ترددت كثيرا ومنعت نفسي من الخوض في الكلام عن مقاهي الارصفة تجنبا لفحش القول، وأظن أنني إلى حد ما توصلت إلى أن أوازن بين وجهي الصورة التي نقلوها لنا حلما ونحن صغار وصدقناهم، لكن اليوم صدمنا في أرض الواقع المر الذي يسر قليلا ويفجع كثيرا. في الصغر، علمونا، وحتى اليوم يعلمون صغارنا في المدارس السير على الرصيف، وللأسف جل مدننا أصبحت بدون رصيف، لكون هذا الاخير أصبح محتلا ولم يعد يقدم خدمة المرور والمشي للمواطنين، بل أصبح في ملكية المقاهي ترص فوقه الطاولات والكراسي للرواد، وهذا ما حتم على الراجلين المشي جنبا إلى جنب بطريق السيارات، وقد استفحلت هذه الظاهرة في أيامنا بصورة بشعة، وإذا كان هذا همّ رجال مثلي، فكيف بالنساء اللواتي يضطرون لاجتياز الرصيف بين كراسي وطاولات رواد المقاهي، ونظراتهم الجارحة وكلامهم النابي، إن لم نقل التحرش في واضحة النهار أغلب هذه المقاهي مساحاتها لا تتعدى ربع مساحة الملك العمومي، وإذا قارننا ثمن شراء المقاهي بأثمنة خيالية، والرصيف يمنح لهم بطرق ملتوية، وبأثمنة لا تتعدى 1000 درهم سنويا.. إنها البشاعة بأم عينيها لكن المؤسف هو كون الزبناء يجلسون من الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا على الأرصفة، مقابل بيوت لا تبعد عنهم في غالب الأحيان سوى ب 10 أمتار، وما نلاحظه جميعا هو كون كل البيوت التي تقع أمام المقاهي تغلق نوافذها، تصبح شبه سجن، إن لم أقل سجنا، لكون رواد المقاهي لا يفارقونهم بنظراتهم طيلة اليوم، ناهيك عن المشاجرات التي تقع بين الفينة والاخرى، وفي بعض الأحيان لا يكتفي صاحب المقهى باحتلال الرصيف، بل يزيد الى وضع مزهريات كبيرة من الجانبين من مقهاه، يعني بينه وبين جيرانه، و يضع متاريس بواجهة المقهى تمنع من توقف السيارات. إنه الاستعمار الحقيقي بكل جبروته وكبريائه، وفي بعض المقاهي تنصب خيام بلاستيكية مع وضع أجهزة تلفاز كبير الحجم للجمهور الكروي.. والله إنها المهزلة بأم عينيها، ناهيك عن بعض المقاهي التي أصبحت أكثر من دور الدعارة: لقاءات، حشيش، قمار... مع وجود عصابات تدافع عن أصحاب المقاهي لكل من سولت له نفسه من الجيران إبداء رأيه، أو مجرد الكلام، أو استنكار ما يحدث. هذا، اذا لم يتعرض للضرب من طرف المسؤول عن المقهى، وهذا في حد ذاته يعتبر تحديا سافرا في حق المواطنين. ففي غياب الرقابة من طرف الجماعات التي تعتبر المسؤولة عن هذا القطاع الذي يعتبر ملكا عموميا، فالمعمول به والواضح هو أن المسؤولين لهم مآرب أخرى( الرشوة، المحسوبية، الاستغلال الشخصي)، فما يقوم به أصحاب المقاهي في غياب أصحاب الضمائر الحية يعتبر خرقا سافر للقانون...