حرب ساخنة بمكتب التكوين المهني على طاولة وزير التشغيل ما أظن أن مستخدمي مكتب التكوين المهني كانوا يعلمون بأن مديرهم العام السيد بن الشيخ أخ وصديق للسيد شباط الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى أن حل اليوم الذي قدم فيه السيد شباط شهادته التاريخية عبر مكبر للصوت، حيث أكد للملأ الذي كان ينصت إليه، بأن «أخاه وصديقه بن الشيخ واحد من كبار المفسدين في هذا الوطن» وهي شهادة الأخوة التي رد عليها الملأ الحاضر بالتكبير والصفير. شهادة أخ في أخيه لم يخني بصري ولا سمعي وأنا أشاهد وأنصت لتسجيل بالصوت والصورة تضمن كلمة للسيد شباط بتاريخ 30 يناير 2012 قال فيها: «مكتب التكوين المهني الذي يقوده أحد كبار المفسدين في هذا الوطن. .... ذلك أن أخانا وصديقنا بن الشيخ أصبح قدافي بامتياز»، ويبدو أن هذا القول هو الذي أثار حفيظة السيد بن الشيخ الذي رد في اليوم الموالي، أي بتاريخ 31 يناير بتنظيمه لندوة صحافية أطلق فيها نيرانه على أخيه وصديقه شباط في حرب أريد لها أن تخرج من برودتها لتوضع في طبق ساخن على طاولة السيد وزير التشغيل الجديد الذي سارع في اليوم الموالي، أي بتاريخ 01 فبراير لزيارة مكتب التكوين المهني وعقد اجتماع مع مسيريه. فهل سيرضخ السيد الوزير لضغوط السيد شباط باعتباره مسؤولا في حزب ينتمي للإتلاف الحكومي والاستجابة إلى مطلب التعجيل برحيل السيد بن الشيخ ومحاسبته ، وهو المطلب الذي كان محور ما ردد من شعارات في المسيرة التي شقت طريقها من باب الحد إلى مقر وزارة الشغل والتكوين المهني، أم سيرضخ لضغوط نقابة الاتحاد المغربي للشغل في إبقاء الحال على ما هو عليه خاصة وأن هذه النقابة تعتبر مكتب التكوين المهني محميتها الخاصة بامتياز ولم تتردد في تجنيد أتباعها لحماية بن الشيخ كاتم أسرارها وأنفاسها، من تهجمات من وصفتهم في أحد بياناتها ب«الموزعين والانفصاليين». كان الله في عون السيد الوزير ما دام سيادته مرغما على الحسم في عون أحد أخويه. ماذا يجري بمكتب التكوين المهني؟ من المؤكد أنه في الجواب يكمن بيت القصيد الذي قد يزيح شجرة الغموض التي تخفي غابة الاحتقان المتزايد. ففي أي بحر يسبح الخباء يا ترى؟ هل هو في البناية المطلة على المحيط الأطلسي أم في مشروع بحر العمدة؟ شهادة «اللي فيه يكفيه» عندما أقدم مدير مكتب التكوين المهني في أواخر شهر رمضان الذي مضى، وبالضبط قبيل ليلة السابع والعشرين، ببضع ساعات على الاقتطاع من أجور العديد من المستخدمين أيام إضرابات ربيع التكوين المهني الذي أزهر مع الربيع العربي خلال الموسم الماضي، قلت مع نفسي لقد أبى السيد المدير العام في شهر التوبة والغفران إلا أن يوفي هؤلاء المستخدمين أجورهم في الآخرة ويطهرهم من وسخ الدنيا عملا بقوله تعالى « وخذ من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها» وعملا بحديث المصطفى « الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» وخطيئة هؤلاء المستخدمين أنهم أحرقوا مرتباتهم البداغوجية واحتجوا من أجل