يبحث عن براءته، ويطالب بإعادة محاكمته بعد أن قضى 17 عاما في السجن بتهمة جريمة واهية بوجدة وجدة، الثلاثاء 25 مارس 08 " أنا الموقع أسفله، السيد عبدالقادر يوسفي، المغربي، الساكن بحي ولد الشريف، زنقة 9، رقم 18 وجدة، الحامل لبطاقة التعريف الوطنية رقم: F28951، أصرح بمقتضى هذا الكتاب، وأشهد على نفسي، وأنا على الحالة الجائزة شرعا وقانونا، أنني سمعت، وبحضور من ثلاثة أشخاص؛ الآتية أسماؤهم: الصالحي محمد- طلحة محمد- عيسى، من السيد السهبي محمد، أخي الضحية السهبي أحمد( يعني به الهالك في عملية الانتحار بصعقة كهربائية الذي ستتحول إلى تهمة جريمة قتل) الذي ذهب ضحيته، وباتهام باطل، وبشهادات زور، وقضى 20 سنة في السجن ظلما، السيد بنجوادة، المغربي، الحامل لبطاقة التعريف الوطنية: F727878، بريء براءة تامة من التهمة التي وجهت إليه. هذا، وبه وجب الإشهاد والسلام. وحرر بوجدة، في: 12/3/2004، الإمضاء( مصادق عليه): عبدالقادر يوسفي". هذا مضمون إشهاد، أو شهادة مواطن، ذي ضمير حي، لم يستطع كتمان شهادة، وصرح بكل شجاعة، وبكل تلقائية، في قضية مواطن مظلوم، اقتصت من حياته 20 سنة من سنوات عز شبابه، ظلما، وجورا، وقهرا، جراء تهمة جريمة قتل واهية... وخرج بعدها الضحية يبكي براءته، ويطالب بإعادة محاكمته، ويأمل في معاقبة جلاديه... دخل السجن ظلما شابا، وخرج منه كهلا " ضاعت 17 سنة من شبابي وحياتي ظلما وعدوانا، وبدون موجب حق، بعدما ألصقت بي مجموعة من رجال الشرطة، جريمة قتل، لم أكن أعلم بها، ولم تكن لي علاقة بالهالك، ولم أحضر صباح يوم تم تحرير المحضر..." يصرخ محمد بنجوادة، الحامل للبطاقة الوطنية، رقم: F727878، القاطن بحي الخلوفي، بالزنقة رقم 7، والمنزل رقم 35 بوجدة، ثم يضيف الكهل البالغ من العمر 60 سنة، بكل حزن وأسى" لا أطلب شيئا ولا تعويضا، إلا إعادة محاكمتي، وإثبات براءتي، وإدانة هؤلاء الظالمين؛ الذين أعدموا شبابي، ومستقبلي، وشتتوا أسرتي، وضيعوا أبنائي، وحكموا علي بالتيه في شيخوختي؛ بعد أن نجحوا في إدانتي ظلما ب20 سنة حبسا نافذ( استفاد من عفو ملكي 3 سنوات) أفنت شبابي...". يتذكر الشيخ البالغ من العمر الآن ستين عاما، بمرارة، وغبن، كل ساعة مرت بسنة، وكل دقيقة طالت ساعة يوم تم استدعاؤه من طرف زمرة من رجال الأمن، يذكر عناصرها بأسمائهم، وحاصروه بأسئلة لم يكن يفهمها، ولا يستوعبها، وأخضعوه لاستنطاق لم يكن يعرف مغزاه، ولا هدفه... ولكن أدرك ساعتها أن سيناريوها جهنميا، تم حبكه من طرف هؤلاء، انتقاما منه، ومن وضعيته الاجتماعية آنذاك، ومن وسامته، ومن شبابه، ومن جرأته، ومن تحدِّيه لبعضهم، دفاعا عن كرامته وعزته؛ بعد أن كان يحمل البذلة العسكرية... تعود به الذكريات إلى أكثر من نصف قرن؛ ليسرد معاناته التي رسمها جلادوه بكل قسوة، وعجرفة، وسلطة... أقدم أحد الأشخاص سنة 1983 على الانتحار؛ بتعريض نفسه إلى صعقة كهربائية قوية، بعد صعوده إلى أعلى عمود كهربائي، والإمساك بأسلاكه الحاملة للتيار، بحي