ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، مساء اليوم الأربعاء بمسجد للا خديجة بمدينة وجدة، حفلا دينيا كبيرا إحياء لليلة القدر المباركة.بعدما ترأس درسا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية،عشية نفس اليوم الرمضاني الكريم. وبعد صلاة العشاء والتراويح، رتل المقرئ الطفل عبد الرحيم الحمودي الفائز بالرتبة الأولى ل"جائزة محمد السادس الأولى في حفظ وتجويد القرآن الكريم وترتيله"، آيات بينات من الذكر الحكيم. ثم تقدم للسلام على صاحب الجلالة وتسلم الجائزة من جلالته. وتعكس هذه الجائزة الاهتمام والرعاية اللذين يوليهما أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لحفظة كتاب الله وتشجيع النشء الصاعد على حفظ وتجويد القرآن الكريم. كما تجسد قدم وعراقة صلة أهل المغرب بالقرآن الكريم، حفظا وترتيلا وتجويدا، والعناية الخاصة التي خصصت للقرآن الكريم وأهله عبر تاريخ المغرب. إثر ذلك ألقى الأستاذ عبد العزيز سي الإبن رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية والناطق بلسان الأسرة التجانية المالكية بالسينغال، كلمة باسم السادة العلماء المشاركين في الدروس الحسنية الرمضانية، الوافدين من مختلف البلدان والبقاع الاسلامية، عبر فيها عن جزيل شكر هؤلاء العلماء وعظيم امتنانهم وفائق تقديرهم لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على ما أحيطوا به من فائق العناية وكريم الوفادة وحفاوة الاستقبال خلال مقامهم بالمملكة السعيدة. وأشاد الأستاذ عبد العزيز سي الإبن بالدروس الحسنية التي تنظم تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك، والتي "أصبحت بإجماع أهل العلم والفكر، مدرسة فكرية عالمية فريدة من نوعها"، وذلك خدمة للاسلام والمسلمين، واستمرارا في الوفاء لرسالة العرش العلوي المجيد ولتاريخ الملوك العلويين الأبرار. وقال "إنكم ياجلالة الملك بذلتم وتبذلون باستمرار جهودا مكثفة، تذكر وتشكر، من أجل خدمة القضايا الاسلامية والوطنية والدولية والاهتمام الدؤوب بشؤون المسلمين ولم شملهم وتأليف قلوبهم، إخوانا متضامنين ذوي وجدان واحد وإحساس واحد وشعور إسلامي متبادل، الامر الذي جعل ألسنة الناس تلهج دوما بالدعاء لكم والثناء على مواقفكم الفذة تجاه قضايا الامة الاسلامية بأسرها". وبهذه المناسبة الدينية تم ختم صحيح البخاري من طرف العلامة مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة، بعد أن سرد حديث الختم الفقيه لحسن الرحموني عضو المجلس العلمي المحلي بوجدة. وفي ختام هذا الحفل الديني المهيب، رفعت أكف الضراعة إلى المولى عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وينصره نصرا مبينا يعز به المسلمين، وبأن يتوج بالنجاح أعماله ويحقق مطامحه وآماله ويبارك خطوات جلالته ومشاريعه التنموية الهادفة إلى تحقيق رفاهية شعبه ورغده . كما تضرع الحاضرون إلى العلي القدير بأن يقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة. وتوجه الحاضرون أيضا بالدعاء إلى العلي جلت قدرته بأن يمطر شآبيب رحمته ورضوانه على فقيدي الأمة جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني أكرم الله مثواهما وأسكنهما فسيح جناته. حضر هذا الحفل الديني بالخصوص أعضاء الهيئة الوزارية وسفراء