن لا نزال أمة فتيّة، لكن كلمات الكتاب المقدس تدعونا إلى أنه قد آن الأوان كي ننحي جانبا الأمور الصبيانية. لقد آن الأوان لتجديد روحنا الدائمة، لكي نختار تاريخنا الأفضل، كي نحمل عطيتنا الثمينة ونمضي سائرين بها إلى الأمام، تلك هي الفكرة النبيلة التي انتقلت من جيل إلى جيل: وهي ما وعدنا الله أن نكون كلنا متساوين، كلنا أحرارا، كلنا مستحقا فرصة كي يسعى في نشدان أقصى قدر من السعادة. إننا بإعادة التأكيد على عظمة بلادنا ندرك أن العظمة ليست إطلاقا أمرا مسلما به. فهي يجب أن تكتسب باستحقاق. فمسيرتنا لم تكن أبدا سلوك الطرق المختصرة أو الرضا بالقليل. وهي لم تكن سبيل خائري العزم– أولئك الذين يفضلون أوقات الفراغ والراحة على العمل، أو يسعون في سبيل الاستمتاع بالغنى والشهرة. إنها مسيرة المغامرين بالمخاطرة، والفاعلين، وصانعي الأمور – بعضهم مشهور ولكنهم في الغالب رجال ونساء مغمورون في عملهم، هم الذين مضوا بنا على الطريق الطويل الوعر نحو الرخاء والحرية. فهم من أجلنا حزموا متاعهم الدنيوي القليل ورحلوا عبر المحيطات بحثا عن حياة جديدة. هم من أجلنا كدّوا في المعامل المعرقة (المحال الصغيرة المكتظة في ظروف سيئة) واستقروا في الغرب وتحمّلوا جلد الأسواط وحرثوا الأرض الصلبة الجامدة. من أجلنا حاربوا وماتوا في أمكنة مثل كونكورد وغتيسبيرغ ونورماندي وخي سان (فيتنام). مرارا وتكرارا حارب أولئك الرجال والنساء وضحوا وعملوا حتى كلّت أيديهم وتقرّحت كي نعيش نحن حياة أفضل. نظروا إلى أميركا على أنها أكبر من طموحاتنا الفردية وأعظم من كل فوارق المولد والثروة والطائفة. هذه هي المسيرة التي نواصلها نحن اليوم. فنحن أكثر الدول ازدهارا وقوة على وجه الأرض. وعمالنا ليسوا الآن أقل إنتاجا مما كانوا عندما بدأت الأزمة. وعقولنا ليست أقل ابتكارا، وسلعنا وخدماتنا ليست أقل حاجة إليها مما كانت في الأسبوع الماضي أو الشهر الماضي أو السنة الماضية. فقدرتنا ما زالت كما هي دون نقصان. لكن زمن التشبث بآرائنا وحماية مصالحنا الضيقة وتأجيل اتخاذ القرارات الأليمة– ذلك الوقت لا شك قد ولّى. فابتداء من اليوم، يجب علينا أن ننهض وننفض عنا الغبار ونبدأ العمل من جديد لنعيد صنع أميركا. فأينما نظرنا، هناك عمل ينتظر أداءه. الوضع الاقتصادي يدعو إلى العمل الشجاع السريع، وسنعمل – لا على ملء وظائف جديدة وحسب، بل وعلى وضع أساس جديد للنمو. سنبني الطرق والجسور وشبكات توزيع الكهرباء والخطوط الرقمية التي تغذي تجارتنا وتربط فيما بيننا. سنعيد للعلم مكانته الصحيحة، ونستخدم عجائب التكنولوجيا لرفع نوعية الرعاية الصحية وتخفيض الكلفة. سنسخر طاقة الشمس والرياح والتربة لتزويد سياراتنا بالوقود وإدارة مصانعنا. وسنغير مدارسنا وكلياتنا وجامعاتنا كي تلبي مطالب العصر الجديد. كل هذا نستطيع عمله. وكل هذا سنعمله. هناك