هذا الصباح وأنا في طريقي للمكتب، شدني بقوة، جدال امرأة في الأربعينيات مع "عزيز" حارس العمارة المجاورة لي، لم يكن موضوع النقاش إلا "ميكة الزبل" التي أصرت السيدة ، التي يبدو أنها موظفة وتأخرت عن عملها، على وضعها بمكان أمام العمارة كانت توضع فيه القمامة بشكل عشوائي. عزيز الذي كان يتحدث بلباقة مع السيدة ، ان تحمل تلك القمامة وتعيد وضعها في "طارو ديال الزبل" الجديد الذي وضع بمكان تعرفه السيدة ورأته.. لكنها كانت "شاعلة" ولم تتقبل هذه النصيحة .. بل إنها كانت "ناوية على خزيت" .. وأضافت ببجاحة : »علاش تتهضر غير ان" فقال لها بهدوء.. « نسكت أنا ويسكت لاخر وشكون يهضر على هذ الحالة" .. السيدة مازال "شاعلة" ولم تروض الحارس بعد، وفي الحقيقة أنه لم يدخل لملبعها الذي تتقنه جيدا، وهو "الحيحة" و " الطايح كثر من النايض" .. فقالت له بلغة الامر الناهي : لن اغيره من مكانه وساظل اضعه هناك .. فسألها بهدوء دائما: وعلاش؟؟ فأجابت بعصبية دائما: غير بغيت .. أنا باغية نحطو تماك .. هنا عزيز سيرفع الايقاع لكن ليس في ملعب السيدة ، بل في ملعبه الذي يبدو أنه خبيرا فيه كفاية، قال لها: انت حطيه تماك وانا نهزو ونحطو في طارو في سبيل الله.. وانطلق لحال سبيله، ووقفت السيدة مشدوهة هنيهة قبل أن تجر أذيال خيبتها ، راجعة الى المكان الذي وضعت فيه "ميكة الزبل" خاصتها .. كانت تفعل ذلك وهي تتمتم بعبارات غير مسموعة وغير مفهومة ، لكن كان واضحا انها عبارات سخط المغلوب غير المقر بهزيمته.. شهامة الغالب "غير المتعلم" لم تمنعه من الحؤول دون اكمال السيدة "المتعلمة" ما كان عليها ان تفعله من الأول.. بل خاطبها بلطف وحكمة : غير خليه دابا سيري لخدمتك أنا نهزو دابا.. هذا الحارس ليس خريج جامعة ولا ثانوية ولا حتى إعدادية .. لم يدرس فن التواصل ولا مهارات الاقناع .. بل كانت الحياة مدرسته الحقيقية.. لذلك فعلا فالوعي ليس له دبلوم .. ولنفتخر بأبناء وبنات شعبنا من مدرسة الحياة وبكل من يقدر الإنسان كيفما كان.