واد الناشف، بمدينة وجدة. وقد أدت الصعقة الكهربائية إلى تفحيم الجثة ورميها... مرت حوالي 15 يوما على الحادث، قبل أن يفاجأ الشاب الوسيم، البالغ من العمر آنذاك 35 سنة؛ باستدعاء من مصالح الشرطة القضائية بالكوميسارية المركزية للمدينة. تسلم الاستدعاء بعد عودته مساء من عمله؛ حيث كان يشرف على أشغال البناء بمنزل أحد جيرانه، ونظر إلى الاستدعاء باستغراب، وخفق قلبه، وارتجفت فرائصه، وكست جسده قشعريرة باردة برودة الثلج، وانتابه رعب وخوف، وهي الحالة التي كانت تنتاب جميع المواطنين القاصدين" الكوميسارية" لما كان يعانيه كل من سقط آنذاك بين فكيها؛ حيث كان يعتبر كل" داخل لتلك المؤسسة مفقودا، والخارج منها مولودا"... وسرعان ما بدأ يُهدئ من روعه متسائلا" لماذا القلق، ولماذا الخوف؟ لم أفعل شيئا، ولم أشتك من أحد، ولم أستلف درهما من أحد، ولم أتخاصم مع أحد...".لم يكن يتذكر أن له أعداء في ذلك الوقت، بل بالعكس، كان شخصا مهادنا، ويتجنب المشاكل والخصومات، وكان" حدو حد راسو"... انتحار يتحول إلى جريمة قتل واهية كان محمد شابا وسيما، قوي البنية، صحيح الجسم، جميل المبسم، ومبهر الشابات، ولج سلك الجندية مبكرا، حيث اشتغل كمدرب رياضي لمدة خمس سنوات، من سنة 1966 إلى سنة 1971، قبل أن ينسحب منها، ويرحل إلى فرنسا ليشتغل لمدة سنة ونصف، ويعود إلى المغرب، ليتعاطى لمهنة الصباغة، ويجني مالا كثيرا." كنت لاباس علي... الخدمة على الجهد... الصحة مزيان ... لفلوس بزاف، وما كان يخصني والو... كنت نلبس مزيان، وناكل مزيان، وننشط مزيان...". استطاع محمد أن يشيد بيتا، ويؤسس أسرة، ويمنحه الله طفلين، كان البكر يبلغ من العمر سنتين، وشقيقه الأصغر في شهره الثالث، لكن كان كباقي أقرانه، يرتاد بعض الحانات، و" ينشط مرَّة مرَّة". وحدث ذات مرة أن دخل في صراع مع أحد رجال الشرطة؛ الذي لم يستسغ تحديه، ولم يقدر على مواجهته لقوته البدنية، ولانتمائه إلى القوات المسلحة الملكية، فكتم غيضه الذي ولَّد حقده أجَّل انفجاره إلى حين... استجاب محمد بنجوادة للاستدعاء، وحضر لدى الشرطة القضائية، ووجد نفسه وجها لوجه مع رئيسها آنذاك، ومساعديه... " جاء ولد الحرام بين يدينا...غادي يخلص الفايتة والبايتة...". فرك الرئيس يديه، واخترقت نظرات مساعديه جسد بنجوادة، وفهم أن الأمر خطير، وما سيلحق به أخطر..." القندوسي هو اللي كتب المحضر ... يمكن دَّا التقاعد... راه هنايا... هو اللي تكرفس علي بزاف...". حرر رئيس الشرطة القضائية محضرا، يوم الأربعاء، في غياب المتهم الذي كان في عمل بورشة جاره. ولم يكن يعلم الشاب الوسيم محمد بنجوادة قصة الشخص المنتحر، ولا أسباب انتحاره، ولا الطريقة التي مات بها، اللهم الصورة التي قدمها له رئيس الشرطة القضائية آنذاك، بعد أن سألوا الزوجة التي كانت تحمل بين ذراعيها رضيعها، في شهره الثالث، تاركة البكر في سنته الثانية بالبيت، سألوها إذا كان زوجها يتعاطى لشرب الخمر، فأجابت أنه كان فعلا يتعاطى لذلك، لكن