الآن من يشككون في مدى طموحاتنا – من يوحون بأن نظامنا لا يحتمل خططا كبيرة كثيرة. لكن ذاكرتهم قصيرة. فهم نسوا ما قد حققه هذا البلد بالفعل، وما يمكن أن يحققه الرجال والنساء الأحرار عندما يقترن الإبداع بالهدف المشترك، وتتواءم الحاجة مع الشجاعة. إن ما يخفق المتشككون في إدراكه هو أن الأرض قد انزلقت من تحتهم – أن المجادلات السياسية الممجوجة التي استحوذت علينا ردحا طويلا لم تعد قابلة. والسؤال الذي نطرحه اليوم لم يعد ما إذا كانت حكومتنا كبيرة أم صغيرة – بل هل هي فاعلة، وهل تساعد الأسر في العثور على عمل بأجور معقولة، ورعاية (صحية) يقدرون عليها، وتقاعد كريم. وحيث يكون الجواب بالإيجاب، ننوي أن نمضي قدما إلى الأمام. وحيث يكون الجواب سلبا، ستكون نهاية البرامج. وأولئك المسؤولون منا عن إدارة المال العام سيخضعون للمحاسبة – على الإنفاق بحكمة، وتقويم العادات السيئة، والقيام بعمل حكومتنا في وضح النهار – لأننا عندئذ فقط نستطيع استعادة الثقة الحيوية بين الشعب وحكومته. وليس السؤال الذي يواجهنا هو ما إذا كانت السوق قوة خير أم شر. إنها قوة لا مثيل لها في توليد الثروة ونشر الحرية، لكن هذه الأزمة ذكّرتنا بأن السوق بدون عين ساهرة يمكن أن تنطلق في دوامة بدون ضابط – وأن البلاد لا يمكن أن تزدهر طويلا إذا كانت تحابي الأثرياء فقط. إن نجاح اقتصادنا لم يعتمد دائما على مجرد حجم إجمالي إنتاجنا المحلي وحسب بل وعلى مدى انتشار رخائنا وعلى قدرتنا على فتح الفرص أمام كل راغب مستعد – لا إحسانا، بل لأن ذلك هو السبيل الأكيد المؤدي إلى خيرنا المشترك. وبالنسبة إلى دفاعنا المشترك، نحن نرفض الخيار بين سلامتنا ومثلنا العليا باعتباره شيئا زائفا. إن آباءنا المؤسسين، وقد واجهوا مخاطر لا نتصورها نحن إلا بشق النفس، كتبوا دستورا لتأمين حكم القانون وحقوق الإنسان، ميثاقا توسع بدم العديد من الأجيال. وتلك المثل ما زالت تضيء العالم ولن نتخلى عنها من أجل الذرائع النفعية. وعليه، لجميع الشعوب والحكومات الأخرى التي تراقب اليوم، من أعظم العواصم إلى القرى الصغيرة حيث ولد أبي أقول: اعلموا أن أميركا صديق لكل دولة وكل رجل وامرأة وطفل ينشد مستقبلا من السلام والكرامة، وأننا مستعدون لتولي القيادة مرة أخرى. تذكروا أن الأجيال الماضية تصدت للفاشية والشيوعية، ليس بالصواريخ والدبابات، بل بتحالف قوي وقناعات راسخة. إنها أدركت بأن قوتنا وحدها لا تستطيع أن تحمينا ولا هي تخولنا أن نعمل ما نريد. إنها علمت، عوضا عن ذلك، أن قوتنا تنموا عبر استعمالها بحكمة؛ وأن أمننا ينبعث من عدالة قضيتنا، وقوة مثلنا وشيم التواضع وضبط النفس. ونحن أمناء على هذا التراث. وإذ نسترشد بهذه المبادىء مرة أخرى، نستطيع أن نواجه تلك التهديدات الجديدة التي تتطلب منا جهدا أعظم حتى من ذلك – وحتى تعاونا وتفاهما أكبر بين الدول. إننا