في أجواء تخلو من الزحام المعتاد، بسبب قرب موعد الدخول المدرسي، يشتغل منقذو السباحة دون ضغط أو توتر، كما كان الحال خلال شهر يوليوز. سعيد، منقذ موسمي، يقف على بعد خطوات من مياه البحر، وبحركة بيده تنم عن يقظة، لوح إلى بعض المصطافين المنغمسين في عذوبة المياه، كان يصدر أوامره بعدم التقدم كثيرا نحو البحر، ولأن مهمته كانت تفرض عليه التحذير والإسعاف، كان حريا به أيضا ارتداء قبعة مكتوب عليها "منقذ موسمي"، لإضفاء بعض الخصوصية على شخصه والتعريف بدوره إزاء المصطافين، ودون أن يكف عن التحديق في كل الاتجاهات، كان "المنقذ الموسمي" يواصل على نحو مطرد مطالبة بعض مرتادي الشاطئ بالاستجابة إلى صفارته، الداعية إلى التراجع في اتجاه الشاطئ، درءا من مخاطر الغرق. بسحنته السمراء وبنيته الرياضية، يتسمر"منقذ موسمي" أمام العمود الحديدي، الثابت على الشاطئ، (يعلوه كرسي يعتمد لمراقبة المصطافين بشكل أشمل)، دون أن يشيح نظره صوب المياه، يلتهم طعامه على عجلة، ليصيح باسم رفيق له، ينهض إليه، يتكلمان، ثم يمضيان سويا في اتجاه المياه، فبعض المصطافين على ما يبدو يتناسون أسباب وجود هؤلاء "المنقذين الموسميين"، لهذا السبب يفضل هؤلاء أن يكونوا أكثر تحسبا، مادامت عذوبة المياه ألهت المصطافين عن تبعات الغطس في عمق البحر. على الرغم من أن إشارات "المنقذين الموسميين"، لم توح لبعض المصطافين بشيء محدد، إلا أنها تنبئ بأن هناك خطرا محدقا، ويعني ذلك أن على المصطافين التراجع عن الغطس في المياه، فأن يذعن المصطاف لأوامر "المنقذ الموسمي"، بروح متفهمة، معناه أن هذا الأخير نجح في الإقناع، وأدى مهمته على أحسن ما يرام، فليس إصدار الأوامر من قبل "المنقذ الموسمي" تدخل في شؤون المصطافين وتقييد لحريتهم داخل أجواء الشاطئ والبحر، بل هو إدراك "المنقذ الموسمي" لمكامن الخطر الذي تلف الفضاء. ضيف ثقيل أزعج وجود "قنديل البحر" هذه السنة، "المنقذين الموسميين"، إذ اضطروا هذه المرة إلى متابعة تنقلات هذا المخلوق البحري، ومن ثمة كان لزاما عليهم الاستعجال في تحذير المصطافين، كلما وردتهم معلومات بخصوص انتشار هذا المخلوق على نطاق واسع في المياه، كما فرض عليهم ذلك أن يكونوا أكثر صرامة مع بعض المصطافين، خاصة الأطفال، مادام الخطر لا يقتصر على الغرق فحسب، بل إن لدغة "قنديل البحر" يمكن أن تكلف ضحيته قضاء أيام تحت تأثير ارتفاع حرارة الجسم، وكذا آلام على مستوى اللدغة (احمرار في الجلد بما يشبه الحروق). كان تخوف الطفل المتوجه إلى مركز الوقاية المدنية باديا على قسماته الطفولية، وكانت خطواته المتأنية علامة على أن الطفل يخشى طبيعة العلاج من تلك اللسعة التي مست مستوى فخذه، لكنه أدرك للحظة وجيزة أن الإسعاف من تبعات لدغة "قنديل البحر" لن يكلفه سوى "التبول"، والمسح بهذا السائل على مكان الألم، وفق ما ذكره الطفل بنبرة مرحة، وهو ما أكدته إحدى المسعفات، التي ذكرت أنها استحت في البداية من إرشاد المتضررين من "قنديل البحر" باستعمال "البول"، لكن مع تكرار النصيحة لأكثر مرة، صار الأمر بديهيا بحكم توافد العديد من المتضررين في كل لحظة على مركز الوقاية المدنية، وبحكم أن المواد الطبية للإسعاف لم تكن متوفرة لحظة الاستفسار عنها، لهذا كان لابد من إيجاد بديل آخر لرد الخطر عن المتضررين. لا مجال للتهاون بينما كان ثلاثة أطفال يركضون في اتجاه المياه، صادف أحدهم "منقذ موسمي"، يقف صوبه، بعدما فتح ذراعيه وساقيه إلى الجانبين، للحيلولة دون مروره إلى الوجهة التي نبهوا لها في وقت سابق، على أنها محفوفة ب"قنديل البحر". لعل الطفل اعتبر موقف "المنقذ الموسمي" مبالغا فيه، باعتبار أن الغاية