انقطع قبل ثمانية أشهر، فطردوها، مطالبينها بالعودة إلى البيت." أدخلوني إلى أحد المكاتب، وأغلقوا الباب، وذكروني ببعض الخصامات السابقة بيننا، وبين بعض رجال الشرطة، حين كنت في سلك الجندية..." يحكي بنجوادة تفاصيل استنطاقه. وبعد ذلك، قدموا له بعض الصور للجثة المتفحمة للشخص المنتحر بصعقة كهربائية من الضغط المرتفع، حيث أصابه الفزع والهلع من منظر التشوهات التي لحقت بالجثة." قال لي أحدهم الذي مات منذ 4 أشهر، شوف بهاذا باش غادي نكفنوك ونصفتوك...". ورغم تدخل أحد المعارف" صالح الزكارة" لدى الرئيس، ملتمسا منه إطلاق سراحه، إلا أنه أجابه بقوله" إلى اطلقت هذا فيمن غادي نشد؟"... كان السيناريو جاهزا، إذ بمجرد جلوسه على الكرسي، أحاط به مستنطقوه، وانهالوا عليه بالأسئلة، قبل أن ينهالوا عليه بالضرب، والتعنيف، والكلام النابي، والجارح، والحاط من الكرامة؛ لمدة أسبوع" ضربوني، وكرفسوني، وعلقوني، وما خلاو ما دارو... البونية( اللكمات) والسقول( الصفعات)... والماكلة اللي يجيبوها لي الدار يكلوها هما ويخليولي غير لقبيحة... العذاب ما تقدرش تتصور... وقضاو علي وما عندي ما ندير".. .. وأفهموه أنه قاتل صاحب الجثة المفحمة المصورة. رفضوا شهادة جاره" قويدر حسناوي" العامل بأسبانيا؛ الذي كان يشتغل عنده، والذي كان آنذاك بصدد إنجاز الوثائق له؛ ليُمكِّنه هو كذلك من الالتحاق معه إلى إسبانيا، ومازال يحتفظ له بالملف، وبالصور إلى يومنا هذا، وهو الملف الذي يرمز إلى ساعة ظلم وجور، ورغم أن الشهادة أدلى بها للمحاميين اللذين تقدما للدفاع عنه، وإثبات براءته. فاقت جلسات المحكمة عدد ال24 جلسة، وكان كلما أُخبر بتاريخ الجلسة، إلا فقد الشهية لأيام؛ حتى يصيب جسمه الوهن، وتخور قواه، خوفا من سماع الحكم الذي كان يعلم جيدا أنه سيكون له صادما، وكلما وقف أمام رئيس المحكمة، إلا فقد الكلام، وعجز عن الحديث، وأصابه الصمم والبكم، ورفضت رجلاه حمل جسده النحيل، وسقط ليعاد إلى زنزانته، ولا يسترجع شهيته إلا بعد يومين، أو ثلاثة، وتؤجل بسبب ذلك الجلسة إلى تاريخ لاحق، وهكذا دواليك..." ويوم أراد رئيس المحكمة أن ينطق بالحكم، قلت له: يا سيدي... هذه روح أُزهقت، ولا يجب أن تصدر حكمك إلا بعد الإنصات إلى الشاهد، مشغلي، وجاري، وتسمع الحقيقة، كما يجب أن تعلم أن هذا المحضر، حرر يوم الأربعاء الذي كنت فيه أشتغل عند جاري، ولا أستريح إلا عشية يوم السبت". كان الكل يصرخ باستحضار الشهود الذين كانوا مهددين حتى لا يقدموا شهاداتهم..." كانت السيبة في الثمانينات... راه في الحبس نتاع القنيطرة شحال من واحد مات ما دايرش... أنا نحكي لك الواقع..." خروج من السجن بعد 17 وإصرار على البراءة أحيل بنجوادة على محكمة الاستئناف بوجدة، من أجل جريمة لم يرتكبها، وحوكم بتهمة جريمة قتل، وتشويه جثة، وإضرام النار، وبعد عدة جلسات، أصدرت المحكمة حكمها القاضي ب20 سنة سجنا نافذا، و16 مليون سنتيم كتعويض لفائدة أسرة الضحية؛ رغم اقتناع محامييه