ذ. عبد الرحمان مكاوي/ خبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية / ... المعطيات التي في حوزة المغاربة تخيف المؤسسة العسكرية، وحان الأوان لتبليغها إلى المحكمة الجنائية الدولية نتأسف كثيرا لتحليل موضوع يدور حول معارك عسكرية بين جيشين مسلمين، اختلط دمهما في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، بناء على القاعدة الفقهية القاتل والمقتول في النار، لكن إرادة الهيمنة على شمال إفريقيا التي تغذيها وترعاها المؤسسة العسكرية الجزائرية، طبقا لأجندة داخلية وخارجية، وتماشيا مع اعتبارات سياسية، وإيديولوجية متخلفة ورجعية، ضد إرادة شعب استرد حقوقه في أراضيه، بناء على اتفاقية مدريد، وحكم محكمة العدل الدولية بلاهاي، إرادة لازالت لها أهداف أخرى تتمثل في نشر اللاإستقرار، والعنف، والخراب، في منطقة لها كل مقومات الوحدة والتقدم والحرية.
وحتى نبرز حقائق هذه المعارك العسكرية التي شهدتها قرية أمغالا الصحراوية في السبعينات، والتي شابها الكثير من اللغط والتشويه، فإن مغالا هي عبارة عن قرية صغيرة، تبعد عن مدينة العيون عاصمة إقليم الصحراء ب220 كلم، وعن ولاية تندوف الجزائرية ب60 كلم، فاسمها الأمازيغي يعني المحطة، حيث كانت تعتبر رباطا لقوافل الرحل الصحراويين، لوجود آبار للمياه العذبة، وكانت هذه النقطة الاستراتيجية نقطة اهتمام ومراقبة من طرف الجيش الاسباني، محطة عرفت بتواجد فرقة اللخيون( اللفيف الأجنبي Légions Etrangères). مباشرة بعد اتفاقية مدريد سنة 1975، التي بموجبها استلم الجيش المغربي القيادة والسيطرة على الساقية الحمراء، أرسل الرئيس هواري بومدين كتيبة من المخابرات الجزائرية إلى الإقليم لغرضين اثنين :
1 استقطاب، وإغراء، وجلب العناصر الصحراوية التي كانت تعمل في صفوف الجيش الإسباني، وخاصة العناصر المنتمية إلى قبائل الركيبات، والبيهات، وأولاد الدليم؛ قصد الانضمام إلى جبهة البوليساريو التي تقود مشروع الانفصال في الإقليم.
2 إخراج سكان الصحراء عن طريق التخويف والترغيب والترهيب، وقتل واختطاف كل عائلة صحراوية كانت تعارض النزوح إلى مخيمات لحمادة بتندوف، إضافة إلى نشر إشاعات، مفادها أن الجيش المغربي يدفن كل صحراوي أو صحراوية حيا في الكثبان الرملية، أو يرمى به في المحيط بواسطة الطائرات المروحية المغربية.
إن سياسة الرئيس هواري بومدين سياسة الأرض المحروقة اعتمدت على مخطط جهنمي، هو إخراج نسبة كبيرة من القبائل والتجمعات الصحراوية وبالقوة، واستعمالها كورقة ضغط ضد المغرب، وهذا ما تأكد بعد ذلك، ولقد انكشف هذا المشروع الذي طبقه العقيد قصدي مرباح للجيش الملكي المغربي، الذي سارع إلى تحرير أكبر نسبة من الأراضي الصحراوية، وحماية المواطنين العزل من غارات الجيش الجزائري، الذي كان مسلحا بدبابات صغيرة، وقذائف ر ب ج RBG المضادة للدبابات، وسام 7 المحمولة على الأكتاف والمضادة للطائرات، ولقد تسللت إلى الإقليم الكتيبة رقم 97، والفرق 112 من القوات الخاصة، وفرقة من القبعات السوداء. هذا التدخل المباشر الجزائريللإقليم، كان مدعوما من طرف ميليشيا البوليساريو التي كانت تلعب دور الدرع البشري للقوات الجزائرية، ودليلها على المسالك الوعرة، والمخابئ.. ففي 26 فبراير 1976، نصب الجيش المغربي فخا لفرقة من القوات الخاصة الجزائرية، ولازالت محاضر الصليب الأحمر الدولي تشهد على أن هذه الفرقة هي فرقة النخبة التابعة للواء القبعات السوداء، وليست مكونة من شباب الخدمة الوطنية، كما تروج له بعض الأقلام المأجورة وبعض الدكاكين الإعلامية المعروفة بولائها للمؤسسة العسكرية الجزائرية. حصيلة هذه المعركة الأولى، هو أسر 112 ضابط و ضابط صف وجندي، وهروب قائدها تائها في الصحراء، والذي عثر عليه فيما بعد ميتا بسبب العطش. لقد قام الجيش المغربي بمعاملة إخوانهم في الدين والدم والتاريخ معاملة إنسانية، لا زال يذكرها بعض الأسرى عند عودتهم إلى الجزائر، والتي كانت سببا في إقصائهم وإبعادهم عن الجيش الجزائري بدون تقاعد أو تعويضات، ولازال نضالهم مستمرا إلى الآن.
