لا يمكن أن نفهم، بحسب رئيس جمعية إنصاف المتضررين بفجيج من قضية سطو الجزائر على أراضي فجيج، سوى أن الدولة الجزائرية تروم زرع التوترات في المناطق الحدودية ، و يعتبر أن هذا السلوك الذي تنهجه الجزائر يدخل ضمن إستراتجية إضعاف المغرب لضمان الهيمنة الإقليمية. حاوره:ذ.عبد المجيد بن الطاهر بداية نود منك أن تقدم لنا من هي جمعية إنصاف المتضررين بفجيج ، وما الأهداف التي تقوم عليها؟ الممتلكات التي صادرتها الدولة الجزائرية من ساكنة فكيك ، قضية سكنت وجدان ساكنتها مند أمد بعيد، وتركت في قلوبهم جرحا لا يندمل لما عانوه وعايشوه من آثار اقتصادية واجتماعية، ولما قاسوه من إحساس بالغبن والتهميش والإهمال....وفي سياق البحث عن آليات لطرح ملف ممتلكاتنا المصادرة ... وكتتويج لمجموعة من المبادرات والنقاشات، استقر رأي الفاعلين المحليين على ضرورة تأسيس جمعية تعنى بالبحث عن سبل إحقاق مطلب إنصاف الساكنة عن الأضرار التي لحقتهم جراء هذا المشكل. فكان تأسيس جمعية إنصاف المتضررين بفجيج يوم 28 مايو 2006 رسمت كأهداف لها التعريف بقضية ممتلكاتنا المصادرة وطنيا ودوليا، والسعي إلى تحقيق جبر الأضرار، سواء الفردية منها بتعويض المتضررين، أوالجماعية بإحقاق مطلب سياسة تنموية منصفة للمنطقة. كيف تقرؤون سطو الجزائر على جزء كبير من الأراضي الفلاحية لساكنة فجيج؟ يمثل الجزء المقتطع من الأراضي الفلاحية للواحة، الرئة الاقتصادية للمدينة ومصدر استقرارها الاقتصادي والاجتماعي لعدة قرون. وبالأرقام، كانت تشمل هذه المناطق المصادرة في مجموعها على مساحة 50 كم2 تضم حوالي 300.000 نخلة، وتخترقها مجاري مائية بصبيب جد مهم (واد زوزفانة- عيون تاغيت – عيون الملياس ...). وهذه المعطيات تعكس مستوى النشاط الاقتصادي لهذه المناطق بمنتوجها السنوي من التمور والأعلاف والخضروات أو بما توفره من فرص شغل للساكنة النشيطة. ولكي تكون الصورة واضحة للقارئ الكريم، وبعلاقة مع سؤالكم، فقد تمت مصادرة هذه الممتلكات عبر مراحل مختلفة، بدايتها كانت أيام الحقبة الاستعمارية حيث اقتطعت مناطق فلاحيه من المحيط الخارجي للواحة، ثم في مرحلة ثانية سنوات الخمسينات من القرن الماضي. أما الجزء المهم منها فقد صودر ومنعنا من استغلاله بشكل كلي مع منتصف السبعينات (75-1976 ). وما نفهمه من هذا شيئين أساسيين: - أن الدولة الجزائرية استمرت في سياسة المصادرة وتقليص المجال الحيوي للواحة التي نهجتها السلطات الاستعمارية. - إن إقدامها على مصادرة الجزء الأخير من هذه الممتلكات جاء كرد فعل على مساعي المغرب لاسترجاع أقاليمه الصحراوية، و تزامن ذلك مع تنظيم المسيرة الخضراء. لا يمكن أن نفهم من هذا سوى أن الدولة الجزائرية تروم زرع التوترات في المناطق الحدودية ،الشيء الذي يدخل ضمن إستراتجية إضعاف المغرب لضمان الهيمنة الإقليمية. وهذا نهج يسبح ضد منطق التاريخ المعاصر وضد التاريخ المشترك للشعبين الشقيقين. فساكنة فجيج قد أسهمت وبقوة في حرب التحرير الجزائرية، سواء بإيواء معسكرات المجاهدين وقياداتهم، أو بتقديم الدعم المادي والعسكري، بل وبالمشاركة الفعلية في المعارك ضد جيوش الاحتلال