يشكل البغاء أحد أشكال الانحراف إلى جانب أصناف أخرى منه، حيث يتطلع الكثيرون إلى كسب المال بأية وسيلة بغض النظر عن مشروعيتها أم لا. ويزكي التساهل الاجتماعي هذا الانحراف بشكل ضمني، بما أن وصول الفرد رجلا كان أم امرأة إلى المال، وتوفره على الثروة يكسبه مكانة لا ينازعه فيها أحد، فإذا كانت الدعارة قدرا على البعض اختارها كرها لا طوعا نتيجة للظروف الاجتماعية المزرية التي تمر منها المتعاطيات لمهنة وصفت بأقدم مهنة في تاريخ البشرية، فإن هناك نوع أخر من الشابات من اختارت طريق الجسد العاري، وهن الطالبات. وإيمانا منا بجريدة الرباط نيوز، في القطع مع الطابوهات المقدسة، كان من الضروري تناول هكذا موضوع بالبحث والتحليل، بغية معرفة أسبابه، والوسطاء المتحكمين بالجسد "المثقف"، فكان هذا التحقيق. في البدء نظرا لغياب بحث شامل عن بغاء الطالبات، يتناول الظاهرة ويحللها، ويقدم إحصائيات عنها، وعن خصائص اللائي يتعاطينها، والدوافع التي دفعتهن الى هكذا فعل، وينبه في الآن نفسه إلى مخاطر شيوعها، وضرورة البحث عن حلول للحد من مخاطرها. ونظرا كذلك لغياب أية مؤسسة رسمية للبحوث الاجتماعية، تعنى بدراسة ظاهرة البغاء بشكل عام وغيرها من الظواهر السلبية، التي انتجتها عوامل عدة ناتجة بالأساس من الاختيارات السياسية والاقتصادية... للبلاد. يأتي هذا التحقيق كمساهمة للتعرف على العمل الجنسي للطالبات . عوامل البغاء... المال هو كل شيء إذا كانت أسباب البغاء بشكل عام تتمثل في التفكك العائلي؛ العنف ضد النساء؛ الزواج المبكر؛ التحرش الجنسي؛ والاغتصاب ... فإن هذه العوامل تختلف عندما يتعلق الامر ببغاء الطالبات، بحيث نجد أن هاجس الممتهنة لهذا الفعل من الطالبات هو المال لأن في اعتقادهن " الفلوس هي كلشي"، ففي الجامعة تمارس بعض الطالبات عملا جنسيا مرحليا ومغلقا في نفس الآن، نتيجة لغياب المنحة الجامعية أو لهزالتها، أو رغبة في التمتع برغد الحياة، ففي البحث الذي أجراه الباحث السوسيولوجي المختص في قضايا الجنس عبد الصمد الديالمي "سوسيولوجيا الجنسانية العربية " انتهى إلى أن كل طالبة جديدة تأتي إلى الحي الجامعي تتصل بها حالا طالبات سبقنها إلى الجامعة بغية تقيم جسدها تقييما ماليا واقتراح صفقات( عمل جنسي) ملائمة. وفي بعض الأحيان يتم إقراضها قدرا من المال لا تستطيع تسديده إلا بفضل العمل الجنسي، فتجد الطالبة نفسها سجينة شبكة عمل جنسي محترفة. وقد شاع هذا الأمر خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وما زالت بعض آثاره مستمرة إلى اليوم، إلى حد أن بعض الرجال يقصدون الجامعة من أجل الجمع بن المتعة الجنسية والمتعة الفكرية. ويضيف ذات المتحدث إلى أنه في بعض الحالات، تبيع الطالبة نفسها مقابل عشاء " فاخر" في أحد المطاعم ، أو حتى مقابل " سندويتش " أو علبة سجائر. وحسب مصادر الرباط نيوز بجامعة ابن طفيل فإن هناك العديد من الطالبات من تمتهن العمل الجنسي بغية التمتع بمستوى عيش جيد تقول طالبة تدرس بشعبة التاريخ بأنها تعرف طالبة تدرس معها تربطها علاقة مع شخص موظف ومتزوج يدرس معها في نفس الشعبة لها علاقة به