أما امغالا 2، فلقد أقسم الرئيس هواري بومدين أن ينتقم لهذه الهزيمة العسكرية الشنيعة التي دمرت جيش النخبة الجزائري، مستعملا الخداع والغدر، موظفا الوسيط التونسي الطاهر بلخوجة، وزير الداخلية السابق في عهد الرئيس بورقيبة، لينقل خطابا ملغوما وكاذبا من الرئيس التونسي إلى الملك الحسن الثاني، الذي كان يتأهب لإعطاء أوامره إلى الجيش الملكي المغربي للوصول إلى الحدود الدولية مع الجزائر، فوزير الداخلية الأسبق الطاهر بلخوجة المعروف بدهائه وفطنته الدبلوماسية، يتحمل المسؤولية التاريخية لما وقع في امغالا 2 في 28 فبراير 1976. مضمون الخطاب الكاذب هو أن الطاهر بلخوجة طلب بإلحاح من الملك الحسن الثاني وقف إطلاق النار بصفة كاملة، وأن هذا طلب شخصي صادر من الرئيس بورقيبة، والواقع التاريخي هو أن الرئيس بورقيبة لم يأمر قط وزيره في الداخلية الطاهر بلخوجة بأي طلب ملح من هذا النوع، بل كان الخطاب هو من ابتكار ودهاء المعني بالأمر الذي التقى قبل ذلك بيوم بالرئيس الجزائري الذي يعتبر صديقا حميما له( الطاهر بلخوجة هو رجل الجزائر في تونس في العهد البورقيبي).. فالملك الحسن الثاني حاول الاتصال بالرئيس بورقيبة ليتأكد من مضمون رسالة بلخوجة، فنتج عن هذه الكذبة التي ندم عنها صاحبها كثيرا، واعترف بها أمام الرأي العام العربي والدولي تداعيات خطيرة، لا زالت آثارها قائمة إلى الآن، فتوقيف العمليات العسكرية المغربية من جانب واحد بناء على هذه الرسالة الكاذبة مكن القوات الخاصة الجزائرية من الهجوم والإغارة في جنح الظلام على فرقة مغربية، وذبح وأسر العديد من أفراد ها، الذين كانوا يعتقدون أن الجيش الجزائري ملتزم بوقف إطلاق النار، وكل العمليات العسكرية التي كانت جارية في الصحراء. في هذا السياق، نذكر موقف الرئيس بورقيبة من قضية موريتانيا، حيث تحالف مع فرنسا ضد وحدة المغرب، وقام بمساندة الرئيس مختار ولد دادة، الرئيس الموريتاني الأسبق للدخول إلى الأممالمتحدة كعضو في المنظمة الأممية سنة 1960، والجامعة العربية سنة 1974، والحسن الثاني كان يعتقد أن الولاياتالمتحدةوفرنسا هما وراء طلب تونس إيقاف العمليات العسكرية فورا في الصحراء بين الجزائر والمغرب، فوقع بذلك في فخ الطاهر بلخوجة وصديقه هواري بومدين، مما سمح لآلة الغدر الجزائرية الانتقام من امغالا 1؛ لكن الجيش المغربي تمكن بسرعة فائقة من رد كل هجومات الفيالق الجزائرية المزدوجة المكونة من الانفصاليين والقوات الخاصة، حيث تمكن من تمشيط الصحراء بكاملها، وفي هذا الإطار، اكتشف الجيش المغربي أن مديرية الأمن العسكري الجزائرية في غاراتها المتكررة، كانت تخفي أسلحة متطورة في مخابىء سرية، وفي أنحاء متفرقة من الصحراء، لاستعمالها وتوجيهها ضد القوات المغربية في الوقت المناسب، ولغايات مختلفة( الإرهاب).
