أكد الحبيب المالكي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن ضرورة الاستثمار في الثقة، عنصر أساسي في عدم تغيير حركية الاصلاح عن أهدافها الحقيقية ولكي لا تفرغ من محتواها، وهذا يتطلب جرأة مضاعفة في تشخيص أمراضنا وعلى رأسها ظاهرة الفساد. وأضاف المالكي في كلمة افتتاحية له بمناسبة الورشة التي نظمها المكتب السياسي للحزب حول موضوع «أية إصلاحات سياسية واقتصادية لمكافحة الفساد ؟» ،وذلك يوم السبت 10 شتنبر 2011 بالمقر المركزي للحزب بالرباط، أن الفساد يكتسي أشكالا متعددة ومرتبطة بالفساد السياسي والانتخابي والأخلاقي، مرورا بالفساد الاقتصادي والمالي ومحاربته الذي يمر عن طريق تخليق الحياة العامة ،أصبح الآن يطرح بإلحاح ولا نبالغ إن قلنا إنه أصبح مطلبا مجتمعيا. ويرى المالكي أن الضرورة اليوم تستدعي وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة لا تهم فقط المدى القريب، وإنما تهم كذلك المدى المتوسط والبعيد، خاصة أن في مجال التشريع مازالت الترسانة القانونية ضعيفة اللهم إذا استثنينا التصريح بالممتلكات، والقانون المتعلق بالصفقات العمومية والقانون الجنائي الذي كان موضع تعديلات مؤخرا بالإضافة الى قانون إحداث غرف جرائم الأموال. وفي السياق ذاته، سجل المالكي أن الترسانة القانونية الحالية لا تحتكم الى آليات المراقبة القبلية بمعنى أن عقلية العقاب السائدة للجريمة مازالت تقليدية، فهي ترتكز بالأساس على الحكم البعدي وليس على الردع القبلي، مسجلا في هذا الصدد أن هناك إرادة سياسية تهدف بالأساس الى القطيعة مع الماضي وعقليات وممارسات الماضي، إرادة تتجسد في الدستور الجديد، الذي يوفر اليوم لنا أرضية قانونية وسياسية لوضع استراتيجية متكاملة تهدف الى تخليق الحياة العامة وعلى رأسها ظاهرة محاربة الفساد. وذكر عضو المكتب السياسي بما جاء به الدستور الجديد في هذا الباب، خاصة على مستوى المبادئ العامة التي تشدد على فصل السلط ، معتبرا أن هذا المبدأ من أهم المبادئ التي لا يمكن تصور بناء ديموقراطي سليم وصلب بدونه، وكذلك الشأن في مجال الاقتصاد والمال. أما في ما يتعلق بالمبدأ الثاني، فهو الحكامة الجيدة التي تعتبر أحد المفاهيم والاختيارات المهيكلة للدستور الجديد. فمن خلال قراءة للدستور هناك فصل وعدة بنود تتعلق بالأسس والمبادئ لتصبح الحكامة ببلادنا حكامة جيدة على أساس احترام القانون والشفافية والمراقبة، لافتا الانتباه إلى أن الحكامة الجيدة تساعد على الرفع من جودة المؤسسات وتساعد على مصداقيتها. فبدون جودة ومصداقية، من الصعب جدا أن نسرع وتيرة الاصلاح وأن نجعل من انتظارات المجتمع في مستوى ما يجب أن تكون. كما أشار المالكي إلى أن الدستور الجديد ينص على بعض الهيئات القديمة أو المحدثة، والتي لها أهميتها القصوى، نذكر منها المجلس الأعلى للحسابات، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المجلس الوطني لحقوق الانسان، مؤسسة الوسيط، ومجلس المنافسة، بالإضافة الى دور المجتمع المدني بجميع مكوناته ونخص بالذكر ما تقوم به جمعية ترانسبرانسي المغرب، مسجلا أن هذه المؤسسات الدستورية لها نوع من التكامل الوظيفي، وتعكس توجهات استراتيجية جديدة وواضحة تهدف بالأساس أولا من جهة الى إرساء دولة القانون عبر مؤسسات تمثيلية