الفرنسي. وهذه المناطق المصادرة نفسها كانت مسرحا لمجموعة من العمليات الفدائية التي نفذها المقاومون الفجيجيون كدعم للمقاومة الجزائرية ، ونجد أنفسنا نكافأ بمثل هذا العقاب الجماعي وهذه السياسة الحدودية العدائية والانتقامية. نتمنى أن نعيش ذلك اليوم الذي تقتنع فيه الدولة الجزائرية بأن رهان التنمية والأمن والأمان مرهون بتغليب العناصر والمعطيات المشتركة بين الشعبين الشقيقين، والتجاوب الايجابي مع الدعوات المتكررة من الدولة المغربية لتنقية الأجواء وفتح الحدود بين البلدين وإيجاد سبل سياسية سلمية لتسوية المشاكل الإقليمية الأخرى، بعيدا عن كل توتر أو إشعال لفتيل حرب. ما هو تقييمكم لمعالجة المغرب لهذا الملف، ألا يعني التفريط فيه إخلالا بمبدأ الوحدة الترابية؟ الشق الأول من السؤال يشمل في نظرنا عنصرين: عنصر يتعلق بالإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة لصالح السكان، والعنصر الآخر يتعلق بالإجراءات التي قامت بها الدولة إزاء الزحف الجزائري على هذه الممتلكات. تعرفون أن مدينة فجيج كانت من بين المناطق التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان مع بداية السبعينات وما صاحب ذلك من اعتقالات واسعة وترهيب المواطنين والتنكيل بهم. فقد نهجت الدولة سياسة عقاب جماعي للساكنة، وضمن هذا كان إهمال لهذا الملف والتنكر لمسؤولية الدولة في مساعدة المتضررين وتقديم الدعم لهم، مما أذكى هذا الشعور والإحساس العام لدى المواطنين أن الدولة تعاملت مع الوضعية الناتجة بمنطق انتقامي وعقابي. في ما يخص العنصر الثاني من السؤال، نشير فقط أن الدولة المغربية، وعبر التاريخ الحديث، قد تعاطت مع المسألة الحدودية بمنطق التهدئة وإخماد التوترات خشية تطورات غير محسوبة تؤدي بالمنطقة إلى هاوية الحروب المدمرة، وهذا ما كان يمكنه أن يقع بعد القصف الذي تعرضت له مدينة فجيج سنه 1963 من طرف الجيش الجزائري. وفي اعتقادي أن الشروط السياسية على صعيد المنطقة المغاربية، لم تنضج بعد عناصر المعالجة السلمية للقضايا الحدودية مع الجارة الجزائر، وفي هذا إرهاصات قوية لمرحلة الحرب الباردة وآثار للتطورات السياسية التي عرفتها الدولة الجزائرية منذ الثمانينات. ما هي الجهود التي بدلتموها من أجل التعريف بهذا الملف لدى الرأي العام الوطني؟ لقد سبقت مجموعة من المبادرات تروم التعريف بهذا الملف وطرحه على الجهات المسؤولة بهدف البحث عن سبل إيجاد صيغ إنصاف الساكنة المتضررة. ومن بين هذه المبادرات نذكر منها السؤال الشفوي الذي قدمه بزاوي لكبير بمجلس النواب لوزير الداخلية آنذاك إدريس البصري، والسؤال الشفوي الذي قدمه أحمد السباعي بمجلس النواب لوزير الداخلية الأسبق مصطفى الساهل، وإدراج هذا الملف في إحدى دورات المجلس البلدي لفكيك خلال الولاية السابقة، وتنظيم يوم دراسي حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه القضية على مدينة فجيج، وذلك على هامش جلسة الاستماع العمومية التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة بالمدينة، وعقد لقاء بين فعاليات المجتمع المدني والمناضل الراحل إدريس بنزكري حيث