أما امغالا 3، فكل الدول الغربية تعلم جيدا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية، كانت ولا زالت راعية للإرهاب والتهريب في شمال إفريقيا، وتعرف كذلك أن الجدار الأمني الذي هو ابتكار عسكري مغربي( نظرية النخلة والطوفان) تمكن من إجهاض كل محاولات الجزائر، وجبهة البوليساريو من التسلل إلى الصحراء، وأمّن استقرار الإقليم طيلة 35 سنة. المغرب كشف للعالم وبدون عقد أن الأسلحة التي وجدت بامغالا تم تسريبها من طرف بعض المهربين، بالتواطئ مع بعض أفراد قوات الجيش المغربي المتمركز على الحائط الأمني، ولا أستبعد أن الأسلحة المدفونة أخرجت من مخابئها السرية. إن الاعترافات الأولية لعناصر خلية طارق بن زياد الإرهابية، كشفت خيوط اللعبة، وتواطؤ ميليشيا البوليساريو، وبعض القادة العسكريين في الجزائر، كما أن الصحافي الأمريكي الذي كان مقربا من البوليساريو، كريستوفر مانتير كشف في جريدة نيويورك تايمز، العلاقة العضوية بين قائد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي المدعو المختار بلمختار، مع إبراهيم غالي وزير دفاع البوليساريو سابقا، والسفير الحالي في الجزائر، ومحمد ولد البوهالي وزير الدفاع الحالي.. فالجزائر تحاول دائما إنكار هذه العلاقة المشبوهة، رغم التأكيدات الاستخباراتية الغربية المسربة من تندوف ومالي وموريتانيا. في هذا الإطار، يمكن تفسير قلق وغضب الأمريكيين من ازدواجية الخطاب الجزائري وغموضه، فالغرب له من الوسائل الكثيرة التي تكشف ولا زالت جوانب من التحالف المصلحي بين بعض الجنرالات في الجزائر، وبارونات التهريب، وتنظيم القاعدة، فلا يمكن للمغرب كدولة تحترم نفسها أن تتعامل مع هذه الظاهرة كما تعاملت بها الجمهوريات الموازية، فإذا كانت الجزائر والبوليساريو بريئتين من الإرهاب والتهريب، فلماذا لا تفتح أبواب المخيمات أمام تحقيق دولي مستقل؟ وإذا كانت البوليساريو بعيدة عن الإرهاب، لماذا تضغط الجزائر على مالي وموريتانيا بإطلاق سراح المجموعات الإرهابية ذات الأصول الصحراوية والمنطلقة من ولاية تندوف؟ إذا كانت الجزائر الدولة بريئة من الإرهاب، فكيف يفسر مقتل، وفقدان، ونفي، واغتصاب أكثر من 500 ألف مواطن ومواطنة؟ ولماذا لم تسمح لا للأمم المتحدةن ولا لدعوات المنظمات الحقوقية المستقلة، بإحصاء السكان الصحراويين، ومعرفة أنواع الأسلحة التي هي في حوزة البوليساريو؟ ولماذا تخفي وجود التيار السلفي الجهادي في المخيمات، كما اعترف به عمر الصحراوي؟
وخلاصة القول، نحن في المغرب لا نحبذ التصادم مع الإخوة في الجزائر، بل نسعى إلى استخدام هذه الجيوش، وهذه المليارات من الدولارات المخصصة للتسلح، قصد توظيفها لمحاربة الأمية، والفقر، والتهميش، وبناء فضاء مغاربي ديمقراطي يتعايش فيه الجميع. إن رفض الجزائر التنسيق مع المغرب في مجال مكافحة الإرهاب، هو بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة، فالمعطيات التي في حوزة المغاربة تخيف المؤسسة العسكرية، وحان الأوان لتبليغها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد اعذر من أنذر.