كادت الدروس الخصوصية أن تصبح شيئا ثابتا ضمن احتياجات الأبناء مع كل موسم دراسي، وبالتالي فإن الأسر المغربية تجد نفسها أمام متطلبات مادية زائدة عن مصاريف التسجيل والمقررات الدراسية، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فالدروس الخصوصية لها تداعياتها الاجتماعية إضافة إلى المادية، والأسرة بسبب هذه الدروس أصبحت تجد نفسها أمام مشاكل اجتماعية نفسية وتربوية كانت في غنى عنها. ''التجديد'' استقت شهادات لأولياء ومختصين لهم علاقة بالموضوع، وهذه التفاصيل: استنزف الدخول المدرسي جيوب الآباء، والدروس الخصوصية لها بالمرصاد، بهذا التعبير اختارت أم مغربية ترجمة حال الآباء مع الدروس الخصوصية التي أصبحت موضة العصر، فماذا يعني أن يكون ثمن كل مادة شهريا 580 درهما بمعدل ساعتين في الأسبوع، أليس هذا استنزاف حقيقي لجيوب الآباء؟ تتساءل هذه الأم عن جدوى هذه الدروس الخصوصية في بعض الحالات التي يصبح فيها التلميذ فقط مقبلا على الدروس الخصوصية من أجل المباهاة أمام أقرانه. والطامة الكبرى تقول هذه الأم في شهادتها ل ''التجديد'' أن التهييئ لامتحانات ولوج بعض المعاهد أصبح أيضا يتطلب دروسا خصوصية تبلغ تكلفتها 1800 درهم، بالنسبة لتلاميذ الباكلوريا، وقد ينجح دافعها وقد لا ينجح. والمشكلة، تقول المتحدثة نفسها، هو أن الأسر أصبحت مستسلمة لضرورة الدروس الخصوصية، حتى الفقيرة منها لا لشيء إلا لأن الغالبية العظمى تقبل على هذه الدروس، دون الانتباه إلى اختلاف قدرات الاستيعاب مما يجعل البعض فعلا في حاجة إلى الدروس الخصوصية والبعض الآخر في غنى عنها. لم تخف السيدة (س. خ) أم لبنتين تدرسان بالسلك الإعدادي والثانوي أن للدروس الخصوصية آثار نفسية على الأبناء والآباء على حد سواء، فالأبناء أصبحوا اتكاليين على الغير خارج الفصل الدراسي، وأصبحوا يوهمون أنفسهم أنهم بدون الدروس الخصوصية سيسقطون في الامتحانات، والمشكل تقول (س. خ) هو أن الأساتذة أيضا يرسخون هذه الفكرة وخاصة منهم الذين يقدمون الدروس الخصوصية، والذين أصبح الكثير منهم يتلكأ في شرح الدرس بغية اصطياد عدد أكبر من المستفيدين من دروسه الخصوصية حتى يزيد في راتبه الشهري عبر هذه الدروس. والطامة الكبرى، تقول، (س. خ) هي أن الفكرة التي تسربت إلى عقول الأبناء وجدت لها مكانا أيضا في عقول الآباء لدرجة أن أغلب الوالدين يعتقدون أنهم إذا حرموا ابناءهم من الدروس الخصوصية فكأنهم حكموا على عامهم الدراسي بالفشل، وهذا ينبغي تصحيحه لأن من يحزم في توجيه ومساعدة ابنه تربويا لن يجد صعوبة في التخلص من كابوس الدروس الخصوصية، وحتى إن اضطر فلمادة واحدة أو اثنتين على الأكثر يجد فيهما الابن صعوبة فعلا، وليس الاستسلام وصرف أموال باهضة من أجل الحصول على تلك الدروس التي تثقل كاهل الآباء خاصة إذا كان الابن يدرس في سلك التعليم الخصوصي المكلف ماديا. ومن التأثيرات النفسية للدروس الخصوصية أيضا التقليد إذ نجد كثيرا من الأبناء، كما جاء على لسان السيدة (س. خ) يلجؤون