سنبدأ بالانسحاب من العراق وتركه لشعبه بروح من المسؤولية، وسوف نصوغ سلاما تم تحقيقه بجهد بالغ في أفغانستان. وسنعمل مع أصدقاء وأخصام قدامى بلا ملل للإقلال من الخطر النووي وتقليص شبح كوكب متزايد الحرارة. وإننا لن نعتذر عن أسلوب حياتنا، كما أننا لن نتردد في الدفاع عنها، ولأولئك الذين يسعون إلى تحقيق غاياتهم عن طريق الإرهاب وذبح الأبرياء، نقول إنكم تعلمون أن روحنا أقوى ولا يمكن أن تكسر؛ ولن تستطيعوا أن تصمدوا أكثر منا؛ وسوف نهزمكم. ذلك أننا نعلم بأن تراثنا الفسيفسائي المتنوع هو مصدر قوة، وليس ضعف. إننا دولة من مسيحيين ومسلمين، ومن يهود وهندوس –وأناس غير مؤمنين. وقد صاغتنا كل لغة وثقافة، مستمدة من كل ركن من أركان هذه الأرض؛ ولأننا ذقنا الطعم المرير للحرب الأهلية والفصل العنصري، وخرجنا من ذلك الفصل المظلم أقوى وأكثر اتحادا، لا يسعنا إلا أن نؤمن بأن الكراهية لا بد وأن تزول يوما ما؛ وأن الخطوط القبلية سوف تندثر قريبا، وأنه إذ يصبح العالم أصغر حجما، فإن إنسانيتنا المشتركة سوف تتجلى؛ وأنه يتعين على أميركا أن تلعب دورها في استنهاض حقبة جديدة من السلام. وبالنسبة إلى العالم الإسلامي، إننا ننشد طريقا جديدا إلى الأمام، يرتكز على المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل. ولأولئك القادة حول العالم الذين يسعون إلى زرع بذور النزاع، أو يحملون الغرب علل مجتمعاتهم، أقول – اعلموا أن شعبكم سيحكم عليكم على ما تستطيعون أن تبنوه، لا على ما تدمرونه. ولأولئك الذين يتمسكون بالسلطة عن طريق الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف أقول، اعلموا أنكم في الجانب الخاطىء من التاريخ؛ ولكننا سنمد أيدينا إليكم إذا كنتم مستعدين لأن تبسطوا قبضتكم. ولشعوب الدول الفقيرة، نتعهد بالعمل إلى جانبكم لجعل مزارعكم تزدهر وجعل المياه النظيفة تتدفق، وتغذية الأجسام الجائعة وإشباع العقول المتعطشة. ولتلك الدول الشبيهة ببلدنا التي تتمتع بوفرة نسبية، نقول لم يعد في استطاعتنا ألا نأبه للمعاناة خارج حدودنا؛ ولا أن نستهلك موارد العالم بدون اعتبار للنتائج. ذلك أن العالم قد تغير، ويجب أن نتغير معه. وإذ نتأمل بالطريق الذي يتجلى أمامنا، نتذكر بامتنان متواضع أولئك الأميركيين الشجعان الذين، في هذه اللحظة بالذات، يقومون بدوريات في الصحارى البعيدة والجبال النائية. إن لديهم شيئا يقولونه لنا اليوم، مثلما يهمس الأبطال الذين سقطوا وقد احتضنتهم آرلنغتون (المقبرة القومية)، عبر العصور. إننا نكرمهم ليس فقط لأنهم حراس لحريتنا، بل لأنهم يجسدون روح الخدمة، والرغبة في إيجاد معنى في شيء أعظم منهم. ومع ذلك، في هذه اللحظة – وهي لحظة تميز جيلا – هذه بالضبط هي الروح التي ينبغي أن تسكن فينا جميعا. ذلك أنه مهما استطاعت الحكمة أن تفعل، ويجب أن تفعل، فإنه في