م توجيهها إلى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الدستور تسعى ترانسبرنسي المغرب من خلال هذه المذكرة المساهمة في النقاش حول الحكامة العمومية، وذلك بإمداد اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الدستور برؤيتها حول وضعية الرشوة وآليات دعم المنظومة الوطنية للنزاهة، كما تود بهذه المناسبة أن تبدي الملاحظات التالية: إن قيمة أي دستور لا تكمن في نصه بقدر ما تكمن في التقيد الصارم بمقتضياته من طرف جميع من يخول لهم السلطات أو يعترف لهم بالحقوق. بقدر ما تستنبط الحكامة العمومية من القانون الأسمى قيمها المثلى ومن بينها الاعتراف بالسيادة للشعب، وبالمساواة والمواطنة والمساءلة، فإن قيمتها تظل رهينة بتأهيل الإطار المؤسساتي والمعياري والميداني لتدبير الشأن العام بطريقة شفافة وتشاركية. إن المكانة المركزية التي توليها حركة 20 فبراير، وكل القوى الديمقراطية المساندة لها للتنديد بالرشوة والمحسوبية والإفلات من العقاب تؤكد الارتياب العميق للمواطنين والمواطنات تجاه السلطات العمومية وتطالبهم بإجراءات عاجلة لتأجيد الاتزام بوضع حد للإفلات من العقاب ونهج مسلك المساءلة. إن نجاح أي إصلاح سيبقى معلقاً بمدى الثقة السياسية التي يحظى بها. I المعاينة: عجز عميق في مجال الحكامة العامة كل المؤشرات تؤطد الوضعية المزمنة للرشوة بالمغرب، فخلال السنوات التسع الأخيرة حصل المغرب في مؤشر إدراك الرشوة الذي تشرف عليه ترانسبرنسي الدولية على نقط تتراوح ما بين 3.2 و 3.5. وتتأكد هذه المرتبة المتدنية من خلال مؤشرات دولية أخرى تصدر في مجال الأعمال والقضاء، والمالية العمومية، والممارسة الاجتماعية (البارومتر العام) والاستثمار. وتشير استطلاعات الرأي الى تفشي الفساد في المرافق العمومية المتعلقة بالصحة والأمن والقضاء وقطاع البناء والجماعات المحلية، كما أن الدراسات القطاعية والتحليل الوثائقي تؤكد من جهتها أن هذه الآفة مستشرية بشكل مقلق في التعليم والأحزاب السياسية والتواصل، والرياضة. وبالتالي، فإن هذه الآفة تشكل عائقا كبيراً أمام النشاط الاقتصادي لبلادنا وحاجزاً في وجه إقرار دولة القانون وتهديداً للتماسك الاجتماعي، وعلاوة على ذلك، فإن المراسلات الدبلوماسية وقصاصات الأنباء والشعارات التي ترفع خلال الاحتجاجات التي تعرفها بلادنا منذ 20 فبراير تشهد على مدى الدمار الذي تسببه الرشوة للساكنة وللتنمية ولسمعة البلاد. وتعتبر الرشوة السياسية عاملا أساسياً لتنامي هذه الممارسة، خلافا لما تحاول الإقناع به بعض المقاربات التي تعزي تفشي هذه الآفة للرصيد الاجتماعي والثقافي التقليدي لتصل بذلك الى تحميل المسؤولية الأولى بشأنها لضحاياها. ففي المجتمعات الديمقراطية، يتم الحسم في الفصل بين ممارسة السلطة العمومية والسعي وراء تحقيق المصلحة الخاصة عن طريق تفادي تضارب المصالح ومعالجة حالة الجمع بينهما عن طريق نظام شفاف، ومن أجل ذلك، فإن القواعد القانونية ومبادىء الأخلاقيات السياسية تمنع على أي شخص يمارس سلطة عمومية، وكذا على كل الذين يعملون لحسابه أن يشارك في اتخاذ أي قرار قد تترتب عنه منافع شخصية لذاته أو لذويه. ويصبح كل فرد يجد نفسه في وضعية الجمع بين المصالح، مطالبا بالتصريح بذلك من