تعاني جل المؤسسات التعليمية ببلادنا من عدة معيقات وإكراهات؛ من شأنها أن تعثّر سير وجودة ومردودية عمليات التربية والتلقين والتدريس معا، وبالتالي تكون لها انعكاسات وخيمة على المحصلة الاستيعابية للتلاميذ . فمن جملة هذه المشاكل، نسجل من جهة: ضعف طاقاتها الاستيعابية، وما لازمه من اكتظاظ بالأقسام الدراسية، وبالتالي تجميع عدة مستويات تعليمية مختلفة في قسم واحد. ومن جهة ثانية نسجل نقصا في الأطر التعليمية داخل المؤسسات التعليمية، وبكل المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية، مما يتسبب في تجميع عدد كبير من التلاميذ في قسم واحد. فعلى صعيد طنجة مثلا، ورغم عدد الأفواج الجديدة المتخرجة من المؤسسات التربوية للتكوين، إلا أننا نلاحظ أن جل المؤسسات التعليمية لازالت تشهد خصاصا في الأساتذة وفي كل المستويات، وكحلول ترقيعية لهذا الوضع، يتم" جلب مؤقت لبعض الأساتذة" أو" التحاق متأخر" لآخرين، مما قد يربك سير العملية التربوية، ويسبب أحيانا اندلاع وقفات الاحتجاج التي يقوم بها التلاميذ المتضررون أمام أبواب النيابات الإقليمية، كما حدث بإقليم طنجة خلال الموسم الدراسي المنصرم 2007-2008 . ومن هنا نتساءل: لماذا لا تقوم الوزارة بعملية التوظيف المباشر لخريجي الجامعات، كما فعلت منذ سنتين، وحلت بذلك مشاكل عديدة، منها طلبات الالتحاق بالأزواج والزوجات، ومن جهة أخرى سدت الفراغ، ووفرت مناصب شغل قارة لحاملي الشهادات العليا؟. صحيح أن وزارة التربية والتكوين، انخرطت في حملة تواصلية رائدة تحت شعار" الأسرة والمدرسة معا من أجل بناء الجودة"، شارك فيها مثقفون وفنانون ورياضيون، وقد سخرت من أجلها وسائل الإعلام السمعية- البصرية، وكذلك اللوحات الإشهارية المنتصبة ببعض المدن الكبرى، إلا أن شروط إنضاج هذه الحملة، لازالت غير ميسرة مادامت محاصرة بعدة إكراهات، كالفقر وغياب الإمكانيات، والبعد عن المدارس، وعدم توفر هذه الأخيرة على المرافق الضرورية من مرافق صحية، ودور الطلبة والطالبات، أضف إلى ذلك مشكل النقل، ونقص الأطر التعليمية. فالمبادرات التي تطلقها الدولة قصد تشجيع التمدرس مثلا، ورغم أهميتها، إلا أنها تظل أحيانا بعيدة عن تعميمها على كافة الطبقات المحتاجة، كما حصل أثناء تطبيق التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى توزيع مليون حقيبة، المزمع توزيعها على التلاميذ والتلميذات الأكثر احتياجا، بيد أن الجهات المشرفة على هذه العملية، ركزت على المناطق التي شملتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحرمت منها المناطق التي لم تصنف داخل هذه الخانة، علما بأن الفقر بالمغرب منتشر في كل المناطق، وغير منحصر في جهات دون أخرى. ففي إقليم طذجة مثلا، استفادت بعض المدارس" المحظوظة" من هذه العملية، وشملت حملة توزيع الحقائب المدرسية، أبناء الضعفاء والميسورين على حد سواء ، بينما مدارس أخرى حرم تلاميذتها من الاستفادة رغم عوزهم . لقد خص الميثاق الوطني للتربية والتكوين جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ باهتمام بالغ، وأفرد لها مكانة متميزة، بحيث اعتبرها محاورا وشريكا أساسيا في تدبير شؤون المؤسسة، وجعلها فضاء جذابا للعملية التربوية، ومجالا لتكريس روح المواطنة، ومبادئ التضامن والتآزر، والأخلاق الفاضلة، لكن إذا ابتعدنا عن تقارير المؤسسات التعليمية والنيابات والأكاديميات، وإذا ما احتككنا بواقع هذه الجمعيات، وجدنا العديد من مكاتبها غير قانوني. هذا بالنسبة للمؤسسات العمومية، أما بالنسبة للمؤسسات الخاصة، فترفض رفضا تاما تكوين هذه الجمعيات داخل مؤسساتها لكي لا يكشف المستور لديها. ورغم انطلاق الحملة الأخيرة للسنة المنصرمة تحت شعار" المدرسة والسلوك المدني"، فإن رسالة جلالة الملك في الموضوع، أكدت أن المدرسة مطالبة بالحرص على إجراء قطيعة مع مختلف الممارسات اللامدنية، ومع كل مظاهر التعصب والتطرف والانغلاق. هذا التوجه الجديد، يسلتزم تحقيقه دعم التربية على حقوق الإنسان، وكذا تدعيم الإحساس بالمواطنة والانتماء، وذلك من خلال غرس السلوك المدني، وقيم المواطنة، ومحاربة العنف والتطرف؛ لذلك علينا جميعا أفرادا، وجماعات، أطرا، وجمعيات المجتمع المدني أن نتعبأ أكثر لتأهيل فضاءاتنا المدرسية، والتغطية الشاملة لجميع المؤسسات التعليمية بتكنولوجيا المعلوميات، وفتح آفاق جديدة للتوجيه، كاستغلال فضاءات المدرسة للتربية على هذه القيم عبر تفعيل دور الأندية المدرسية، ودعم الأنشطة الموازية، وتمكين المكتبات المدرسية من أن تلعب الدور المنوط بها في هذا الإطار. فعلى صعيد نيابة طنجة مثلا، نجد بعض الجيوب المقاومة لكل هذه الإصلاحات والتطلعات، والتي تحاول تعطيل كل ما من شانه أن يطور العملية التعليمية – التعلمية، وذلك من خلال إجهاضها للكثير من المبادرات الفردية أو الجماعية، وكمثال على ذلك، المشروع التربوي الذي تقدمت به جمعية آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ بمدرسة طارق بن زياد الابتدائية بطنجة، مدعومة من بعض الضمائر الحية بالمدينة، من أطر ومثقفين، والتي ساهمت ماديا ومعنويا في دعم واحتضان هذا المشروع المتمثل في تحويل مكتبة مدرسة طارق بن زياد الابتدائية بطنجة إلى فضاء للإعلام التربوي والتربية الموازية. هذا المشروع حظي باستحسان وتشجيع اللجنة المكلفة بدراسة المشاريع التربوية على صعيد نيابة طنجة، حيث ضم نادي الإذاعة المدرسية، ونادي سينما الطفل ، ونادي الفنون الجميلة من موسيقى ورسم. غير أن هذا المشروع الذي يتماشى في أهدافه مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وترسيخ السلوك المدني، ويراعي في أجرأته توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما ورد في المذكرات الوزارية التي تنص على تحقيق الجودة داخل فضاءاتنا التربوية، أصبح مهددا بسبب بعض الاقتراحات القصيرة النظر التي تطالب بإغلاق المكتبات المدرسية لأسباب غير معروفة. فعن أي سلوك مدني نتحدث أمام هذه العقليات التي تسير الشأن التربوي ببلادنا، وهي لازالت مقاومة لأي إصلاح أو تجديد، بل، وأكثر من ذلك، تتشذق بكل ما ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وفي المذكرات الوزارية وهي بعيدة كل البعد عن تطبيقها؟.