نقابة UMT تختم المؤتمر الوطني    وفد برلماني فرنسي يزور العيون    إتحاد تواركة يتخطى حسنية أكادير    حكيمي يهدي هدفين إلى الباريسيين    الأمن يوقف عصابة في الدار البيضاء    الفوج 34 يتخرج من "ليزاداك"    قطار يدهس رجل مجهول الهوية بفاس    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    المؤتمر الاستثنائي "للهيئة المغربية للمقاولات الصغرى" يجدد الثقة في رشيد الورديغي    انتخاب محمد انهناه كاتبا لحزب التقدم والاشتراكية بالحسيمة    بدء أشغال المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية بالقاهرة بمشاركة المغرب    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي (وزيرة الفلاحة الفرنسية)    حديقة المغرب الملكية في اليابان: رمز للثقافة والروابط العميقة بين البلدين    تجار سوق بني مكادة يحتجون بعد حصر خسائرهم إثر الحريق الذي أتى على عشرات المحلات    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    الكاتب بوعلام صنصال يبدأ إضرابًا مفتوحا عن الطعام احتجاجًا على سجنه في الجزائر.. ودعوات للإفراج الفوري عنه    مصرع فتاتين وإصابة آخرين أحدهما من الحسيمة في حادثة سير بطنجة    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    هذه هي تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو"    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    هل الحداثة ملك لأحد؟    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة سوسيوثقافية لثمان نسوة في الثامن من مارس
نشر في أون مغاربية يوم 27 - 03 - 2014

"المناصفة" هي من ضمن جملة القضايا والمشاكل التي تثار عادة عندما تناقش قضايا المرأة. ولا أحد يجادل في أن مقاربة هذه القضايا لها مداخل متعددة، وينبغي أن تكون هذه المداخل، توخيا لمقاربة شمولية ونسقية. فهناك المدخل القانوني الذي يعنى بالإطار القانوني وبالمواد والبنود التي تحمي وتصون الحقوق، ولا أحد ينكر أهمية هذا المدخل . وهناك المدخل السياسي الذي يعكس الإرادة السياسية للمجتمع بمختلف أطيافه من أجل السعي لتطوير وتحسين وضعية المرأة.
المدخلان معا لهما أهمية لا أحد يجادل في قيمتها، لكن هناك في اعتقادي مدخل يؤطر المدخلين معا ويقضي بنجاح، أو فشل مآلهما وهو المدخل السوسيو ثقافي بمختلف تعقيداته وتشعباته، ولعلنا اليوم في حاجة إلى الاشتغال على هذا المدخل، لأنه هو الكفيل بتغيير العقليات وبتغيير المواقف حتى تنسجم وطموح المجهود السياسي والمجهود المبذول من قبل القانوني.
في إطار هذا المدخل السوسيو ثقافي ارتأيت أن أعرض أفكاري، لكن بطريقة اجتهدت في أن أجعلها خارجة عن المألوف، حيث سأعرض جملة من القضايا بطريقة غير مباشرة وفي قالب سردي أرمي من ورائه تحقيق الاستمتاع بالسرد وتوضيح الحالة الشبهية بالفصام (شيكيزفريني) والتي تسم نظرتنا الثقافية المجتمعية للمرأة وقضاياها.و هنا سأعرض ثماني حالات مختلفة لنسوة مفترضات تختلف حالتهم في الظاهر لكنها تتقاطع في كثير من الأمور تاركة لذكاء المستمع فرصة استخلاصها.
"حالة إيطو"
إيطو عجوز في عقدها السادس، تستيقظ كدأبها باكرا وتذهب رأسا إلى الخباز، توقده بالقليل من الحطب الموجود إلى جانبه، أعدت ما ألفت إعداده من الوجبات البئيسة كحياتها، قبل أن تأخذ سطلا وجرة، وتنحدر عبر منعرجات حادة إلى قدم الجبل، حيث عين الماء الوحيدة والشحيحة. وبعد لأي، تملأ السطل والجرة بالماء الذي تغير لونه، تضع السطل على رأسها وتتأبط الجرة، وتتسلق الجبل قافلة كالسحلية، لا تكثرت للصخور الزلقة، ولا للاتواءات، وكأن بقدميها مجسات شديدة الحساسية، تضبط بالمليمتر موطأ القدم.
إيطو لا تعرف تاريخ هذا اليوم، بل لا تعرف تاريخ ميلادها، ولم يقع في روعها يوما أن هناك يوما تحتفل به النسوة – ما عدا يوم عاشوراء – ولا تعرف عدد الأيام ولا السنين، فكل الأيام تتشابه لديها، وكل السنوات. ولا تعرف من الشهور إلا رمضان وشعبان، ومن الأعياد العيدين : الصغير والكبير، ماعدا ذلك، فكل أيام الله واحدة، وحتى يوم السوق الأسبوعي فهو من اختصاص الزوج. إيطو، بعد العودة إلى المنزل، تسرح عنزاتها الهزيلات، وتأخذ الحبل متجهة نحو الأحراش، ولن تعود إلا وظهرها ينوء بثقل ما تحمل.
