الفضاءات الخضراء.. بقدر ما تفتخر المدن الجميلة اليوم بعماراتها الشاهقة بقدر ما تفتخر بحدائقها الغناء، ولهذه الغاية بالذات تطمح مدينة الناظور إلى تدارك تخلفها في مجال الفضاءات الخضراء، "هذه الرئة الطبيعية التي تنعش الجسم وتضمن حيويته". وإذا كانت المدينة والمنطقة ككل قد انخرطتا، أخيرا، في مسلسل طموح للتحديث يشمل مختلف المجالات (البنيات التحتية من طرق وموانئ ومطارات وتعمير ...)، فإنهما استثمرتا كذلك في إحداث وتأهيل المنتزهات الطبيعية، وعيا منهما بالقيمة المضافة لهذه الفضاءات ودورها المهم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي. ولبلوغ هذه الغاية، جرى وضع استراتيجية تهم فتح منتزهات قريبة من المجال الحضري بمدينة الناظور والمدن التابعة للإقليم (لاسيما المشاتل والغابات)، وتهيئة حدائق جديدة. وهي الاستراتيجية التي تروم تطبيق مبادئ التنمية المستدامة في تدبير الفضاءات الخضراء، على المستويات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بما يعود بالنفع على السكان. أهمية المدينة من أهمية فضاءاتها الخضراء إذا كانت الفضاءات الخضراء أضحت تحتل مكانة ذات أهمية متزايدة في مخططات تأهيل الإقليم، فإن ذلك لا يعد فقط استجابة لطلب سكان المجال الحضري، الذي يعاني نقصا في المجالات الخضراء، بل كذلك لما للنباتات من انعكاس إيجابي على المناخ ولدورها الرئيسي في ضمان نقاء الهواء . وجرى في هذا الصدد، تخصيص عشرات الملايين من الدراهم لتهيئة وتأهيل الفضاءات الخضراء عبر مختلف تراب الإقليم، خاصة بازغنغان وزايو وبني انصار والعروي وسلوان وراس الما وأركمان وإحدادن، دون أن إغفال الناظور، التي ستكون مدينة المستقبل الخضراء بالمنطقة. وينبع هذا الاهتمام بالمساحات الخضراء وجمال الطبيعة من التعليمات الملكية السامية الرامية إلى مكافحة الاختلال المجالي، وتحسين الإطار الحضري المبني، وضمان ولوج السكان لبنيات التنشيط والترفيه. وسيكون أمام أبناء الناظور، الذين كانوا حتى الأمس القريب محرومين من أماكن النزهة والاستجمام، اختيارات متعددة، إذ علاوة على المساحات الخضراء الحضرية، وتلك التي تمتد على طول بحيرة مارتشيكا، سيكون بوسع عشاق الطبيعة التمتع بجمال جبل غوروغو، الذي جرى، تجهيزه، أخيرا ببنيات تحتية ترفيهية ومدارات وأماكن للنزهة والاستجمام. وعرف هذا الفضاء الطبيعي، الذي يعد موقعا ذا أهمية بيولوجية وإيكولوجية، والذي جرى تركه عرضة لتقلبات الزمن، تغيرا كبيرا جعل منه فضاء للاستقبال والتنزه والترفيه، في إطار دينامية تتوخى تثمين مؤهلاته السياحية والطبيعية. أصبح موقع غوروغو، الذي ظل اهتمام السكان به ضعيفا لأمد طويل بسبب ما عرف عنه من كونه مكانا قليل الأمن، يتوفر على بوابتين شمالية وجنوبية ومسالك تتيح للزوار اكتشاف منظر جبلي خلاب أوالتمتع بمنظر بحيرة مارشيكا، التي ينتظرها هي الأخرى مستقبل واعد. وسيجري قريبا افتتاح مراكز للتكوين وفضاءات للألعاب والاستراحة ودار غابوية وأرضيات للمراقبة وأبراج تقام بغوروغو الجديد، في وجه العديد من الزوار، الذين يقصدون هذا الفضاء لقضاء لحظات ممتعة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وضجيجها، والاستمتاع بالمنظر المتميز للبحر الأبيض المتوسط. ويندرج مشروع تهيئة الفضاء المحاذي للمجال الحضري لموقع غوروغو ذي الأهمية البيولوجية والإيكولوجية، الذي تطلب إنجازه غلافا ماليا بلغ 18 مليون درهم، ضمن مخطط مهيكل مرتبط بالتنمية الغابوية جرى إطلاقه بالجهة الشرقية من قبل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر. وفي السياق ذاته، سيجري تحويل مشتل وموقع غابوي في مدينتي ازغنغان وزايو إلى حدائق عمومية. وستشكل هذه الفضاءات، بفضل شساعة مساحاتها وتنوع نباتاتها، أهم حدائق مدينة الناظور، كما ستساهم في استقطاب الإقليم لمزيد من السياح. وفي هذا الإطار بالذات، يندرج مشروع تهيئة فضاء إيكولوجي وترفيهي بزايو الذي قدمت لجلالة الملك، أمس الثلاثاء، شروحات حوله. وسيجري إنجازه من طرف المندوبية السامية للمياه والغابات على مساحة هكتارين بغلاف مالي يناهز 10 ملايين درهم. ويتكون هذا المشروع، الذي سيشكل فضاء للقاء والترفيه بالنسبة لسكان مدينة زايو، من أربع حدائق محورية (أندلسية، فرنسية، يابانية، وعجيبة)، إلى جانب فضاء لألعاب الأطفال ومقصف وحوض مائي ونافورات ومرافق صحية ومرافق إدارية ومكاتب للتحسيس واليقظة البيئية. بحيرة مارشيكا: طبيعة خلابة في أبهى تجلياتها يهدف برنامج تنمية وتهيئة بحيرة مارشيكا، الذي ينجز في احترام تام للبيئة، إلى جعل الإقليم وجهة سياحية تساعد على تطوير السياحة الخضراء والمسؤولة. وفي هذا الصدد يعتبر منتزه الطيور ببحيرة مارشيكا، الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقته، أول أمس أمس الاثنين، حجر الزاوية في هذا الصرح الأخضر الذي يوجد في طور الإنجاز. ومن المرتقب أن يستقطب هذا المشروع الإيكولوجي، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، الذي يجري إنجازه على مساحة 74 هكتارا (10 كلم من المسالك والمسارات)، نحو 150 ألف زائر سنويا، مساهما بذلك في إحداث فرص الشغل وتحقيق التنمية السوسيو - اقتصادية، على اعتبار أن تدبيره سيتطلب عمالا ومستخدمين مكلفين بالعناية بالفضاءات الخضراء والطرق ومراكز المراقبة، إلى جانب مرشدين مختصين بالطيور سيشرفون على تنظيم الجولات والزيارات الميدانية. وسيجري إنجاز هذا المشروع، الذي تناهز كلفته 70 مليون درهم، والذي ستنتهي أشغاله إنجازه في صيف سنة 2014، على الأحواض القديمة لمحطة تصفية المياه العادمة بالناظور. ومن الأكيد أن مدينة الناظور، التي تعد حاليا ورشا مفتوحا على عدة مستويات، ستربح، بفضل هذا الكم الهائل من المشاريع ذات البعد البيئي، الرهان الإيكلولوجي، الذي يضمن للأجيال اللاحقة مستقبلا "أخضر زاهرا".