إلى الدروس الخصوصية فقط من باب التقليد لأقرانهم ولو لم يكونوا في حاجة إلى دروس في مواد معينة، كما أن هذه الدروس تؤثر على التلاميذ بعدم الاعتماد على قدراتهم. وترى صالحة بولقجام مؤطرة في قضايا الأسرة أن: ''من المهام الأسرية الأساسية متابعة تمدرس الأبناء بشكل جيد وممنهج خلال مراحل تمدرسهم الأولى والمتوسطة حتى يكتسبوا المنهجية والنضج المطلوب الذي يمكنهم من التمدرس الذاتي الفعال. ويحتاج هذا الأمر إلى تعاون وتخطيط واهتمام أسري، لأن هذا ليس شأن الأم وحدها أو الأب وحده، ولا حتى الإلقاء بأمر في غاية الأهمية في حياة أبنائنا للمدارس الخصوصية لوحدها''. ما تقيش أولادي نجية أديب رئيسة جمعية ماتقيش أولادي قالت ل ''التجديد'' إن مشكل الاعتداءات الجنسية على الأطفال يتربع على عرش سلبيات الدروس الخصوصية، داعية كل أسرة تريد الإقدام على إفادة ابنها من الدروس الخصوصية أن تراقب المشرف على هذه العملية، مشيرة إلى أن الأمر لا يعني تعميم الاتهام على من يقومون بتقديم تلك الدروس وإنما تنطلق من عدة حالات وردت على الجمعية منها من وصل إلى القضاء بسبب اعتداء أستاذ الدروس الخصوصية على الفتيات. وأعطت نجية أديب مثالا بفتاة من الرباط أصبحت تمتنع عن الذهاب إلى الدروس الخصوصية، وحين استفسرتها والدتها اكتشفت أن الفتاة تتعرض لاعتداء جنسي من الأستاذ المشرف على الدروس الخصوصية، ما جعل الوالدة تلجأ إلى القضاء. مثال آخر من الرباط أيضا على لسان نجيبة أديب يتعلق بفتاة لا يتجاوز عمرها 10 سنوات كانت الأسرة تستقدم لها أستاذا إلى البيت من أجل الدروس الخصوصية فإذا به يتحرش بالفتاة الصغيرة لتكتشف أمها الأمر وهي تطل على الغرفة التي استقبلت فيها ''الأستاذ'' ليعطي الدروس الخصوصية لابنتها، فإذا به يعطي للأسرة درسا آخر في مراقبة الأبناء ولو مع الأستاذ الذي يفترض فيه أن يوفى بالتبجيل. أم أخرى تقول نجية أديب ل ''التجديد'' لجأت إلى جمعيتها تشتكي من أستاذ للرياضيات بالرباط استقدمته للبيت من أجل دعم ابنتها دراسيا فإذا به يصدمها نفسيا حين لجأ إلى التحرش بها عبر ملامسة أماكن حساسة من جسدها، إلا أن الأم رغم كسر صمتها باللجوء إلى جمعية ما تقيش أولادي، فهي ترفض اللجوء إلى القضاء مخافة الفضيحة. وخلصت نجية أديب إلى تنبيه الآباء والأمهات إلى ضرورة الاحتياط عند اللجوء إلى الدروس الخصوصية من وقوع الأبناء في مصيدة بعض المعول عليهم لدعم الأبناء دراسيا، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الأمر لا يعني التعميم إذ هناك أساتذة يؤدون دورهم التربوي دون المساس بأعراض الآخرين. رأي المختص تقول صالحة بولقجام مؤطرة في العلاقات الأسرية ''في ما يخص الساعات الإضافية، فأنا شخصيا لست ضدها مائة بالمائة ولست معها مائة بالمائة، فقد تكون ضرورية في حالة انشغال قاهر للوالدين أو عدم تخصصهما في مادة معينة يكون فيها الابن ضعيفا، أو لضعف مستواهما العلمي، فأن يستفيد الابن من دروس خصوصية في مواد علمية أو لغات أو تخصصات جديدة مراجعها قليلة فهذا أمر مطلوب، أما أن تصبح الدروس الخصوصية في كل المواد فهذا أمر مرفوض وغير صحي تعليميا وبيداغوجيا ويحول دون إعطاء الابن فرصة للتعليم الذاتي وللبحث وإعمال العقل وبذل الجهد وبالتالي الإبداع والتألق، كما أن تحول الدروس الخصوصية إلى مورد للاسترزاق غير المشروع وللجشع يرهق جيوب الآباء، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية للمجتمع''. وتضيف بولقجام: ''ولا يفوتني في الأخير أن أذكر بأن عملية تمدرس الأبناء تحتاج إلى منهجية تقتضي على الأب والأم التعرف على كيفية المراجعة مع الأبناء، إذ أن إنجاز التمارين لهم يعتبر خطأ تربويا وتعليميا، وأقول للآباء: ''دعوا أبناءكم يبذلون مجهودا ويحاولون إنجاز تمارينهم بأنفسهم حتى إذا عجزوا، آنذاك يمكن تقديم المساعدة لهم وشرح المنهجية ودعوهم يكملون لوحدهم مع مراقبتهم في نهاية الإنجاز دون الجلوس معهم طيلة فترة عملهم. ولابد كذلك من التواصل بين الأسرة والمدرسة لمتابعة الوضع التربوي والتعليمي والأخلاقي للأبناء''. إذا استطاعت (س.ر) وقليلون من أمثالها الاكتفاء الذاتي لتتبع تمدرس الأبناء فإن الأغلبية الساحقة للأسر تجد نفسها لسبب من الأسباب ضمن المستفيدين من خدمات الراغبين في إعطاء الدروس الخصوصية بمقابل، وقد يكونون أساتذة يرغبون في تضخيم مدخولهم الشهري أو معطلون لم يجدوا وظيفة يكفلها لهم القانون بالشهادة التي حصلوا عليها، وقد يتراوح ثمن الحصة في مادة معينة خلال الأسبوع بين 100 و 150 درهما. وترى (ف. ن) مجازة في الرياضيات معطلة أن الدروس الخصوصية انتشلتها وصديقتها من البطالة إذ تقدم في مؤسسة للدعم البيداغوجي دروسا للتلاميذ مقابل مكافأة شهرية قد تتجاوز 3000 درهم، وهذا في نظرها يمثل حلا ولو ترقيعيا لمشكلة البطالة، وإن كانت لا تخفي تساؤلها عن حال الآباء الذين يقدمون أموالا تنهك جيوبهم من أجل الرفع من مستوى ابنهم في إحدى المواد أو أكثر. نور الدين ورضوان وتوفيق ثلاثة شباب يحملون شهادات جامعية، وناضلوا من أجل الحصول على وظيفة بدون جدوى، لجؤوا إلى باب إعطاء الدروس الخصوصية فوجدوه مترعا، حتى أن الحديث في اتصال الهاتفي مع أحدهم من ''التجديد'' لم يكتمل بسبب توافد كثرة الزبناء بسلا حيث يوجد مقر يقدمون فيه الدروس الخصوصية في مختلف المواد. اختار الشبان الثلاثة التعريف بخدماتهم عبر موقع إلكتروني يحمل الحروف الأولى لأسمائهم الثلاثة، ويبين أرقام هواتفهم مما يسهل اتصال الزباناء بهم. وبرر أحد هؤلاء الشبان في حديثه ل ''التجديد'' إقدامهم على إعطاء الدروس الخصوصية بفشلهم في الحصول على وظيفة بعد حصولهم على شهادات جامعية تخول لهم الابتعاد عن صفوف البطالة. الدروس الخصوصية أيضا باب لإعالة أسر كما يدل على ذلك تعاطي كثير من الشبان حديثي العهد بالزواج، منهم الشاب (ل. س) الذي أعيته السبل للحصول على وظيفة وهو خريج كلية العلوم، ولم يجد من باب أمامه سوى الأإقدام على إعطاء دروس خصوصية ليأخذ مقابل ذلك ما يعيل به أسرته.