تلقاء نفسه احتمالا لحدوث التضارب بينها وملزما باتخاذ الاجراءات الشفافة والحيادية عند اتخاذ القرارات بهذا الشأن وفقا للممارسات الجيدة. وعلى خلاف ذلك، عندما يكون نظام الحكم مطلقا أو عائليا أو عشائريا، فإن الخلط بين المصالح يكاد يكون اعتياديا حيث أن استخدام الأموال العمومية بغية تحقيق منافع ذاتية من طرف الحاكمين يتطابق في الغالب مع المشروعية والأعراف ويستجيب للتطلعات الاجتماعية الناجمة عن مثل هذه الهياكل. وقد تشكلت مؤسسة المخزن التقليدية على امتداد التاريخ وفق هذا النموذج، إلا أن إعادة ترتيب الدولة المغربية في بداية القرن العشرين أدى الى التمييز بين الأملاك العمومية وثروة الملك الخاصة. كما أن دخول المغرب للمرحلة الدستورية، وضع حداً للخلط بين السلط وأكد على خضوع الجميع للقانون. ومع ذلك، فإن الممارسة مازالت تسمح بعدة تداخلات وتفاعلات بين مجالات السلطة العمومية وخدمة المصالح الخاصة للحكام، سواء على أعلى مستوى للدولة أو من قبل جميع من يحتمون بالتعليمات أو يحتجون بالمصالح العليا. وفي ظل هذه الظروف، يصبح ولوج مراكز المسؤولية، وبشكل عام الانخراط في العمل السياسي، وسيلة لاكتساب السلطة والثروة. فإلى جانب التبرعات الممنوحة على حساب الأموال العمومية (مثل التفويتات العقارية والصفقات العمومية، إلخ)، هناك أيضاً التراخيص الادارية (المأذونيات والإعفاءات، والممارسات الاحتكارية)، وكذا السبق الى المعلومة المالية وما يترتب عن ذلك من استحواذ على المنافع ليترسخ بهذا كله جاذبية الحكم وولاء الأشخصا تجاه أولياء نعمهم. وهكذا يصبح تسخير السلطة العمومية لأغراض ذاتية سمة من سمات السلطة السياسية، حيث يستفيد من النظام المؤسساتي السائد ومن الإفلات من العقاب ليتسرب إلى جميع دواليب الحكم. وبلتالي لا يمكن لأية استراتيجية لمكافحة الفساد أن تنجح إذا لم تستهدف تحقيق حكامة عمومية شاملة لتحل مكان السطو على المال العام باعتباره غنيمة لممارسة السلطة. إن التغيير يمر عبر القطيعة مع عهد الإفلات من العقاب، سواء على مستوى انتهاك الحقوق الأساسية أو الاغتناء عبر الشطط في استعمال السلطة. وترتكز عملية مكافحة الرشوة على المسؤولية السياسية لكل من يمتلك سلطة عمومية ومساءلته، من جهة، وعلى الشفافية والامتثال للقانون من لدن الجميع من جهة أخرى. II سبل تعزيز النزاهة تدعو منهجية التحليل والإصلاح التي تنادي بها منظمة ترانسبرنسي الدولية الى تحليل مختلف أركان »المنظومة« كل واحدة على حدة، وكذلك بطريقة تفاعلية، بهدف الكشف عن مدى مساهمتها في انتشار الرشوة، وتحديد سبل إدماجها لخدمة الحكامة العمومية بشكل أفضل. وقد قدمت الدراسة التي أنجزها الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرنسي المغرب) بطريقة تشاركية، وذلك سنة 2009 عدة توصيات مصنفة عبر أربعة عشر موضوع. ومن جهة أخرى، اعتمدت مذكرة إصلاح القضاء التي أنجزت بشراكة مع تسع جمعيات أخرى مجموعة من المقترحات المتعلقة بالحكامة القضائية. ويمكننا التذكير بأبرز هذه المقترحات، انطلاقا من مدى اقترابها احتماليا لمجال الإصلاح الدستوري وطبيعتها الأفقية والنجاعة المستوخاة منها في تدبير الأموال العمومية. أ التوصيات المتعلقة احتمالا بالمجال الدستوري