وفاعلة، ومؤسسات أخرى تمكن وترمي الى إرساء اقتصاد السوق المؤطر من طرف الدولة، والذي يكون في خدمة المجتمع وليس في خدمة السوق. وشدد المالكي على أن الحزب يأمل أن تقوم هذه الهيئات بأدوارها كاملة على اساس الاستقلالية والخبرة والفعالية في الرأي واتخاذ القرار، مختتما كلمته بأن الاتحاد يعتبر أن الانفتاح على هذه الهيئات المشاركة في الندوة وكذلك على المجتمع المدني، جانب أساسي في منهاجه الانتخابي، فالاتحاد يريد أن يحاور نفسه من خلال محاورة الآخرين ليكون الحوار منتجا ومثمرا. واعتبر عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة الذي قدم مداخلة في موضوع «المنافسة والاقتصاد المغربي» أنه في الوقت الذي نعيش فيه العولمة وشمولية الاقتصاديات، لاتزال الثقافة السياسية تطغى على القضايا الاقتصادية خصوصا بالدول النامية، والمغرب لا يخرج عن هذا المنطق، مشيرا في السياق ذاته الى أن هناك مفارقة غريبة وملحوظة، حيث أننا نعيش اقتصاد السوق ولا نعي جيدا مقتضياته، لذلك يقول رئيس مجلس المنافسة أن المجلس قرر ان يجعل من نهاية 2011 و2012 أساسا للحوار في هذا الموضوع مع العالم السياسي والاقتصادي والثقافي. وأوضح بنعمور أن المنافسة في العالم ترتكز على مبدأين: الأول يتعلق بالتأكيد على أن اقتصاد السوق يجسد القاعدة الأساسية للمعاملات التي تعتبر فيها القاعدة الأساس هي حرية الأسعار الناتجة عن العرض والطلب، ولا نجد استثناءات إلا في حالتي الاحتكار وحالة الدعم من طرف الدولة لبعض الأثمنة التي لها بعد اجتماعي أو اقتصادي مع العلم أن المحرك الأساسي لحرية الأثمان هو المنافسة. أما المبدأ الثاني فيتجسد في نعم لاقتصاد السوق والمنافسة وحرية الأسعار، لكن لابد من تواجد حكامة وتقنين لهذه المعاملات، لأن بعض النشطاء الاقتصاديين لا يحترمون قواعد اللعب حيث تسجل بعض الانزلاقات المتمثلة في ما يسمى بالتصرفات اللاتنافسية والمتعلقة بتجاوزين، أولها الاتفاقيات المقاولاتية وثانيا اللجوء الى تصريحات تعسفية انطلاقا من مواقع مهيمنة، بالإضافة الى هناك مخاطر تنتج عن التكتلات. كما تطرق بنعمور الى كيفية تقنين المنافسة وشروط نجاح المنافسة المتمثلة في الاستقلالية والجانب التقريري، ثم حق الإحالة الذاتية بالإضافة الى حق التحري والاختصاص العام في قضايا المنافسة. كما خصص حيزا مهما من مداخلته لعرض أوضاع مجلس المنافسة والاكراهات والتطلعات المستقبلية. أما بالنسبة لرشيد الفيلالي المكناسي، الكاتب العام لترانسبارنسي المغرب الذي قدم في هذه الورشة مداخلة حول «دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد»، فسجل على أن قيمة أي دستور لا تكمن في نصه، بقدر ما تكمن في التقيد الصارم بمقتضياته من طرف الجميع من يخول لهم السلطات أو يعترف لهم بالحقوق، واعتبر كذلك أنه بقدر ما تستنبط الحكامة العمومية من القانون الأسمى قيمها المثلى، ومن بينها الاعتراف بالسيادة للشعب وبالمساواة والمواطنة والمساءلة، فإن قيمتها تظل رهينة بتأهيل الاطار المؤسساتي والمعياري والميداني لتدبير الشأن العام بطريقة شفافة وتشاركية. وأكد الفيلالي أن المكانة المركزية التي توليها حركة 20 فبراير وكل القوى الديمقراطية المساندة للتنديد بالرشوة والمحسوبية والإفلات من العقاب، تؤكد الارتياب