تحسين ظروف العمل وطالبوا برفع الحيف الذي أوهنهم من جراء تطبيق القانون الأساسي الجديد، لكن السخط الذي ساد في أوساط المتضررين والأدوار التي تبادلتها الإدارة مع شريكتها الاجتماعية خلال شهر شتنبر لإعادة الصدقات لأصحابها شريطة تعويض ساعات العمل الضائعة، جعلني أتيقن بأن الرؤوس الصغيرة بإدارة المكتب تصرفت بشكل صبياني كان الهدف منه جعل فئة عريضة من المستخدمين يعيشون على إيقاع قرحة عيد الفطر بدلا من فرحته وأن يلجوا "سوق رؤوسهم" إن أرادوا أن ترد لهم صدقاتهم. فالسيد المدير العام كان يعرف أكثر من غيره أنه يستحيل تعويض الحق الذي ضاع من المتدربين الذين حسمت امتحانات الانتقال ونهاية التكوين في مصيرهم التكويني وهو متيقن بأن ما أقدم عليه يندرج في باب ما يصطلح عليه «العصا لمن تعنت وعصاني والجزر لمن رضي وأطاعني» وفي ذلك رسالة واضحة التشفير للمكونين الذين بعدما يئسوا من التعاقد مع مكتب التكوين وقرروا التعاقد مع نقابة الاتحاد المغربي للشغل التي قادت التفاوض مع الإدارة المركزية إلى أن تم توقيع بروتوكول الإدماج ليقرروا بعد ذلك التعاقد مع النقابة المقربة من حزب رئيس الحكومة السابق، وهي التي لم يكن لها أي وجود يذكر بقطاع التكوين المهني وسرعان ما نصبت نفسها طرفا في الحوار، وتدخلت لدى رئيس الحكومة السابق الذي راسل وزيره في التشغيل بتاريخ 28 أكتوبر 2011 ليخبره بأن الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب أنهى إلى علمه بأن البروتوكول الموقع في 11 يونيو 2011 تعترض تطبيقه بعض العقبات وطلب منه موافاته بلائحة مفصلة لمختلف الحالات لدراستها واتخاذ القرار اللازم بشأنها. وهكذا صدر عن نقابة التكوين المهني التابعة لنقابة شباط ما سمي ببلاغ أول الغيث بتاريخ 20 دجنبر 2011 ورد فيه «نزف إلى الجميع بشرى توقيع رئيس الحكومة على الاستثناءات بالنسبة للذين تجاوزوا السن القانوني للتوظيف... ونعدكم بالحصول على باقي الاستثناءات في الأيام المقبلة». ولحد الآن يجهل من هم الذين استفادوا من قرارات الاستثناء ومن هم الذين ما زالوا ينتظرون الأيام المقبلة لتسوية وضعيتهم. لقد كشفت الأيام التي مرت لحد الآن أن الأمور تسير عكس ما كان يحلم به أصحاب بلاغ أول الغيث الذي يبدو أن قطراته تبخرت مع رحيل رئيس الحكومة وبدأ الجفاف يكتسح أجورهم والمضايقات تطاردهم في مقرات عملهم وهو ما لم يستسغه السيد شباط الذي ظن أنه قد أصبح له موقع قدم متميز بمكتب التكوين المهني. ولمن لا ذاكرة له سأعيد وأذكر ببعض مما كتب على أعمدة هذه الجريدة (الاتحاد الاشتراكي) بتاريخ 18 نونبر تحت عنوان «خلفيات موافقة وزارة المالية على دق آخر مسمار في نعش القانون الأساسي لمستخدمي التكوين المهني» لعل في ذلك بعض من ملامح الصورة الحقيقية لما يجري بالمكتب. « لقد أصبح العمل النقابي بمكتب التكوين المهني بعدما نخر الفساد دواليبه عرضة لمختلف المناورات والحسابات الضيقة ومستغلا من طرف عدة أطراف لتحقيق مطامع بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة للتكوين المهني، ويكفينا أن نستشهد بمضمون المذكرات الإدارية والبلاغات النقابية الصادرة في الآونة الأخيرة عن الإدارة العامة لمكتب التكوين المهني وشريكتها الاجتماعية والتي تكشف بجلاء تبادل الأدوار وتكاملها فيما بينهما ، فالإدارة التي استشعرت ما يحاك في الخفاء ضد شريكتها الاجتماعية أصدرت ما بين 20 شتنبرو13 أكتوبر خمس مذكرات تعرض فيها ما تحقق بفضل تضافر جهودها مع جهود شريكتها الاجتماعية من مكاسب مادية للمستخدمين داعية إياهم إلى عدم الانسياق وراء أصحاب المصالح الشخصية وتناست بالكامل أن تصدر مذكراتها المعهودة في بداية كل سنة تكوينية التي تذكر بارتداء الوزرة والحرص على الأناقة واستعمال المرتب البداغوجي كأداة دعم للعملية التكوينية، بل تحاشت هذه السنة إرسال مفتشيها المركزيين للاطلاع بمختلف الجهات على ظروف بداية الموسم الجديد اللهم ما تعلق بإرسال مفتشين في أواسط شهر أكتوبر إلى المديرية الجهوية بالشرق للاطلاع على فضيحة تمت في عهد المدير الجهوي السابق اكتشفت بعد تظلم العديد من الممونين الذين زودوا المكتب بسلع تبين أنها تمت بوثائق مزورة على يد مستخدم غير مزور طبعا ، حيث وصلت المبالغ التي امتنع المكتب عن تأديتها ما مجموعه 40 مليون سنتيم، لأنها تمت خارج الضوابط القانونية واكتفت الإدارة بتوقيف المستخدم المتهم دون أن يطال قرارها المدير الجهوي السابق الذي عبد له طريق الاختلاس عندما جعل منه مسؤولا عن المشتريات وأمينا للمخزن في نفس الوقت . أما الشريكة الاجتماعية فأصدرت ما بين 11 شتنبر و19 أكتوبر سبعة بلاغات ابتدأت بتمجيد البروتوكول الذي حقق لها مآربها وانتهت في نقطة التقاطع مع مذكرات الإدارة بدعوة المستخدمين إلى «محاربة كل الموزعين والانفصاليين»، ولم تتردد الإدارة في الكشف عن تواطئها السافر في الحرب المعلنة وذلك بعقد اجتماعات مكثفة مع شريكتها الاجتماعية وإعطاء موافقتها على الاستجابة مستقبلا لكل التحفظات التي تقلق المتعاقدين والرسميين أملا في قطع الطريق أمام «من يريدون استغلال المستخدمين لأغراض سياسوية» كما ورد ذلك في البلاغ الأخير لنقابة الميلودي وفي هذا رد واضح على محاولة نقابة شباط حشر أنفها في شؤون محمية التكوين المهني، وفي ظل هذا الوضع الملتبس يبدو أن الملتحقين من التعاقدين بالنقابة المقربة من حزب رئيس الوزراء يقفون مشدوهين وهم يرون أن ما أعلنوا عنه من مطالب قد تم السطو عليه من طرف من نعتوهم بالانفصاليين وتفاوضوا بشأنه مع الإدارة التي لم تترد في الإعلان بلسان نقابة الميلودي طبعا على الاستجابة الفورية لها حتى ولو كان ذلك مناقضا لبنود القانون الأساسي الذي تكون وزارة المالية بموافقتها على بروتوكول 21 يونيو قد دقت آخر مسمار في نعشه وتشهد على ذلك النقطة رقم 13 المتضمنة في بلاغ الشريكة الاجتماعية الصادر في 19 أكتوبر والتي ورد فيها « نظرا لأن بعض بنود القانون الأساسي أصبحت متجاوزة ولا تجاري تطور عملية التكوين وتدبير شؤون المستخدمين داخل المكتب، أبدى جميع