التصريح بسمو حقوق الإنسان وقيم الحكامة السياسية والاقتصادية. اعتماد الفصل بين السلط على أساس مبدأ المساءلة الذي يفضي الى إسناد المسؤولية للحكومة تجاه الشعب وممثليه بتحديد السياسة العامة للدولة وتعيين مختلف المسؤولين عن المرافق العمومية على أسس شفافة وواضحة ومحددة تشمل معايير الكفاءة والنزاهة. جعل جميع المسؤولين عن السلطة التنفيذية الترابية تحت مراقبة ومسؤولية الحكومة. إعطاء أولوية للتمثيلية البرلمانية المنبثقة عن نتائج الاقتراع العام المباشر بالنسبة لممثلي المصالح الاقتصادية والإقليمية. توسيع صلاحيات البرلمان التشريعية والمالية والرقابية على السلطة التنفيذية، وذلك عن طريق تعزيز: صلاحيات البرلمان التشريعية فيما يتعلق بجميع الحريات الأساسية والنظام الانتخابي (التقطيع الانتخابي)، والعفو الشامل والمصادقة على المعاهدات. المراقبة السياسية للسلطة التنفيذية على مستوى جميع الإدارات والمؤسسات والهيئات العمومية. سلطة التحقيق والتقصي لمجلس النواب من خلال تبسيط مساطرها وتمكينها من ضمان متابعة التوصيات الصادرة عنه. - اعتماد مساطر للمبادر الشعبية بالاستفتاء بغية تحسين مشاركة الكواطنين لا سيما فيما يخص الاصلاح التشريعي - تعزيز مراقبة ملاءمة القوانين للدستور بما في ذلك مراجعة تركيب المجلس الدستوري بهدف الرفع من مؤهلات اعضائه في المجا ادستوري والسياسي وضمان حياده. توسيع صلاحيات هذا المجلس ودعم سلطة البحث لديه في مجال المنازعات الانتخابية. توسيع صلاحية المجلس عن طريق الطعون الصادرة عن المعارضة. ملاءمة صلاحياته مع الصلاحيات المتعلقة بمراقبة مشروعية المقررات الملكية ومدى مطابقتها للدستور. تحديد تراتبية المعايير القانونية بشكل واضح (القوانين والظهائر والأنظمة)، وتأكيد مبدأ سمو المعايير الدولية على المعايير الوطنية. الرفع من القضاء كسلطة وتعزيز استقلاله الفعلي عن أي سلطة تشريعية وتنفيذية. تأكيد سلطة واستقلال المجلس الأعلى للقضاء، لاسيما من خلال تشكيلته، ورئاسته واختصاصاته، في مجال الترقية والتعيينات، والتأديب وكذا سلطته علىالهيئة التفتيشية. تعزيز الضمانات القانونية للقضاة بما في ذلك أعضاء النيابة العامة، بالخصوص في مجالات الحريات العامة، وتقييم المجهود ونقل القضاة الجالسين. وضع حد لتبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية. دعم استقلالية وموارد المجلس الأعلى للحسابات بما في ذلك إمكانية إطلاق المتابعات الجنائية بشكل مباشر. الإعلان عن الحق في الوصول الى المعلومة (المجال الإعلامي العمومي، وتدبير الأموال العمومية). تعزيز حرية الصحافة، وتأكيد المساواة في استعمال وسائل الاتصال العمومية من طرف مختلف التيارات الفكرية، لاسيما بالنسبة للمجتمع المدني والأقليات. ضمان التعددية والتنوع في وسائل الإعلام من خلال سياسة عمومية للإعلام، (اللغات والمناطق والمجموعات ذات المصالح المشروعة والنوع والقضايا البيئية، إلخ). إعلان مبدأ الربط بين نقل الاختصاصات والتمويلات الملائمة من الدولة المركزية إلى المرافق والجماعات الترابية. توسيع ممارسة مبدأ الاستدراك. الاعتراف بدور المنظمات غير الحكومية في تحضير والمشاركة والتقييم بشأن السياسات العمومية. ب التوصيات الأفقية