مضمون الخطاب الكاذب الذي حمله الطاهر بلخوجة هو أنه طلب بإلحاح من الملك الحسن الثاني وقف إطلاق النار بصفة كاملة، وأن هذا طلب شخصي صادر من الرئيس بورقيبة، والواقع التاريخي هو أن الرئيس بورقيبة لم يأمر قط وزيره في الداخلية الطاهر بلخوجة بأي طلب ملح من هذا النوع، بل كان الخطاب من ابتكار ودهاء المعني بالأمر الذي التقى قبل ذلك بيوم بالرئيس الجزائري الذي يعتبر صديقا حميما له (الطاهر بلخوجة هو رجل الجزائر في تونس في العهد البورقيبي). فالملك الحسن الثاني حاول الاتصال بالرئيس بورقيبة ليتأكد من مضمون رسالة بلخوجة، فنتجت عن هذه الكذبة، التي ندم عليها صاحبها كثيرا واعترف بها أمام الرأيين العامين العربي والدولي، تداعيات خطيرة لا زالت آثارها قائمة إلى الآن، فتوقيف العمليات العسكرية المغربية من جانب واحد، بناء على هذه الرسالة الكاذبة، مكن القوات الخاصة الجزائرية من الهجوم والإغارة في جنح الظلام على فرقة مغربية وذبح وأسر العديد من أفرادها الذين كانوا يعتقدون أن الجيش الجزائري ملتزم بوقف إطلاق النار وكل العمليات العسكرية التي كانت جارية في الصحراء. وفي هذا السياق، نذكر موقف الرئيس بورقيبة من قضية موريتانيا، حيث تحالف مع فرنسا ضد وحدة المغرب، وقام بمساندة الرئيس مختار ولد دادة، الرئيس الموريتاني الأسبق، للدخول إلى الأممالمتحدة كعضو في كل من المنظمة الأممية سنة 1960 والجامعة العربية سنة 1974. وقد كان الحسن الثاني يعتقد أن الولاياتالمتحدةوفرنسا هما من يقف وراء طلب تونس إيقاف العمليات العسكرية فورا في الصحراء بين الجزائر والمغرب، فوقع بذلك في فخ الطاهر بلخوجة وصديقه هواري بومدين، مما سمح لآلة الغدر الجزائرية بالانتقام لما حدث في أمغالا 1. لكن الجيش المغربي تمكن، بسرعة فائقة، من صد كل هجومات الفيالق الجزائرية المزدوجة المكونة من الانفصاليين والقوات الخاصة، حيث تمكن من تمشيط الصحراء بكاملها. وفي هذا الإطار، اكتشف الجيش المغربي أن مديرية الأمن العسكري الجزائرية، في غاراتها المتكررة، كانت تخفي أسلحة متطورة في مخابئ سرية وفي أنحاء متفرقة من الصحراء لاستعمالها وتوجيهها ضد القوات المغربية في الوقت المناسب ولغايات مختلفة (الإرهاب). أما بخصوص أمغالا 3، فكل الدول الغربية تعلم جيدا بأن المؤسسة العسكرية الجزائرية كانت ولازالت راعية للإرهاب والتهريب في شمال إفريقيا، وتعرف كذلك أن الجدار الأمني، الذي هو ابتكار عسكري مغربي (نظرية النخلة والطوفان)، تم التمكن بفضله من إجهاض كل محاولات الجزائر وجبهة البوليساريو التسلل إلى الصحراء وزعزعة وأمن استقرار الإقليم طيلة 35 سنة، فالمغرب كشف للعالم وبدون عقد أن الأسلحة التي وجدت بأمغالا تم تسريبها من طرف بعض المهربين بالتواطؤ مع بعض أفراد قوات الجيش المغربي المتمركز على الجدار الأمني. ولا أستبعد أن تكون الأسلحة المدفونة قد أخرجت من مخابئها السرية. إن الاعترافات الأولية لعناصر خلية طارق بن زياد الإرهابية كشفت خيوط اللعبة وتواطؤ ميليشيا البوليساريو وبعض القادة العسكريين في الجزائر، كما أن الصحافي الأمريكي كريستوفر مانتير، الذي كان مقربا من البوليساريو، كشف في جريدة «نيويورك تايمز» العلاقة العضوية بين قائد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، المدعو المختار بلمختار، وابراهيم غالي، وزير الدفاع لدى البوليساريو سابقا والسفير الحالي في الجزائر، ومحمد ولد البوهالي، وزير الدفاع الحالي، فالجزائر تحاول دائما إنكار هذه العلاقة المشبوهة رغم التأكيدات الاستخباراتية الغربية المسربة من تندوف ومالي وموريتانيا. وفي هذا الإطار، يمكن تفسير قلق وغضب الأمريكيين من ازدواجية الخطاب الجزائري وغموضه، فالغرب له من الوسائل ما استطاع بواسطته، ولا يزال، كشف جوانب من التحالف المصلحي بين بعض الجنرالات في الجزائر وبارونات التهريب وتنظيم القاعدة. فلا يمكن للمغرب، كدولة تحترم نفسها، أن تتعامل مع هذه الظاهرة كما تتعامل معها الجمهوريات الموزية وفقها، فإذا كانت الجزائر والبوليساريو بريئتين من الإرهاب والتهريب فلماذا لا تفتحان أبواب المخيمات أمام تحقيق دولي مستقل؟ وإذا كانت البوليساريو بعيدة عن الإرهاب فلماذا تضغط الجزائر على مالي وموريتانيا لإطلاق سراح المجموعات الإرهابية ذات الأصول الصحراوية والمنطلقة من ولاية تندوف؟ وإذا كانت الجزائر الدولة بريئة من الإرهاب، فكيف يفسر مقتل وفقدان ونفي واغتصاب أكثر من 500 ألف مواطن ومواطنة؟ ولماذا لم تسمح للأمم المتحدة ولا لدعوات المنظمات الحقوقية المستقلة إلى إحصاء السكان الصحراويين ومعرفة أنواع الأسلحة التي هي في حوزة البوليساريو؟ ولماذا تخفي وجود التيار السلفي الجهادي في المخيمات كما اعترف به عمر الصحراوي؟ وخلاصة القول أننا، في المغرب، لا نحبذ التصادم مع الإخوة في الجزائر بل نسعى إلى استخدام هذه الجيوش وهذه المليارات من الدولارات، التي تخصص للتسلح، لمحاربة الأمية والفقر والتهميش وبناء فضاء مغاربي ديمقراطي يتعايش فيه الجميع. إن رفض الجزائر التنسيق مع المغرب في مجال مكافحة الإرهاب هو بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة، فالمعطيات التي في حوزة المغاربة تخيف المؤسسة العسكرية الجزائرية، وقد حان الأوان لتبليغها إلى المحكمة الجنائية الدولية.