العميق للمواطنين والمواطنات تجاه السلطات العمومية، وتطالبهم بإجراءات عاجلة لتأكيد الالتزام بوضع جد للإفلات من العقاب ونهج المساءلة. وفي معرض حديثه عن واقع الفساد بالمغرب ، أوضح الفيلالي أن كل المؤشرات تؤكد الوضعية المزمنة للرشوة بالمغرب ، حيث نجده في مؤشر إدراك الرشوة الذي تشرف عليه ترانسبارنسي الدولية ،يتوفر على نقط تتراوح بين 3.2 و 3.5 . وتتأكد هذه النسبة من خلال مؤشرات دولية أخرى تصدر في مجال الأعمال والقضاء والمالية العمومية والممارسة الاجتماعية والاستثمار. وتشير كذلك استطلاعات الرأي الى تفشي الفساد في المرافق العمومية المتعلقة بالصحة والأمن والقضاء وقطاع البناء والجماعات المحلية، كما أن هناك دراسات قطاعية تؤكد أن آفة الرشوة مستشرية بشكل مقلق في التعليم والأحزاب السياسية والتواصل والرياضة. وفي آخر مداخلته اعتبر الفيلالي أن التغيير يمر عبر القطيعة مع عهد الإفلات من العقاب، سواء على مستوى انتهاك الحقوق السياسية أو الاغتناء عبر الشطط في استعمال السلطة، وترتكز عملية مكافحة الرشوة على المسؤولية السياسية لكل من يمتلك سلطة عمومية ومساءلته من جهة، وعلى الشفافية والامتثال للقانون من لدن الجميع من جهة أخرى. وبخصوص مداخلة محمد الصبار أمين المجلس الوطني لحقوق الانسان التي تمحورت حول « المجلس الوطني ورهانات الانتخابات المقبلة»، فسجل الصبار أن المجلس انطلاقا من اختصاصاته، قام بملاحظة كل من الانتخابات التشريعية 2007 والانتخابات الجماعية لسنة 2009 والاستفتاء على الدستور يوم فاتح يوليوز 2011 ، وبهذا تمكن المجلس من بلورة مجموعة من الملاحظات والاقتراحات التي من شأنها أن تسهم في تطوير وتقدم العمليات الانتخابية والاستشارية بالمغرب. فقدم الصبار في البداية الملاحظات المتعلقة بالانتخابات التشريعية ل 2007 والتي تهم مستوى العملية الانتخابية نفسها، مقترحا تعليق لوائح الناخبين خارج مكاتب التصويت ونشر نتائج الاقتراع بمكاتب التصويت مباشرة بعد نهاية عملية الفرز لتعزيز الشفافية، وكذلك على مستوى محيط العملية الانتخابية باقتراح تنظيم عملية الملاحظة بواسطة نص قانوني والعمل على تسوية الأوضاع القانونية للهيئات الوطنية والدولية المشاركة في ملاحظة الانتخابات، بالإضافة الى دفتر تحملات للهيئات المشاركة في ملاحظة الانتخابات يحدد بوضوح الأهداف والمساطر، ومدونة السلوك مع وضع دليل الملاحظة وتوفير تكوين كاف للملاحظين. كما تطرق للملاحظات المتعلقة بالانتخابات الجماعية ل 2009 مبرزا في هذا الصدد ملاحظات حول الأهلية الانتخابية والقيود المتعلقة بالتسجيل والتصويت والترشيح، ثم حول تسهيل الولوج الى عملية التسجيل بالنسبة لفئات معينة من الناخبين والناخبات وتطوير منظومة التميز الجغرافي والايجابي. بالإضافة الى ملاحظة حول معايير تقطيع الدوائر الانتخابية وتكافؤ الفرص وبطاقة الناخب وإيداع وتسجيل الترشيحات وحول أوراق التصويت ومصاريف المرشحين أثناء الحملة الانتخابية . وبخصوص مداخلة عبد السلام أبو درار رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ، حول موضوع «دور الجهاز المركزي للوقاية من الفساد في مكافحة الفساد»، اعتبر أن الفساد يشكل بمعناه الشامل إشكالية تنموية وسياسية ذات أبعاد متعددة تنتج غالبا عن «الإساءة في استخدام