ببراءته، ورغم اعتراف قاضي التحقيق بزيف الادعاء، وواهية المحاضر، حيث قال" هاذي بلاد الباطل، أنا ما عندي ما ندير لك، هذا الشي جاي من الفوق...". لم يشفع له بكاؤه، ولا توسلاته، ومحاولاته في تقديم طلبه لمحكمة النقض والإبرام؛ الذي تم رفضه، وألقي في غياهب السجون بوجدةوالقنيطرة؛ لمدة 17 سنة، قاسى، وعانى، وتكبد، وضاع منه كل شيء... قضى محمد بنجوادة سنة ونصف السنة بسجن مدينة وجدة، عاش فيه ظروفا قاسية، حيث الاكتظاظ، والازدحام، والأوساخ، والأمراض، والاعتداءات، والسلوكات المشينة، لم يعهدها في حياته من قبل... قبل أن ينقل إلى سجن القنيطرة ليقضي باقي العقوبة، حيث استسلم للأمر الواقع، وظلم الظالمين من هؤلاء الذين أعدموا شبابه. تعرف هناك على العديد من الشخصيات التي ما زال يحتفظ في ذاكرته بأسمائها، وبوجوهها ومعاملاتها، ويتذكر الخدمات التي كان يقدمها لهم، والتي كانت تتمثل في صباغة غرفهم وزنازينهم، و يتذكر كذلك خدماتهم له؛ حيث كتبوا لهم رسائل إلى وزير العدل، يطالب فيها بإنصافه، ومراجعة محاكمته...ويحكي عن المعتقلين السياسيين، أنهم كانوا يأكلون الأشياء الجميلة، ويعيشون ظروفا بامتيازات، وحصلوا على عشرات الملايين من التعويضات، لكن هو بالذات، لم يستفد من أي شيء... يتذكر المعارض السرفاتي... والسريفي الصحافي بطنجة؛ الذي التقى به يوم وفاة رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وغيرهم ... "10 سنين من العذاب والخدمة في الصباغة ب10 دراهم في الشهر الواحد، ورغم أنني كتبت عدة مراسلات، وجهتها للمسؤولين، علَّهم ينظرون إلى قضيتي، قبل أن يصدر الحكم، وخلال سجني، وبعد خروجي من السجن؛ إلا أن لا أحد أراد أن ينصت إلي..." راسل وزير العدل، ورئيس جمعية حقوق الإنسان، ومسؤولين كبارا، وكانت آخر مراسلة له، هي تلك التي وجهها إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، توصل بردٍّ مُوقَّع من رئيسها المرحوم إدريس بنزكري، بتاريخ: 27 فبراير 2004، بعد أن تم تسجيل ملفه، تحت رقم: 15198. فقد محمد بنجوادة شبابه، وسنوات من حياته، كما فقد زوجته التي حصلت على التطليق، وفقد طفليه اللذين يبلغان الآن كليهما على التوالي: 27 سنة، و25 سنة، ولم يعودا يعرفانه، بل ضاع حتى مستقبلهما، وفقد قوته، وصحته، وغزا الشيب ناظريه ورأسه، وفقد علاقاته مع أصحابه وأصدقائه، وفقد صنعته التي هي مورد عيشه، وفقد عزته وكرامته وبراءته... وتحول في شيخوخته إلى أعزب، يعيش بغرفة بمنزله، وسط أشخاص من الشبان المياومين، العاملين بأوراش البناء... يعيش بجسد يملؤه الفراغ، ويؤلمه الغبن والظلم، ويقتله العجز في الوصول إلى براءته، واستردادها قبل موته، ومعاقبة أولائك الذين سلبوا منه أعزَّ ما كان يملك، ظلما وبهتانا..." والله.. والله.. والله، ما نسمحلهم لا في هاذ الدنيا ولا في دار الآخرة... والله ما نسمح حتى الواحد إللّي كتم الشهادة وشارك في الذبيحة انتاعي...ربي كبير ...ربي كبير...والله يمهل ولا يهمل..."