النهاية إيمان وتصميم الشعب الأميركي الذي تعتمد عليه هذه الدولة. إنه التراحم بأن تستضيف غريبا عندما ينهار سد (ليغرق منزله)، وروح الإيثار لدى العمال الذين يفضلون أن تخفض أجورهم على أن يروا صديقا يفقد عمله، هذه الشهامة التي تأخذ بيدنا في أحلك ساعاتنا. وهي شجاعة مكافح الحرائق الذي يقتحم أدراجا مليئة بالدخان، ولكن أيضا استعداد الأبوين لتربية طفل، التي في النهاية تقرر مصيرنا. إن تحدياتنا قد تكون جديدة. وقد تكون الأدوات التي نتصدى لها بها جديدة. لكن تلك القيم التي يعتمد نجاحنا عليها – العمل الشاق والاستقامة، والشجاعة، والصدق والتسامح والفضول وحب الوطن – هذه أيضا قيم عريقة. هذه الأشياء صحيحة. لقد كانت قوة التقدم الهادئة عبر تاريخنا. ما هو مطلوب إذن هو عودة إلى هذه الحقائق. ما هو مطلوب منا الآن هو حقبة جديدة من المسؤولية – إقرار من جانب كل أميركي، بأن لدينا واجبات تجاه أنفسنا، ودولتنا، والعالم، واجبات لا نتقبلها على مضض بل بكل طيبة خاطر، راسخين في معرفتنا بأنه ليس هناك ما هو مرض للروح، ومحدد لخلقنا، أكثر من بذل كل ما في وسعنا من أجل تحقيق مهمة صعبة. هذا هو الثمن وهذا هو وعد المواطنية. هذا هو مصدر إيماننا– معرفة أن الله يهيب بنا أن نصوغ مصيرا غير مؤكد. هذا هو معنى حريتنا وعقيدتنا – عندما يستطيع رجال ونساء وأطفال من كل عنصر وعقيدة الاشتراك في الاحتفال عبر هذا الميدان الرائع، ولماذا يستطيع الآن رجل ربما لم يكن والده قبل أقل من 60 عاما قادرا على ارتياد مطعم محلي، يقف الآن أمامكم لأداء أقدس قسم. فدعونا نحتفل بهذا اليوم بتذكر من نحن والمسافة التي قطعناها. في سنة ولادة أميركا، وفي الأشهر بردا، تجمع فريق صغير من الأشخاص المتعلقين بوطنهم حول نار توشك أن تنطفىء على شواطىء نهر متجمد. وكانت العاصمة قد هجرها سكانها وكان العدو يتقدم. كان الثلج قد تلطخ بالدم. وفي لحظة بدت فيها ثورتنا تكتنفها الشكوك، أمر مؤسس دولتنا أن تتلى هذه الكلمات لشعبنا: "فليكن معلوما للعالم المستقبلي أنه... في خضم الشتاء القارس حيث لا يستطيع أن يعيش سوى الأمل والفضيلة ...أن المدينة والبلاد، التي أرعبها خطر مشترك قد خرجت للتصدي له." أميركا: في وجه أخطارنا المشتركة، وفي شتاء مصاعبنا هذه، دعونا نتذكر هذه الكلمات التي لا يمحوها الزمن. بالأمل والفضيلة، دعونا نتصدى مرة أخرى للتيارات الجليدية، ونتحمل أية عواصف يمكن أن تهب. وليقل أحفادنا إننا عندما اختبرتنا المحن رفضنا أن تنتهي هذه المسيرة، وأننا لم نتراجع، ولا نحن تخاذلنا. وفيما تشخص أبصارنا نحو الأفق وقد حلت نعمة الله علينا، حملنا تلك العطية العظيمة من الحرية، وسلمناها بأمان لأجيال المستقبل". ......................................................... الصورة : باراك في العاشرة من عمره، مع والده الكيني، باراك أوباما الأب.