السلطة من أجل الفائدة الشخصية» التي تساهم في إفراز مجموعة من الجرائم والسلوكات كالرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وتضارب المصالح والمحسوبية والغش... وذكر أبودرار في نفس السياق أن الفساد أصبح يشكل الآن ظاهرة عبر وطنية تشير إلى أعمال ترتكب محليا، وأخرى عبر الحدود الوطنية، حيث تطورت الممارسات الإجرامية موازاة مع العولمة وما أفرزته من ترابط بين الدول والشركات، وتشابك في الصفقات المالية والتجارية والاستثمارية وقنوات التواصل وآليات تدفق الرساميل. وبخصوص الأسباب التي تؤدي إلى تفشي ظاهرة الفساد ،أوضح أبودرار أنه يكفي أن نشير على سبيل التمثيل إلى وجود الاحتكارات واتساع مجالات اقتصاد الريع؛ الانفراد باتخاذ القرارات واتساع دائرة الشطط في استعمال السلطة؛ شيوع حالات اللاعقاب وعدم المساءلة؛ انغلاق التدبير العمومي وتعقيد المساطر الإدارية؛ ثم عدم فعالية أجهزة المراقبة الداخلية والخارجية. أما عن آثار الظاهرة وانعكاساتها على استقرار وأمن المجتمعات، فأشار أبودرار الى أنه من الممكن اختزالها في الأضرار التالية المتمثلة في تقويض القيم الأخلاقية والعدالة والديمقراطية؛ التعارض مع ترسيخ دولة القانون؛ انتهاك الحقوق الأساسية من خلال الحرمان من المساواة في توفير الخدمات العمومية؛ عرقلة مجهودات التنمية سواء من خلال تقليص فرص التجارة والاستثمار وتقويض التنافس الاقتصادي، أو من خلال الإضرار بفعالية برامج مكافحة الفقر والتهميش. وفي مداخلة له حول « الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الفساد»، أكد حسن السرغيني رئيس اللجنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحزب أن ظاهرة الفساد بالمغرب كارثية ولها انعكاسات لا يمكن تصورها على الاقتصاد الوطني، وتستدعي أكثر من أي وقت مضى التصدي لها بحزم وصرامة وإلا سنكون أمام وضع خطير ينذر باللااستقرار، وسوف تصبح مقولة أن المغرب يشكل استثناء مقولة في مهب الريح ومجرد غربال يخفي الشمس. كما عرض أوجه الفساد المستشري في عدد من القطاعات والتي تنخر الاقتصاد الوطني أمام مرأى ومسمع الجميع، لذلك رأى أن المطلوب هو استعجال اتخاذ تدابير واجراءات لاجتثاث جذور الفساد بكل أنواعه في البلاد، ضمانا للانتقال الديمقراطي واستجابة لهذا المطلب الشعبي الذي أصبح مطلبا مجتمعيا وعلى رأس مطالب حركة 20 فبراير. وتطرق كذلك عبد الصمد صادوق رئيس لجنة الاخلاقيات للكونفدرالية العامة للمقاولات المغربية في مداخلة له حول « تعزيز دور القطاع الخاص في مكافحة الفساد» الى أن القطاع الخاص والكونفدرالية يقومان بعدة مجهودات من أجل اقرار الشفافية والنزاهة في مجال المعاملات التجارية والاقتصادية بشكل عام، وكذلك العمل على تأهيل المقاولات المغربية من أجل أن تتوفر على القدرة التنافسية اللازمة لذلك أمل صادوق أن تتخذ إجراءات وتدابير في المستقبل القريب من أجل دعم المقاولة المغربية وتأهيلها حتى يتسنى لها أن تتمتع بقدرة تنافسية كبيرة، بالإضافة الى إعمال الحكامة الجيدة داخل المقاولات الخاصة وكل مؤسسات الدولة التي يتعامل معها القطاع الخاص كي تسود الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص بين المقاولات المغربية. ملف كامل عن الموضوع و نص المداخلات في عدد قادم