من الوجود بالشاطئ هو الاستمتاع بالأجواء الصيفية، لكن "المنقذ الموسمي" كان يتعين عليه دفع الصبي عن الاقتراب من مياه تتهددها خطورة "قنديل البحر". لم يكن في وسع الطفل تجنب "المنقذ الموسي" فعاد أدراجه لينأى بنفسه عنه، فإذا استشعر"المنقذ الموسمي" أن طبيعة مياه البحر الجارية، تخفي في ثناياها ما ينذر بالخطر، فإنه يهرول مسرعا رفقة زملائه في العمل، للقيام بواجبه، الذي قيل إنه ينم عن "إنسانية ومهنية"، وإن كان ما يتقاضاه عن ذلك لا يوازي حجم خدماته ومجهوداته البدنية والنفسية. مشهد المصطافين وهم ينعمون بعذوبة المياه وحرارة الشمس في منأى عن أي مخاطر (هيجان البحر على نحو مخيف)، يجعل "المنقذين الموسميين" يتمتعون بدورهم بهذا المعطى الطبيعي، لكن حين لا تبشر أمواج البحر بالطمأنينة، ف"المنقذون الموسميون" لا يغريهم ذلك للجلوس بعض اللحظات وتبادل أطراف الحديث في ما بينهم، بشكل مسل وترفيهي، إذ مهمته تفرض اليقظة المستمرة، وأي تهاون من قبلهم، سيكلفهم فقدان الثقة في مؤهلاته وفاعليته في مهامه من قبل رؤسائهم، وقد لا تتاح فرصة الاستمرار في هذا العمل، الموسم المقبل. لقد جعلت الحاجة إلى مدخول يومي بعض "المنقذين الموسميين" أكثر صلابة وحزما في احترام معايير وشروط الإغاثة، بدلا من أن يوهن عزيمتهم، تجاهل بعض المصطافين لدوي صفارتهم المحذرة من الخطر، فكان موقف هؤلاء يوقظ في نفوس بعض "المنقذين الموسميين" مقاومة عنيدة، ليستمروا في التصفير والتنبيه. أن يضمن كل مصطاف سلامته في كنف مياه البحر، فذلك يتوقف على عدم المخاطرة بنفسه والغطس في العمق، مع احترامه للحدود التي يرسمها "المنقذون الموسميون" للسباحة فيها، تبعا لدراسة ميدانية من قبل العارفين بخبايا البحر ومتغيراته، أما البعض فإنه يضرب ذلك بعرض الحائط ويتحدى المخاطر، فربما يكون مصيره الغرق، فإن حالفه الحظ أخرجه "المنقذون الموسميون" وأسعفوه" قبل فوات الأوان، أما إن وقع العكس، فالمجازف بنفسه قد يكون موته محقق لا محالة. حين يجيء الإشعار تراجع عدد المصطافين بالشواطئ خلال شهر شتنبر خول لمنقذي البحر فرصة الاستراحة من ملاحقة الناس قصد تنبيههم بمخاطر البحر. بعض"المنقذين الموسميين" ينخرطون في هذه المهنة، بدافع الحاجة إلى مدخول يومي، وإن كان يقدر بحوالي 7 آلاف درهم فقط للموسم الصيفي (ما بين شهرين ونصف الشهر إلى ثلاثة أشهر)، أما البعض الآخر، فيجد في هذه المهنة قيمة إضافية، ليمارسها على نحو يشبع إعجابه بالسباحة والاستجمام في الشاطئ. سجلت مصالح الوقاية المدنية خلال شهرين ونصف الشهر من فصل الصيف الحالي (فاتح يونيو إلى 15 غشت 2011)، 3872 حالة غرق في مجموع الشواطئ الوطنية، توفي خلالها 59 شخصا (51 ذكور، 8 إناث)، في حين تمكن منقذو السباحة، من إنقاذ 3805 أشخاص أحياء، بينما يوجد 8 آخرين في عداد المفقودين. وأوضحت إحصائيات للمديرية العامة للوقاية المدنية أنه يوجد بين الأشخاص الذين جرى إنقاذهم، 2383 ذكور، و1422 إناث، نقلوا إلى المستشفيات المعنية لتلقي العلاج، مشيرة إلى أن أغلبية الأشخاص الذين توفوا أو يوجدون في عداد المفقودين كانوا يسبحون في شواطئ غير محروسة. وأكدت المديرية في جواب لها حول حصيلة تدخلاتها بالشواطئ خلال فصل الصيف، أن عدد الأشخاص الذين جرى إنقاذهم يمثلون نسبة مهمة جدا، يظهر مدى نجاعة تدخلات منقذي السباحة. وأبرزت المديرية العامة للوقاية المدنية أنه وعيا منها بأهمية حماية أرواح مرتادي الشواطئ، وانشغالها بضرورة تحسين الخدمات المقدمة لهم، فهي تباشر خلال موسم الصيف من كل سنة مجموعة من الإجراءات، تهدف من خلالها تحسين أداء عناصرها، وتعزيز سلامة المصطافين بالشواطئ.