منذ سنتين، بحيث يحقق لها جميع متطلباتها المادية مقابل تحقيق رغباته الجنسية، وهو ما انعكس على مستوى عيش الطالبة، من خلال اللباس الفاخر الذي ترتديه والهاتف الذكي الذي تمتلكه، وهي المنحدرة من منطقة أولاد امبارك بالقنيطرة المعروفة بدور الصفيح. إن هذا الصنف من الدعارة يشكل دخلا تابتا للطالبات يحقق لهن استقلالا ماليا يمكنهن من لباس أكثر أناقة، ومن التردد على المطاعم الفاخرة، ومن السفر داخل المغرب.هذا الصنف من العاملات الجنسيات لا يصنف نفسه أبدا في فئة " العاهرات " بحيث يعتبر أن العمل الجنسي مقابل مادي ما هو إلا ترف نفعي، ذلك أن الجنس في نظرهن ليس غاية في ذاته وإنما وسيلة لتحسين نمط العيش وتسلق السلم الاجتماعي، في انتظار الحصول على شهادة جامعية والعمل. الحي الجامعي بالساكنية ... موقع لاصطياد جسد بنكهة الثقافة يتحول محيط الحي الجامعي بالسكانية كل مساء إلى رقعة يتحرك فيها أصحاب السيارات الفارهة، الباحثين عن اصطياد طالبات، بحيث يخففون من سرعة سيارتهم كلما اقتربوا من الحي الجامعي، الذي يعرف محيطه تجمعات للطالبة والطالبات، يقول خالد: وهو طالب يدرس بشعبة السوسيولوجيا ويكتري غرفة رفقة زملائه بمنطقة الساكنية، إن مشهد وقوف سيارة لإقالة طالبة أمام الحي الجامعي يتكرر باستمرار، وأصبحت الطالبات اللائي يذهبن في هاته السيارت معروفات لدى الطالبة والطالبات، بل حتى لدى رواد المقاهي المجاورة للإقامة الجامعية. يقول ذات المتحدث أن ما يحز في نفسي هو كون هذا الأمر اصبح يحضى بتساهل اجتماعي، بحيث يتم أمام أنظار الطلبة والسلطات المعنية. الفنادق والعلب الليلية ... قوادة من نوع خاص تشكل بعض الفنادق بمدينة القنيطرة وكرا للباحثين عن المتعة الجنسية، تقبل هذه الفنادق بممارسة البغاء فيها، وغالبا ما يكون الزبون غير مقيم فيها بحيث يصل ثمن الاستضافة ما بين 100 و 300 درهم للساعة الواحدة حسب طبيعة الفندق. وإذا ما تمعنا في هذه العملية، يمكن أن نستنتج بسهولة الربح الذي يجنيه أصحاب هذه الفنادق حين يتغاضون عن البغاء، ويوفرون للباحثين عن اللذة الجنسية الحماية التي توفرها مؤسسة فندقية معترف بها. ويلجأ أصحاب الفنادق إلى هكذا فعل نتيجة أن المدينة غير سياحية، وبالتالي يشكل لهم هذا الأمر دخلا مهما.فهي بذلك تشكل طرفا أساسيا في بنية البغاء، فهي تمارس القوادة بشكل غير علني، حيث يسمحون لعاملات الجنس باصطحاب الزبائن مقابل قدر من المال، يتم الاتفاق عليه مسبقا. بالإضافة إلى بعض الفنادق التي اصبحت تقدم خدامات من نوع خاص، نجد الفيلات المفروشة المتواجدة بمنطقة المهدية الساحلية التي تبعد عن مدينة القنيطرة بحوالي 11 كلم، والتي تتحول إلى وجهة مفضلة للباحثين عن المتعة الجنسية الراقية، غالبا ما تكون الطالبات اللائي يمتهن العمل الجنسي عنصرا أساسيا في هاته الجالسات الحميمية.