المتعلقة بالشفافية والمراقبة والنزاهة: تعميم المساءلة بالنسبة لجميع الذين يتولون مسؤولية عمومية والمستفيدين من التمويل العمومي، كالمؤسسات والهيئات العمومية وكذا القوات المسلحة الملكية. صياغة القواعد التشريعية ومعايير التطبيق الملائمة التي تفرض إلزامية التصريح عن تضارب المصالح وكيفية معالجتها. توفير آليات ملائمة من أجل ممارسة فعلية للحق في الوصول الى المعلومة. تبسيط الاجراءات والإخبار الاداري لدعم آليات الشفافية في اتخاذ القرار. تعزيز طرق معالجة التظلمات والشكايات، وتحسين طرق الطعن الداخلية. ضمان الإعلام والتنسيق للأجهزة المكلفة بالمراقبة والتفتيش والوقاية من الرشوة. تعزيز قدرات أجهزة المراقبة والتفتيش، وضمان استقلالها الوظيفي وكذا حيادها. حماية المبلغين والشهود والخبراء. تشجيع المشاركة المواطنة في محاربة الرشوة. تنظيم تتبع نزاهة التصريح بالممتلكات من قبل أجهزة تتوفر على آليات التقصي والاستقلال الضروري، و/ أو ضمان الدعاية القانونية لها. تبسيط عملية رفع الحصانة البرلمانية في حالة ارتكاب جنح أو جنايات. تعزيز صلاحيات واستقلال المحكمة العليا وكذا مقدرتها على متابعة الوزراء فعليا. تطوير مدونات ولجان الأخلاقيات، وكذا لجان الافتحاص داخل المقاولات، والمؤسسات العمومية والجهاز القضائي. تقليص السلطة التقديرية وتأطيرها بواسطة اجراءات شفافة، وكذا عن طريق تعليل القرارات. تطوير المقاربات المتعلقة بمراقبة وتقييم السياسات العمومية. ج التوصيات الأخرى: تعزيز المساواة وعدم التمييز في التوظيف والترقية بالوظائف العمومية والمناصب العليا عن طريق: تعميم المباريات والإعلان عن التوظيف. شفافية اجراءات الانتقاء والترقية. محاربة احتجاز المناصب والوظائف لما بعد الولاية المحددة، بالإضافة الى مقاومة الزبونية والمحسوبية وكل أوجه التعيينات الاعتباطية. تنظيم المشاركة المواطنة في صنع القرار، والسماح بتنظيم استفتاءات محلية أو إقليمية. حماية المنافسة الحرة، ومحاربة حالات الريع المتعلقة ب (المأذونيات، والامتيازات، والممارسات الاحتكارية، والاجراءات الضريبية والتنظيمية المستهدفة، إلخ). تعزيز الاقتراع العام المباشر في تعيين مجالس الجماعات المحلية وتعزيز وظائفها التنفيذية. تطوير الموارد المالية المحلية، وتوفيرها وفق مبدأ الأهداف بالإضافة الى ترشيد قواعد تسييرها. توسيع وتعزيز التشريع في مجال الأملاك العمومية، والمشتريات والعقود العمومية خاصة عن طريق: ملاءمة وتوضيح الاجراءات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمال العام (ملك عمومي، ملك خاص بالدولة، أملاك الجماعات المحلية، والصفقات والعقود العمومية بما في ذلك تصرفات المؤسسات العمومية، وجميع المعاملات غير الخاضعة لقواعد السر المشروع). تدقيق مسؤولية الساهرين عن تدبير الأموال العمومية وإرفاقها بطرق محاسبة وطرق طعن فعالة ومحايدة قبل الإحالة على العدالة. تنظيم المشاركة المواطنة والإخبار: مرصد الأموال العمومية، معالجة تظلمات ومطالب المنظمات غير الحكومية. تعزيز الحريات العامة بما في ذلك شفافية الاعتراف بالمنفعة العامة، وتمويل المنظمات غير الحكومية. دعم التضامن الوطني خاصة عن طريق نظام جبائي عادل في خدمة المواطنة.