الأطراف إدارة وممثلي المستخدمين الرغبة في الشروع في تهيئ مشروع تعديل بعض بنود القانون في غضون الأسابيع القليلة القادمة». الكثير منا علم باللحظات العصيبة التي عاشها وما زال يعيشها مدير مكتب التكوين المهني حيث احتج المتعاقدون والرسميون بباب إدارته، منهم من رفع شعارات طالبت برحيله ومنهم من اتهمه بما يعاقب عليه القانون ومنهم من قال في حقه ما يستحيي المرء من ذكره ومنهم من لا يزال إلى يومنا هذا يفترش الرصيف يترجى إنصافه. ولأن سيادته لم يعد قادرا على التحمل فلقد تفضل أخيرا وأطل من نافذة ندوته الصحافية بتاريخ 31/01/12 ليقول لنا بأن جميع الافتحاصات التي خضع لها المكتب تبرئ ذمته بما فيها تلك التي أنجزها المكتب الأوربي لمحاربة الغش، المكلف من طرف البنك الأوربي للاستثمار، وله الحق في قول ذلك لأن المكتب لا يحتاج في الحقيقة لمكاتب الافتحاص بقدر ما هو في حاجة لخبراء في علم الآثار لينقبوا في ما تبقى من حفريات ورموز الفساد بالمكتب لعلهم يعثرون على ما قد يفيد قضاة المجلس الأعلى للحسابات الذين ما زالوا منكبين على فك طلاسيم ملفات التكوين المهني. وإذا كان هؤلاء القضاة قد اكتشفوا أثناء زيارتهم الأخيرة لمدينة مكناس بأن المدير الجهوي عاطل عن العمل ومازال يتقاضى أجره غير منقوص وأن مؤسسسات التكوين تعيش في فوضى عارمة، فإني لمتأكد بأنهم في زيارتهم المرتقبة لمدينة وجدة لن يستطيعوا قراءة رموز الحفريات التي خلفها ذات المدير الجهوي الذي مر من هناك. فكيف لهم مثلا أن يفهموا بأن رمز "طراكس" يعني أن رافعته كانت تحمل معدات وتجهيزات المحارف كما يرفع الحجر والتراب ويكدسها في شاحنة النقل في غياب تام لأبسط شروط السلامة والحفظ أو رمز كيس على ظهر عبد ضعيف يعني بأنه تم استغلال المتدربين كعمال مساعدين "لسي الطراكس"، أو رمز كتاب فوق مرحاض يعني بأن المراحيض حولها فقر التخطيط إلى قاعة للتدريس وأن رمز شبكة صيد ممزقة يعني أن التخريب طال الشبكة المعلوماتية الداخلية لشعبة "الريزو" بأحد المعاهد وأن تخصيص اعتماد مالي إضافي لإعادة تركيبها من جديد أصبح أمرا ضروريا، ومن أين لهم أن يفهموا بأن الرقم السري 22 المنقوش على حفرية الترقي بالعرض والمناقشة صرفت من أجل اقتنائه للمصلحة الشخصية ملايين الدراهم من ميزانية المكتب. ما هذا إلا غيض من فيض، ومع ذالك ليسمح لي السيد المدير العام بأن أسأله إن كانت ذمته بريئة، لماذا امتنع عن تسليم أحد المستخدمين نقطته الإدارية برسم سنة 2009 رغم مراسلته له عن طريق البريد المضمون وعن طريق الوزارة الوصية وعن طريق مؤسسة الوسيط، هل كان على هذا المستخدم مراسلة المكتب الأوربي لمحاربة الغش لكونه المكتب الوحيد الذي لن ترفضوا له طلبا، أم كان عليه أن يبني خيمة اعتصام مفتوح أمام باب إدارتكم لتتفرجوا عليه كل حين عبر كاميراتكم المحروسة؟ سيدي، إن كنت لا تريد لمشوارك المهني السقوط في حفرة عميقة، خذ مني نصيحة: لا تجعل الغراب دليلك، فكل الذين فعلوا، سقطوا في الحفرة المعلومة، و«اللي تلف يشد الأرض».