وما يقوي أقدم مهنة في تاريخ البشرية بهذه المنطقة حسب المصدر الذي تحدث للرباط نيوز، وجود بعض الوكلاء العقاريين، الموضوعة رهن اشارتهم مجموعة من الفيلات المفروشة بهدف كرائها للباحثين عن احياء ليالي حمراء يؤثثها الجسد العاري "المثقف"، وهو الثمن الذي يصل إلى ما بين 1500 و 5000 درهم للليلة الواحدة خلال فصل الصيف، وحوالي 300 درهم في فصل الشتاء. فقدان البكارة... الطريق إلى الدعارة يقوي فقدان الطالبة لبكارتها من نسبة التحاقها بالعمل الجنسي، خصوصا، وأنها لم يعد لها ما تخسره، ذلك أن البكارة تحضى بدور مهم في تمثلات المغاربة، بحيث تقترن بالشرف والعفة... وبالنسبة للحس المشترك، ف "البغي" وحدها تفقد بكارتها قبل الزواج. وكل فتاة حصل لها ذلك تعتبر بغيا، مهما يكن الدافع. لا يهم أن يكون دافعها إلى ذلك هو الحب أو المال أو المتعة، ولا يهم أن يكون ذلك نتيجة لاغتصاب.وبالجمع بين دوافع مختلفة يتم تحويل البغاء إلى مفهوم أخلاقي اساسا. إن المفهوم الثقافي السائد حول العلاقة بين البكارة والبغاء يجعل من كل فتاة " أعطت جسدها كليا" قبل الزواج " بغيا " موشومة بالعار، وتستحق الاحتقار والتهميش. وهو الأمر الذي يجعل بعض الفتيات اللواتي فقدن بكارتهن " شرفهن" يتجهن إلى ممارسة العمل الجنسي ، إما بصفة مستمرة أو بين الفينة والأخرى. وهو الشيء الذي حصل مع احدى الطالبات التي تبلغ من العمر 27 سنة، والمنحدرة من مدينة وزان، التي كانت قبلا تدرس بشعبة علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل، بحيث وجدت نفسها بعد فقدانها لبكارتها مع صديقها الذي أحبته كثيرا، حسب قولها، ممتهنة للدعارة دون سابق إنذار، بحيث كانت تقيم علاقات عاطفية مع أشخاص موظفين سرعان ما تتحول إلى علاقة جنسية، بمقابل مادي، وهي الآن لا تفارق العلب الليلية بالمدينة بحثا عن زبناء جدد. يخضع البغاء لتراتبية تجعل منه عالما يضم فئات اجتماعية متفاوتة، ذات دخل يتراواح بين الأموال الباهظة والدراهم المعدودة، وهذه التراتبية تخضع هي نفسها لمقاييس محددة، من أبرزها جمال الفتاة؛ وصغر سنها؛ وشخصيتها؛ وقدرتها على التفاعل مع الجو السائد في ذلك العالم؛ كل هذا وذاك يحدد المجال أو الموقع الجغرافي الذي تتحرك فيه، وطبيعة الزبناء الذين يقبلون عليه، وكذا إمكانيتهم المادية، وهي المواصفات التي نجدها عند الطالبات، اللائي يجمعن بين الجمال والثقافة. رأي علم الاجتماع للظاهرة ما هي نظرة علم الاجتماع للدعارة الجامعية؟ ما هي أسبابها ؟ هل نحن ازاء ظاهرة أم أن شروطها لم تكتمل بعد؟ أسئلة ضمن أخرى يجيب عنها بروية تحليلية ورؤية نافذة الباحث السوسيولوجي عمر الإبوركي، و أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة. ما هي أسباب الدعارة الجامعية حسب منظور علم الاجتماع؟ الدعارة الجامعية لا يمكن ربطها بعامل واحد مادامت ظاهرة إنسانية مركبة. فهي ناتجة عن تحولات اجتماعية ونفسية لدى الطالبة الجامعية. وتتداخل فيها مجموعة من الدوافع أولها دافع الفقر الناتج عن حالة التفاوت الطبقي التي تشعر بها الفتاة القادمة من أماكن مهمشة بعيدة إزاء الثراء الذي تعيشه بعض الفئات المدينية، فاتخذنه وسيلة للوصول إلى الاكتفاء المادي. كما أن التخلص من الاكراهات الأخلاقية والضغوط الجماعية تدفع بعض الطالبات إلى ممارسة العمل الجنسي الاختياري كمتعة جسدية وتعبير عن الحرية الفردية. هل يمكن القول إننا إزاء ظاهرة، أم أن شروطها لم تكتمل بعد؟ الظاهرة علميا لها مجموعة من الخصائص أهمها انها موضوعية يمكن فهمها وتفسيرها بالبحث في متغيراتها، ثم انها متكررة قابلة للقياس. وانطلاقا من هذه الخصائص فالدعارة الجامعية تعتبر ظاهرة لأنها مستمرة وباقية لا يمكن كبحها، وبالتالي ان هناك عملية استثمار للجسد الانثوي للعرض. فهي متكررة لأن هناك أجيال من الفتيات الطالبات تتعاطى للعمل الجنسي الذي يعتبر من اقدم المهن في التاريخ. كما ان بعض الدراسات والأبحاث الجامعية تناولت جوانب من ظاهرة الدعارة الجامعية. هل هي ناتجة عن انعدام الوازع الديني للطالبات أم ماذا؟ هناك أصناف من العمل الجنسي: صنف اضطراري تلجأ إليه بعض الفتيات للضرورات المادية، ولإشباع الحاجات الأولية، وتعويض الحرمان الذي عشنه في حضن الأسرة، ومحاولة محاكاة بعضهن البعض، وفي هذه الحالة تكون الرفقة والاحتكاك من العوامل الدافعة، في الوقت الذي يبقى الوازع الديني مختفيا، وقد يطفو من حين لآخر على السطح، ويكون الشعور بعدم الرضى. وصنف اختياري يرتبط بفئة تنتمي إلى وسط اجتماعي وأسري مجرد من أي وازع ديني، بل يعتبر العمل الجنسي من باب الحرية الشخصية، وهذا ما نسميه في علم الاجتماع بالبغاء الوحشي. هل يمكن القول إن أسباب هذه "الظاهرة" ناتجة عن التحولات القيمية التي عرفها المجتمع المغربي؟ لا شك أن مظاهر التحول الاجتماعي في المجتمع المغربي كثيرة ومتعددة، لعل أهمها، ظهور النمط الاستهلاكي، والنزعة الفردانية، واندثار التضامن الاجتماعي والعلاقات القرابية، والروابط الإنسانية، والانفتاح على مجالات اجتماعية و سلوكات جديدة. من خلال سلوك التنافس والمباهاة، والاستعلاء. ومن طبيعة هذه العلاقات أنها خالية من أية التزامات اجتماعية وأخلاقية، بل تكون بمقابل مادي باعتبار أن الفتاة التي تمارس العمل الجنسي هي طالبة تعيش بالحرم الجامعي بعيدة عن الضبط الاجتماعي، وبالتالي لا تشكل وصمة عار على الأسرة البعيدة. فالظاهرة ترتبط بمجموعة من الدوافع منها ما هو ذاتي له علاقة بتنشئة الفتاة، وانتقالها من مجال إلى آخر يضمن لها الحرية الفردية، ويخفف عنها الضغوطات والروابط من خلال غياب الأسرة والعشيرة وجميع أنواع السلطة الأبوية.كما ان مجال المدينة يفتح امامها التفاعل مع فئات اجتماعية متنوعة. وهكذا يكون العمل الجنسي قد برز كظاهرة من خضم الحياة الجامعية كما ظهرت توجهات في مجالات العلم والسياسة والرياضة... على سبيل الختم ما يمكن التأكيد عليه ونحن على سبيل الختم اللانهائي لهذا الموضوع،هو أن العمل الجنسي للطالبات، طرح نفسه على السطح، وبالتالي كان من الضروري المساهمة في فهم هكذا موضوع، الذي لا يعني أنها ظاهرة منتشرة لدى معظم الطالبات، فالمتعاطيات لهذا العمل يبقى ضعيفا مقارنة بنظرائهن اللائي لم يخترن هذا الطريق.ما يجب التأكيد عليه أيضا، هو أن الزجر القانوني وحده لن يحد من الظاهرة التي غدت تهدد أحلام طالبات، مستعدات لبيع أجسادهن لمن يدفع أكثر. كما أن الموعظة الأخلاقية لن تحد منها. ما يحد منها فعلا هو تحقيق العدالة الاجتماعية داخل هذا الوطن.