الأحزاب المغربية هل تنجح في القيام بحملات انتخابية نظيفة؟! رغم وجود ترسانة قانونية تحدد للمرشحين أساليب القيام بالحملات الانتخابية، تبقى لكل منطقة خصوصيات في التعريف بالمرشحين واستمالة أصوات الناخبين، هذه الخصوصيات تختلف حسب تركيبة المجتمع المغربي ومستواه الثقافي من منطقة إلى أخرى، وقد تتحول في بعض الأحيان المهرجانات الخطابية للمرشحين أو زعماء السياسة إلى «فرجة» تتخللها عروض الفروسية أو سهرات الفنانين الشعبيين أو إقامة الولائم... ومن خلال تجارب سابقة، يلجأ مرشحون إلى الاستعانة بجمعيات المجتمع المدني، قصد المساهمة ماليا في ختان الأطفال أو إقامة الجنائز... وبذلك يسهل على المرشح تمرير رسالة لفائدته قصد ضمان الأصوات بطريقة تبعد الشبهات عنه من قبل أعين السلطات المحلية، ويضع الأشخاص المستفيدين من مثل هذه الأعمال الخيرية في موقف حرج، ينتهي في النهاية بالتصويت لصالح المرشح كمقابل لهذه المساهمة الخيرية. هذه التجاوزات تترك انطباعا لدى المواطنين، الذين يعانون من الهشاشة الاجتماعية، بأنها أساليب قانونية، وخصوصا في المناطق النائية والجبلية، حيث تختلف طريقة تمرير هذه الرسائل بين جهات المغرب، رغم عدم وجود أثر لها في برنامج الأحزاب السياسية. إلا أن ساكنة الأحياء الراقية يبدو أنها لا تتطلب من المرشح مجهودا كبيرا في طرح أفكاره وبذل مجهود كبير في التعريف بالبرنامج الانتخابي، غير أن كل حزب سياسي يرى طريقته في الإقناع انطلاقا من تركيبة المجتمع المغربي. عبد الكريم بنعتيق، أمين عام الحزب العمالي، قال في تصريح أدلى به ل«المساء»، إن حزبه يتعامل مع ساكنة الأحياء الميسورة في بعض الأحيان برسائل عبر البريد تتضمن البرنامج الانتخابي ولا تتطلب مجهودا كبيرا في الإقناع، أما في المناطق الفقيرة، والتي غالبا ما تتوفر فيها نسب أمية مرتفعة، يضيف بنعتيق، فالحضور الميداني للمرشح يبقى ضروريا لإيصال عدد من الأفكار إلى المواطنين البسطاء، من قبيل طريقة التصويت ووضع العلامة في المكان المناسب، وتبسيط مضامين البرنامج الانتخابي وأهداف المرشح، لأن المناشير والملصقات لا يمكن أن يفهمها الناخبون، الذين يتوفرون على مستوى تعليمي ضعيف، على حد تعبير أمين عام الحزب العمالي. وتتطلب المناطق، التي تتوفر على تضاريس وعرة، من المرشحين التنقل إليها، والتي تعاني في بعض الأحيان من غياب وسائل التواصل الحديث، وهو ما يدفع المرشح إلى الجلوس مباشرة مع الناخبين حسب طبيعة تكوينهم ومستواهم الدراسي، وهو ما يفسره بنعتيق بأن المرشح يفترض فيه اكتشاف المنطقة، التي يرغب في تمثيلها داخل المؤسسة التشريعية، حتى يعرف مكامن الخصاص والخلل الذي تعاني منه المنطقة. لكن مع ظهور وسائل التكنولوجيات الحديثة، سهلت عملية التواصل مع الناخبين، على الرغم من محدودية إتقان هذه الوسائل من قبل المرشحين. نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب الكتاب، قال في تصريح ل«المساء» إن حزبه سيعتمد بشكل كبير على وسائط الاتصال الاجتماعي، والأشرطة المسجلة التي توضح البرنامج الانتخابي بكل مسؤولية وأهداف المرشح في الدائرة الانتخابية، التي يرغب في تمثيلها على مستوى المؤسسة التشريعية، معتبرا أن الوصلات الإعلامية تساهم بشكل كبير في الحملة الانتخابية، واعتبر أن الولائم والحفلات غير مقبولة في الوقت الراهن. ويظهر أن أساليب التواصل خلال المهرجانات في الحملات الانتخابية تختلف في طريق تمريرها للمواطنين وإقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، وهي الأساليب التي يفسرها كل مرشح بطريقته الخاصة، التي تتجاوز القانون في بعض الأحيان، ويعتبر امحند العنصر ،أمين عام حزب الحركة الشعبية، في تصريح أدلى به ل«المساء» أن مظاهر «الفرجة» لا يوجد لها موطئ قدم في الحملات الانتخابية الحالية، مؤكدا أن حزب الحركة سيتخلى عن مثل هذه المظاهر، وسيعتمد على التواصل المباشر مع المواطنين الناخبين، وفقا لما يحدده القانون. ويضيف أمين عام حزب السنبلة أن التواصل المباشر مع المرشحين يجب أن يقوم به كل مرشح، رغم طبيعة خصوصيات كل منطقة من المغرب، وهي طرق قانونية يسهل على الناخبين فهم ما يمكن أن يقوم به المرشح في حالة فوزه في الانتخابات، معتبرا في الوقت ذاته أن وسائل التكنولوجيات الحديثة ستساهم في التعريف بالمرشح وبرنامجه الانتخابي. لكن المشاكل التي تطرح في غالب الأحيان هي حدوث تجاوزات في الوعود التي يقدمها المرشحون للناخبين، من قبيل التوظيف وفتح الممرات والمسالك الطرقية والحصول على وعود بحل مشاكل الملك الجماعي والغابوي للسكان وحل مشاكل شخصية لدى المحاكم أو سريات الدرك الملكي والأمن الوطني، رغم عدم تضمين مثل هذه الوعود في برامج الحملات الانتخابية، باعتبارها أهدافا شخصية ولا تراعي المصالح العامة التي يدافع عنها الحزب، وهو ما يضع السلطات المحلية في موقف حرج، على الرغم من توصلها بالتقارير من قبل الأعوان في تقديم مثل هذه الوعود من قبل المرشحين. لكن المعطى الأساسي، الذي غالبا ما يتواجد في جهات الصحراء الثلاث، هو الثقل الكبير الذي يمثله أعيان الصحراء انطلاقا من مؤسسة «اجماعة» باعتبارها مؤسسة عرفية سلطوية تحظى بالاحترام والتقدير من قبل الشباب والنساء، وتستطيع التحكم في خريطة الانتخابات لصالح حزب معين على حساب أحزاب أخرى، في الوقت الذي تلتزم الأحزاب السياسية الصمت، على الرغم من أن هذه المناطق تحظى بمشاركة كثيفة من قبل المواطنين بالمقارنة مع جهات أخرى.