كان رئيسا لهيئة الإنصاف والمصالحة، و مساهمة المجتمع المدني بفجيج في المنتدى الوطني لجبر الضرر الجماعي قصد إصدار توصية في موضوع الملف، و تنظيم يومين إشعاعيين محليين حول الموضوع في غشت 2006، والمساهمة في برنامجين إعلاميين مع القناة الثانية، عقد لقاء مع الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أحمد حرزني الذي أبدى استعداده لتقديم ما يمكنه من دعم للمجهود الذي تبدله الجمعية في إطار تنفيذ توصية هيئة الإنصاف والمصالحة في الموضوع.، وطرح هذه القضية في عدة لقاءات محلية وإقليمية، و قيام الجمعية بجرد للمتضررين ولحجم الأضرار التي لحقتهم، قصد تهيئ ملف متكامل سيسلم عما قريب رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، وسنحاول إيصاله إلى إدارات أخرى وإلى الهيئات السياسية والجمعوية. الأكيد أن لهذا الملف جملة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على المنطقة؟ طبعا هذا الملف الذي نتج عنه فقدان أهل فجيج لممتلكاتهم بالشريط الحدودي، المتمثلة في فقدان ما يناهز 130.000 نخلة مثمرة، وبذلك فقدان منتوج سنوي مهم من الثمور يقدر حسب الجرد الذي قامت به السلطات المحلية آنذاك بما يقارب 11 ألف طن من الثمور، و فقدان منتوج سنوي من الأعلاف يقدر ب 5.000 طن، وفقدان منتوج سنوي مما كانت تجود به هذه الأرض من الخضروات والفاكهة والحبوب، و فقدان صبيب مهم من مياه السقي المتمثلة في صبيب واد زوزفانة والعيون المائية بمختلف المناطق، وفقدان أراضي فلاحية مهمة تقدر مساحتها الإجمالية ب 50 كم2 ، و فقدان فرص شغل كان يوفرها النشاط الفلاحي بهذه المناطق، حيث تضررت حوالي 800 عائلة من هذا المشكل، وفقدان مجال بيئي وسياحي على طول شريط واد زوزفانة.... مازالت آثاره مخيمة على أهالي المنطقة، فهذه المعطيات تكشف ما سينجم عن هذا المشكل من آثار اجتماعية واقتصادية سواء على مستوى دخل العائلات أو على مستوى البطالة، وهذا ما يفسر الوتيرة المتصاعدة للهجرة من الواحة مند أواسط السبعينات. لكن ما هي مطالب المتضررين من" عملية المصادرة"؟ أشير هنا بأن مطالب المتضررين، فيمكن إدراجها في محورين رئيسيين: المحور الأول يتعلق بالتعويضات المادية عن الأضرار التي لحقت الملاكين، وهذا مطلب ملح ومشروع لكون المشكل نجم عن العلاقة بين دولتين، والدولة المغربية ضامنة لحقوق المواطنين. ومن جهة أخرى، جعل ثقل آثار هذا الملف من المدينة منطقة منكوبة بامتياز، مما يستلزم سياسة تضامن وطني معها إسوة بالمناطق الأخرى من الوطن (أكاد ير- الأقاليم الصحراوية...). أما المحور الثاني، فيتعلق بمطلب إعادة استغلال أهالي فجيج لممتلكاتهم، وبطبيعة الحال فهذه النقطة لها ما يميزها سواء على مستوى الآليات أوظروف تحقيقها ،إذ هي مسؤولية الدولة في إطار الدبلوماسية الخارجية، ومسؤولية الهيئات السياسية وهيئات المجتمع المدني في علاقاتها مع مثيلاتها مغاربيا ودوليا. ونتمنى أن نتمكن من تنظيم لقاء وطني حول هذا الملف مع مختلف الفاعلين لبلورة صيغ حلول لهذا المشكل، ولما لا، أن تكون بادرة في اتجاه تسوية هذه الإشكالات المزمنة مع الجارة الجزائر. حاوره: