في بادرة أولى من نوعها نقابة أطباء القطاع الحر في عملية طبية واجتماعية " جيت هنا حيث ضربت واحد للرأس وحكمو علي ب3 أشهر وباقي لي 25 يوم باش نخرج" يقول حسام ذو ال12 ربيعا القادم من مدينة بركان، ويتابع دراسته بالقسم الرابع من أسرة قروية معيلها أب فلاح. أما توفيق البالغ من العمر 17 سنة من مدينة جرادة، وفي حالة العود، فيعترف بكل تلقائية " جيت لهنا على الشيرة... نبيعها ونكميها ونشرب حتى الشراب... كنت نبيعها باش ندخل لفلوس وما غاديش نبقى نبيعها... والدي ما في حالهومش ما عنديش الوالد... غادي نكعد هنا راحنا بخير هنا الحمد لله..." حسام ، توفيق، محمد، سعيد ، كريم ، خالد وغيرهم من الأحداث النزلاء ال35؛ القادمين من مختلف مناطق الجهة الشرقية الذين استقبلهم مركز حماية الطفولة بوجدة بسبب جريمة ما، اقترفوها في ظروف معينة، فاقت ولا شك طاقاتهم العقلية والفكرية، وفي حاجة إلى دعم نفسي وصحي ... عديدة هي الأسباب التي تجعل هؤلاء الأحداث يزورون مركز حماية الطفولة لبعض الشهور حسب حكم قاضي الأحداث الذي يبني قراره على خطورة الفعل الإجرامي المقترف وسلوك الحدث المنحرف. وغالبا ما يقترف هؤلاء الأحداث جرائم خطيرة، ويحالون على تلك المؤسسات من أجل القتل الخطأ، والسرقة الموصوفة، وتكوين عصابة إجرامية، والضرب والجرح بالسلاح الأبيض، وحيازة والاتجار في المخدرات واستهلاكها، والسكر العلني..." جابوني لهاذ المركز على السرقة... سرقت واحد المنزل مع 2 انتاع الدراري...هادي المرة الزاوجة سرقت قبل واحد المنزل وما نعاودش نسرق... تبعت الدراري اللي ماشي مزيانين" يقول محمد البالغ من العمر 17 سنة القادم من أحفير مستوى الثالث إعدادي ابن موظف." جابوني لهاذ المؤسسة على الضرب والجرح... ضاربت مع واحد على سوء تفاهم ... ما نديرش القرقوبي... ما زال ماحكموش علي" يصرح سعيد يتيم الأب والبالغ من العمر 16 سنة من مدينة وجدة. لقد كانت صبيحة يوم الأحد فاتح يونيو الجاري استثنائية بالنسبة لهؤلاء الأطفال البالغ عددهم 35، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و18 سنة، حيث حلت مجموعة من الأطباء من نقابة أطباء القطاع الحر على المركز؛ في زيارتهم الأولى من نوعها، وهي مبادرة جديرة بالتنويه والتكرار لنفس المركز ولمراكز المحرومين والأطفال والأشخاص في وضعية صعبة." في إطار الأنشطة التي يقوم بها مركز حماية الطفولة بوجدة لصالح نزلاء المؤسسة، تم تنظيم النشاط بتنسيق مع النقابة لأطباء لقطاع الحر، والذي يعتبر نشاطا تحسيسيا؛ بحيث تمت دعوة مجموعة من الأطباء ذوي الاختصاصات المختلفة، والهدف من العملية هو القيام بفحوصات طبية لفائدة هذه الشريحة من المجتمع، والبالغ عددهم 35 نزيلا من الأحداث، تتراوح أعمارهم ما بين 12 و18 سنة." يصرح علي بعيدوس مدير مركز حماية الطفولة بوجدة، والذي كان قبل ذلك مربيا مختصا، ثم مقتصدا بنفس المركز منذ 1991. وأكد على أن هؤلاء النزلاء في حاجة إلى هذه الفحوصات الطبية، في حاجة إلى توعية صحية، في حاجة إلى علاج، في حاجة إلى دروس تحسيسية خاصة في جانب المخدرات والاهتمام بصحتهم وبنفسيتهم. ومن جهة أخرى، توصل المركز بعدد من الأدوية لتطعيم صيدلية المؤسسة وكذا عدد من الألبسة ومواد التنظيف. " هذه المبادرة قام بها عدد من الأطباء الاختصاصيين في أمراض المعدة، وأمراض العيون، والأمراض النفسية، وأمراض الحنجرة والأنف والأذن، والقلب، وطب الأطفال، وأمراض السكري، والغدد، والجراحة، كما استعنا بأطباء الأسنان الذين قاموا بالتوعية. هناك عمل طبي واجتماعي بحيث قمنا بهبة كمية من الأدوية للمركز، وهناك عدد من الألبسة والحاجيات الخاصة بالنظافة والصيانة بمساهمة العديد من المحسنين." يقول الدكتور خالد بوعياد رئيس نقابة أطباء القطاع الحر بوجدة ونواحيها في تصريح له. تعاني المؤسسة من بعض المشاكل حيث إن الاعتمادات المرصودة من طرف الوزارة ضئيلة وغير كافية، وينتظر من الوزارة إعطاء العناية اللازمة والدعم المادي اللازم لهذه المؤسسة، ومن المجتمع المدني الالتفاتة أكثر للاهتمام بهذه الشريحة الخاصة التي يجب إصلاحها وإلا يبقى المجتمع في خطر سلوكاتها؛ لا سيما أن ظاهرة الجريمة انتشرت بشكل كبير في المجتمع المغربي وفي العالم ككل. أما بالنسبة للموارد البشرية، فيلاحظ نقص كبير، إذ أزَّمت المغادرة الطوعية من وضعية المركز أكثر؛ حيث استنزفت خيرة الأطر رغم أن المجتمع المدني يقوم بمساهمات لكنها مساهمات غير مستمرة. وللإشارة، كانت المؤسسة تتوفر على 28 موظفا، وهي تتوفر الآن على 14 فقط كل حسب تخصصه ، ويسجل غياب إطار متخصص في معمل الترصيص؛ مع العلم أن الإطار المكلف بمعمل الحدادة سيغادر المركز قريبا. وقد قامت جمعية الرجاء بتجهيز بعض القاعات بأرائك وكراسي وأسِرَّة وأغطية ووسادات جديدة، كما قامت بإصلاح الأرض الفلاحية وإنجاز بئر للسقي، وتطمح للمزيد في ميادين أخرى مهمة للغاية." اشتغل أفراد الجمعية منذ 1997 بهذا المركز، كما أصبحت تهتم بجميع الأطفال والمراهقين في وضعية صعبة كأطفال الشوارع، والمتشردين، والمعنفين الأيتام، وضحايا الهدر المدرسي، والأطفال المنفصلين عن عائلاتهم، والمعرضين للضياع. وقد بدأنا نشتغل مع المربين المختصين الذين نعتبرهم الوسطاء الفعليين بين المدرسة والأسرة وصلة وصل؛ مما سيؤدي إلى تكوين حكامة لتفادي جميع المشاكل التي يمكن أن تنتج هذه السلوكات المنحرفة." تقول سعاد فارس رئيسة جمعية الرجاء. وتوضح رئيسة الجمعية أن هذه الأخيرة ستعمل على دمج بعض هؤلاء المربين المختصين المتخرجين بإجازة مهنية من الجامعة بتنسيق مع مركز الأبحاث والعلوم الإنسانية والاجتماعية بوجدة، في دفتر التحملات وتوظيفهم بإسناد الإشراف التربوي إليهم، وإيجاد أرضية للتواصل بين المدرسة والأسرة، بين أطفال في وضعية مدرسية أو نفسية صعبة وأسرهم وأولياهم في وضعية استقالة من مسؤولياتهم. وقد قامت الجمعية بتنظيم دورات تكوينية لفائدة هؤلاء المربين المختصين، تمحورت حول التحكم في الذات، وكيفية التعامل مع كل حالة، مع التذكير أن هناك برنامج يشتمل على 15 حصة تكوينية على امتداد السنة. ومن جهة أخرى، ومن بين المشاكل التي تعاني منها المؤسسة، هو انعدام طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية(un psychiatre) وطبيب مختص في التحليل النفسي (Un psychologue)،" يجب أن يكون تواجد الطبيب المختص بهذه المؤسسة بشكل رسمي، ليس لعلاج جميع الحالات ،ولكن على الأقل ليقوم بتصنيف الحالات حتى يتمكن توجيهها لذوي الاختصاصات الذين يجدون الملفات جاهزة وحتى يتمكنون من تتبعها." يقول الدكتور عبد المجيد كمي، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية، ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات، ثم يضيف موضحا" أنا أظن أن الجانب النفسي بحكم تخصصي مهم جداًّ، وحتى لا يحس هؤلاء الأطفال أنهم مهملون، بل يشعرون أن هناك أناس يهتمون بهم. ولما نتحدث مع أي طفل أو مراهق من هؤلاء النزلاء، نجد بداخله شيئا من الطيبوبة وقابلية للعلاج. إن المهم في هذه العملية هو الإنصات وكيفية تشفير معاناته وأسباب وجوده." ومن ناحية ثانية، فإن تواجد الأطباء يعتبر أساسيا لأن هناك بعض