الدول الاسلامية المعتمدون بالرباط وكبار ضباط القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية والعلماء الذين شاركوا في الدروس الحسنية الرمضانية، ورؤساء المجالس العلمية والمنتخبون ورجال السلطة المحلية والاقليمية وشخصيات أخرى. وسبق أن ترأس أمير المؤمنين ،عشية اليوم الأربعاء بمسجد للا خديجة بوجدة، درسا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وألقى هذا الدرس، بين يدي أمير المؤمنين، السيد عبد الله البشير من علماء السودان، تناول فيه بالتحليل موضوع "عمل المغاربة ببلاد السودان لنشر المذهب المالكي وطرق العرفان"، انطلاقا من الحديث النبوي الشريف "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير". وأكد السيد البشير أن المغرب أغنى الساحة الإفريقية بجهود رجاله "الذين بدت آثارهم واضحة وثمارهم ظاهرة في أقاصي القارة"، فنشروا المذهب المالكي والتصوف، مع غلبة اتجاه على آخر، في مختلف الربوع، وثبت تاريخيا اتصال المغرب بالسودان في العهود الأولى (غربا وشرقا "الحبشة" ووسطا) وانتشار الإسلام بالسودان على أيدي التجار العرب والمغاربة. وبخصوص تحديد المفهوم الجغرافي للمغرب والسودان، أوضح أن المغرب كان يشمل شمال إفريقيا والأندلس فيما لم تكن تسمية السودان، بالمفهوم الواسع كما حدده الشيخ حسن الفاتحي، مستخدمة قبل توسع القبائل العربية في إفريقيا. وتحدث عن المغرب وعشق الهجرة العلمية التي كانت تعني إحراز قصب السبق لدى طلبة العلم والفقهاء والعلماء مما أثمر رحلات وجهودا عظيمة في حفظ الإسلام ونشره. وكان من بين هذه الهجرات هجرة المغاربة إلى السودان الشرقي الأمر الذي أدى إلى تلاقح فكري وتواصل اجتماعي باعتبار السودان المعبر الأقرب والأكثر أمنا والآهل بالسكان مما أعطى أهله فرصة التواصل خاصة مع حملة العلم من المغاربة. وأثمرت هذه الجهود الدعوية للمغاربة في السودان بروز الطريقة الشاذلية وجهود المجاذيب والطريقة التيجانية ومن أوائل من قدم بها الشريف عبد المنعم بن الشريف عبد العزيز، وكذا الطريقة الأحمدية. كما أن المغرب عرف هجرة معاكسة من بلاد السودان مما أثمر إفادة متبادلة باستقرار عدد من السودانيين بالمغرب خاصة بمدينة فاس ونهلهم من حياض العلم وتتلمذهم وإجازتهم على أيدي فقهائها وعلمائها. وتمثلت الجهود المغربية في نشر العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي ببلاد السودان في اعتماد هذه البلاد "للمدونة الكبرى" أصل المذهب وعمدة الفقهاء والقضاء في الإفتاء والقضاء، التي تعتبر صناعة مغربية نصوصا وشروحا واختصارا وإن كانت ثلاثية التأليف (أجوبة بن مالك، وابن قاسم، وسحنون). واعتبر الأستاذ عبد الله البشير اعتناق المذهب المالكي "إنقاذا من هلاك محقق" بعد إقامة عبد الله بن ياسين (ق 5 الهجري) لرباطه لتلقين صحيح الدين وأمه المئات من طلبة العلم والدين ومنه أخذت قبائل شنقيط علمها وعقائدها. وتحدث عن المشكلات العلمية والتوثيقية والمكتبية التي جعلت الحاجة ماسة إلى التبادل مع المغرب ومن ضمنها المشكلات الفقهية في السودان الشرقي حيث لم تشتهر مدرسة علم أو قرآن فانصرف العلماء إلى التدريس اعتمادا على رسالة أبي زيد القيرواني بالخصوص، ومشكلات التوثيق العلمي إذ كانت الساحة تعاني من فراغ في مجال التوثيق