ما إن يقترب فصل الصيف حتى يزيح الطلبة والتلاميذ عنهم عبء الموسم الدراسي والجامعي، ويشرعوا في البحث عن الطريقة التي يقضون بها عطلتهم الصيفية. فمنهم من يضع برنامجا للسفر داخل أو خارج الوطن، ومنهم من يبحث عن عمل موسمي ليزاوله كي يكسب به مالا لشراء بعض حاجاته من ملابس ولوازم الدراسة وغيرها ومنهم من يذهب إلى البادية عند الأهل والأحباب لقضاء عطلته بأقل التكاليف وهناك من لا يعير أي اهتمام للعطلة، خاصة إذا كانت ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية جد صعبة. كثير هم من يرون أن أبناء المسؤولين وأصحاب النفوذ والمال في بلادنا مرتاحين، وهم غالبا لا يحتاجون إلى إجازة سنوية، لأنهم طوال السنة مسافرون، والذي يحتاج فعلا إلى إجازة هو الشعب الفقير المقهور وهو الأحق بالإجازة والراحة لأنه يدفع الضرائب ويتحمل ارتفاع الأسعار ويعاني من البطالة والروتين الممل والجوع وأزمة السكن. وطبعا إجازاتهم غير إجازاتنا؛ أكبر موظف منا يأخذ إجازة بعد سياسة تقشفية طوال السنة تشبه تلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول الفقيرة. أما السادة المسؤولين والوزراء ورجال الأعمال فهم يفضلون مكانا خارج البلاد يمارسون فيه هواياتهم المفضلة و يمسحون من ذاكراتهم شبح المشاكل التي تتخبط فيها البلاد. كثيرا ما أتساءل وأنا أجول في شوارع مدينتي الصغيرة أتطلع إلى مستوى الخدمات المتردي ،أطالع الفقر بأبشع صوره حيث الأطفال يغادرون المدارس لينخرطوا في سوق العمل لمساعدة أهاليهم وغالبا ما ينحرف أولئك الأطفال أو يهرمون في صغرهم جراء الأعمال الشاقة وقسوة الحياة والحرمان من مرحلة الطفولة . الشباب في مدينتي كباقي أبناء الشعب المغربي لا يعرفون معنى للعطلة الصيفية ، لم تتفاءل أم حدو كثيراً بقدوم العطلة الصيفية لأنها تخشى من عواقبها على أبنائها ، فهي تطمئن عليهم أكثر أيام الدراسة، حيث يقضون اغلب أوقاتهم في داخلية الثانوية مابين القراءة والكتابة وتهيئة الفروض الدراسية والاستعداد للامتحانات . أما في العطلة الصيفية فلا يجدون أمامهم في البادية سوى الفراغ ودواماته ، فيكون الشارع والعمل في المزرعة هو الأقرب لقضاء أوقاتهم، فلا توجد دور الشباب قريبة من البيت تأوي لها أبناؤها، ولا أندية تشجعهم وتصقل مواهبهم، ولا هناك مؤسسات مجتمع مدني تدعوهم للانخراط في نشاطاتها المدنية النافعة ،ولا مخيمات صيفية لفائدة شباب القرى تخطط لها الدولة كما في المدن . يقول ابنها حدو الذي يتابع دراسته الثانوية تخصص علوم الرياضية "حصلت هذا العام على أعلى النقط في جميع المواد العلمية والأدبية وبذلت مجهودا كبيرا طوال السنة وأحتاج فعلا إلى وقت من الراحة لاسترجاع نشاطي وتجديد دمائي وتعويض ساعات الإرهاق الدراسي والاستعداد للسنة المقبلة" لكن للأسف يضيف حدو " ظروفي العائلية لا تسمح لي بقضاء عطلتي خارج البادية وليس لدي البديل وحتى الأدوات المدرسية غالبا ما انتظر خالي المهاجر بفرنسا كي يقتنيها لي في بداية السنة الدراسية " وما يزعجه هو سفر أصدقائه الذين يستمتعون بالعطلة خارج المدينة يقول " لدي أصدقاء في الثانوية مستواهم الدراسي أقل مني بكثير يقضون أيام العطلة الصيفية متنقلين بين طنجة والرباط واكادير لكون اغلب أفراد عائلتهم يقيمون في هذه المدن ويستمتعون بالسباحة في الشاطئ، وأنا لا أخفي عليكم أنه لم يسبق لي مشاهدة القطار مباشرة ولا رؤية الطائرة كل هذه الأشياء لا نراها إلا في التلفاز والصور،وأقصى ما يمكننا القيام به هو الذهاب صباحا للسعيدية أو رأس الماء أو تكافايت أو حتى تافوغالت والرجوع في المساء" . أما لحسن الذي يتابع دراسته الجامعية تخصص علوم فيزيائية فهو يرى أن الراحة لا مكان لها عند اغلب طلاب المدينة فما أن تقرع العطلة الصيفية أجراسها حتى لا يفوتوا فرصة إلا واستثمروها لإيجاد عمل مؤقت يقضون فيه أوقات العطلة من جهة ويوفرون مصاريف دراستهم للعام المقبل من جهة ثانية.يقول لحسن " أجد نفسي في حالة استنفار دائمة من اجل لقمة العيش وتأمين المستقبل،وضعي العائلي لا يسمح لي بقضاء أيام العطلة في الرحلات أو منتديات اللهو،بل على العكس فاني أضاعف من جهودي وعملي خلال العطلة لتعويض الارتباكات التي سببها ازدواجية الدراسة والعمل". لكن رغم هذا الحرمان من طعم العطل الصيفية يرى المهتمون والباحثون أن أبناء الهامش يستطعون بسرعة تحقيق طموحاتهم وأحلامهم . حلم التلميذ الفقير وإيمانه بالمستقبل يدفعه دفعا لتجاوز حواجز الفقر والحرمان من كل شيء ، والحواجز النفسية المترتبة عن فشل أصحاب الشهادات العليا في الحصول على فرصة عمل . كل ذلك لا يكسر عزيمته وإنما يزيده إصرارا على المضي قدما حتى يحقق ما لم يستطع الآخرون تحقيقه إسوة بكل الناجحين الذين كانوا أبناء فقراء وهم اليوم من كبار كوادر الدولة المغربية.