الحالات المرضية التي لا تظهر في الحالة الراهنة، ولكن بحكم الفحوصات التي يجريها هؤلاء الأطباء، يمكن أن يكتشفوا أعراضا لبعضها، ويقوموا بعلاجها قبل استفحالها أو إحالتها على العيادات المختصة والقيام بتحليلات طبية، وهذا يخص الأمراض العضوية كالأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي؛ بحكم أن العديد من هؤلاء الأحداث تعاطوا للتدخين والمخدرات بجميع أنواعها، والكحول والمذيبات ك" الديسولسيون" و" الديليون" وعاشوا حياة قاسية وصعبة في الشوارع والأزقة، وحتى في بيوتهم من شدة الفقر والتفكك الأسري." إنها عملية جد مهمة تقوم بها نقابة أطباء القطاع الحر في إطار العطاءات التي يقوم بها عدد من الجمعيات التربوية والثقافية والتعليمية عبر أنشطة في شتى المجالات، ويجب أن تكون هناك استمرارية ومتابعة، حتى يعي الحدث عند خروجه بأن هناك أنشطة أخرى غير الأنشطة الممنوعة" يضيف الدكتور عبد المجيد كمي. قام هؤلاء الأطباء بفحص 30 حالة ستتم دراستها، كما تم رصد بعض الأمراض الجلدية وأمراض نفسية، وكذا ظاهرة التدخين والمخدرات." وسنقوم بحملات تحسيسية توعوية، وسنعمل على محاولة إعادة إدماجهم في المجتمع، وعلينا أن ننظر إليهم كأشخاص عاديين لمساعدتهم بحيث لهم نفس الحقوق الإنسانية كالتطبيب والتكوين والتوعية." يضيف رئيس نقابة أطباء القطاع الحر بوجدة ونواحيها. وأشار إلى التزام أطباء النقابة بعلاج جميع الحالات، منها التي تعالج في عين المكان، وهناك أخرى يمكن أن تتابع في العيادات الطبية للاستعانة بآلات وأجهزة، والقيام كذلك بتحليلات وحتى العمليات الجراحية إذا تطلب الأمر ذلك، وكل بذلك بشكل مجاني. كما تم الاتفاق مع مدير المركز على أساس أن الأطباء سيتكلفون بجميع الحالات الجديدة طيلة السنة ومتابعتهم من الناحية الصحية. وسنواصل عملنا هذا بحيث سنقوم بنفس النشاط في مؤسسات أخرى كمركز الطفولة ودار العجزة ومركز الأيتام وغيرهم مما يتطلب عناية خاصة..." تأسس المركز سنة 1974 من أجل استقبال الأحداث المحرفين، وهدفه التربوي الأساسي هو حماية هؤلاء الأحداث من الانحراف، وإعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية؛ بعد تسليحهم بتكوين مهني، يؤهلهم إلى الانخراط في الواقع المهنية، والاستقلال بأنفسهم، وعدم العود إلى بؤر الانحراف، ومنهم من ينجح في ولوج التعليم العمومي. ويتوفر مركز حماية الطفولة بمدينة وجدة على عدة معامل لتعلم الحرف، منها الحدادة، وكهرباء البناء، والفلاحة، والترصيص، وعمل الاستئناس. وتنتهي فترة التكوين بامتحان يتم بموجبه الحصول على شهادة مهنية تخول له الحصول على عمل، والاستفادة من القروض الصغرى، وفتح مشغل. وبالموازاة مع ذلك، يرافق الحدث مرشده إلى ورشات خارج المؤسسة، تمكنه من تطبيق ما تعلمه حتى يتم تسهيل اندماجه في المجتمع، ومنحه استقلالية تامة. هناك أحداث يمارسون مهن الحدادة وكهرباء البناء، إضافة إلى قسمين لمحو الأمية والتربية غير النظامية، والمشروع الفلاحي الذي تم إنجازه بتنسيق مع فعاليات من المحسنين، وعلى رئيس المجلس العلمي، ويستفيد منه أبناء العالم القروي الذين يفدون على المؤسسة."ونطمح كذلك إلى التجديد في المعامل كما هو الشأن بالنسبة لباقي مؤسسات حماية الطفولة، ورغم أن هذه المهن هي جيدة، لكن علينا أن نساير العصر، لذا نلتمس من الوزارة ومؤسسة محمد السادس إعادة إدماج السجناء مع المكتب الوطني للتكوين المهني؛ لتجديد هذه المعامل وتعزيزها بأطر مختصة من أجل تكوين هذه الشريحة من المجتمع، وإعادة إدماج الحدث في النسيج المجتمعي." يقول مدير المركز.