التاريخي. وبخصوص حركة المصنفات العلمية وتداولها، ذكر الأستاذ عبد الله البشير بالخصوص تداول "المدونة" وشرحها لابن عمران وأعطى كنماذج مغربية في السودان الشرقي العلامة أحمد بن محمد بن ناصر بن محمد السلاوي الفاسي الذي استقر بمصر عامين وعين مفتيا مالكيا بالفيوم بعد أدائه مناسك الحج ثم مفتيا عاما ورئيسا للقضاء إلى حين وفاته. وأشار إلى مساهمات العلامة السلاوي الفاسي في تحديث النظام القضائي بالسودان وجهوده الإدارية الضخمة التي اعتبرت حجر الأساس في تشييد وزارة الأوقاف وتشجيع عدد من طلبته من علماء السودان على الكتابة والتأليف. كما تحدث عن الشريف الوزاني الفاسي الذي ولج السودان الغربي وزار السودان الشرقي وله تصانيف في العلوم الشرعية والنحو بالخصوص، والفقيه محمد بحري الفاسي الذي كانت له نيابة القضاء وحلقة علمية بالسودان، والشريف عبد الله الشريف الفاسي الذي هاجر إلى السودان الشرقي واستقر ب"الحلفاية" واشتهر بالورع والتقى والتزام السنة وإرشاد الناس لطريقة الله و"كان بحرا في علم الباطن". وذكر الشيخ أحمد بن إدريس اليملحي المشيشي مؤسس الطريقة الأحمدية الإدريسية الداعية المجاهد، الذي ازداد ببلدة ميسور، ولقب بأبي عباس العرائشي كما لقب ب"الشفاء" عند السنوسية، ومن تلاميذه الشيخ إسماعيل الولي مؤسس الطريقة الإسماعيلية بالسودان. وفي هذا الصدد، أتى على ذكر كل من الحاج موسى ولد حسوبة، ويحيى الشاوي، وعلي اللبدي، وسعد ولد شوشاي، ومحمد سماحة، والأمين ولد بلة، وبن مقبل، وسيدي بنور وغيرهم كثير. وفي أعقاب هذا الدرس تقدم للسلام على أمير المؤمنين الأستاذ عبد الله البشير وهو كبير الباحثين والمنسق العام لاتفاقيات التعاون الدولي بالإمارات العربية المتحدة والأستاذ أحمد علي الصيفي مدير مركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية (البرازيل) والاستاذ عبد الواحد وجيه أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة والأستاذ مالك عبد الرحمان رويث، رئيس الجماعة الإسلامية بإسبانيا والأستاذ محمد المختار ولد امباله مستشار رئيسي برئاسة الجمهورية مكلف بالشؤون الإسلامية (موريتانيا). كما تقدم للسلام على صاحب الجلالة الأستاذ فانسو محمد جامي رئيس مؤسسة الملك محمد السادس للسلام في غامبيا والأستاذة مريم مياس مديرة دار القرآن الكريم بدكار والأستاذ أحمد عمر جافاكيا نائب رئيس جامعة جالا الإسلامية (تايلاند) والأستاذ باتريك خاديس الكاتب العام لجمعية مسلمي منغوليا والأستاذ محمد الموساوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (من الجالية المغربية بفرنسا). إثر ذلك، تقدم للسلام على أمير المؤمنين السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي قدم لجلالته الدفعة الثالثة من المنشورات التي أصدرتها الوزارة هذا العام وتضم كتاب " الترياق المداوي في أخبار الشيخ سيدي الحاج السوسي علي السوسي الدرقاوي" من تأليف محمد المختار السوسي في جزءين وكتاب " تنبيه الأنام على ما في كتاب الله من المواعظ والأحكام" تأليف أبي العباس أحمد الرهوني، تحقيق ودراسة الدكتور الحسن البوقسيمي، وكتاب "الدليل الأوفق إلى رواية الإمام ورش عن نافع من طريق الأزرق" تأليف الأساتذة مصطفى البويحياوي وعبد الهادي حميتو وعبد العزيز العمراوي.