"حالة نعيمة"
نعيمة طفلة في ربيعها الحادي عشر، في هذا اليوم نهضت من فراشها مبكرا، وهو عبارة عن قطعة من الإسفنج البالية، التي كانت تفترشها في زاوية من زوايا المطبخ، نهضت كعادتها يختلج في صدرها مزيج غريب من الرعب والهلع مخافة أن يستيقظ قبلها أحد من ساكنة البيت، خاصة صاحبة البيت، فنعيمة ينبغي أن تكون آخر من ينام وأول من يستيقظ، هذا ما سنته صاحبة البيت.
طوت بسرعة قطعة الاسفنج والبطانية الرقيقة المتقادمة، وبدأت تعد وجبة الإفطار وهي تمشي على أطراف أصابعها حتى لا توقظ النيام. بعد ساعة ونصف تقريبا، دلفت صاحبة البيت إلى المطبخ مزمجرة بدون سبب واضح، مؤنبة : " استغرقت في النوم مرة أخرى، واستهوتك لذة الأحلام". لم تجبها نعيمة، فهي لا تجرؤ على ذلك، قصارى ما تفعله تطأطأ رأسها وتستمتع تجنبا لما لا تحمد عقباه.
انتهت ربة البيت والزوج والأولاد من وجبة الإفطار، ولبت نعيمة لكل واحد منهم حاجاته، فهذا يريدها أن تحضر له رزقه، وذاك تساعده في أن يلبس ثيابه، والآخر أن تلمع حذاءه، وتلك في أن تبحث لها عن المشط الذي تسرح به شعرها، غيرها من الطلبات التي لا تكاد تنتهي ... حينها أمرت ربة البيت نعيمة بأن تتناول إفطارها مما فضل، وأن تغسل الأواني قبل أن ترافق منال الابنة التي تكبر نعيمة بسنتين إلى المدرسة، وتحمل لها المحفظة، فالأم ممتعضة من ثقل المحفظة في زماننا، وتخشى على فلذة كبدها أن يتقوس عمودها الفقري، ولذلك فهي توصي نعيمة بالمحفظة خيرا. وبما أن المناسبة شرط، قررت ربة البيت أن تبعث قنينة عطر ووردة لأستاذة منال، فهي تدرك جيدا أهمية هذه الذكرى .
أعطت الوردة لمنال، وسلمت قنينة العطر ملفوفة بإحكام إلى نعيمة، وحذرها أن تسقط من يدها، لأن ذلك إن حدث سيخصم ثمن القنينة من أجرها لشهرين، فالأجر الشهري الواحد لنعيمة يقل بكثير عن ثمن القنينة، وأوصتها أن تسرع الخطى في طريق العودة لأن هناك عملا كثيرا ينتظرها.
"حالة فاطنة"
حال فاطنة كحال أخريات كثيرات، فالثامن من مارس يوم كباقي الأيام، يوم آخر من التعب والإرهاق، فهي عاملة في مزرعة مستثمر إسباني، تخرج باكرا من الدوار، والصبح لم يبتسم بعد، لتقف منظرة على الرصيف شاحنة تشحنها إلى جانب نسوة من مختلف الأعمار كما تشحن الخراف أو الأبقار صوب المزرعة.
فاطنة لا زالت في بداية عقدها الثالث، أرملة، توفى زوجها الهاشمي إثر حادث، وتركها قبل أن يرزق منها بأي ولد. عندما هلك الهاشمي ترك قطعة أرضية كانا يعيشان منها. لكن ربما أن فاطنة لم تنجب، كان حظها الربع مما ترك، والكثير من المشاكل مع الورثة، رغم أن الأرض لم يرثها الهاشمي، بل اشتراها من كده وصبر زوجته وحرمانها وحسن تدبيرها، ومع ذلك فوضت أمرها لله، وشمرت على الساعد متحملة – على مضض – ضنك العيش، وتحرش العمال، وقساوة العمل، بلا أمل يلوح في الأفق...
"حالة أمينة"
أمينة، امرأة مطلقة، تزوجت قبل عشر سنوات بشاب لم تكن تعرفه من قبل، جريا على العادة، اتفق الأهل فيما بينهم وزفوها إليه، في ليلة من ليالي غشت الحارة، كانت شابة جميلة ممشوقة القذ والقوام، لم تنل حظها من التعليم، إذ توقفت أو تم إجبارها على التوقف وهي في المرحلة الابتدائية. وكان الزوج موظفا في جماعة، حاد المزاج، مدمن قمار وخمر، عنيفا سلوكا وتصرفات خاصة مع أمينة، احتملت أمينة أربع سنوات قبل أن يطلقها، بعد أن أنجبت بنتا هي الآن في سنتها الثامنة.
بعد الطلاق طافت كثيرا في ردهات المحاكم وأروقتها قبل أن يفرج لها عن دريهمات قليلة نفقة لها ولابنتها. طبعا لم تكن تلك الدريهمات كافية لتلبية الحد الأدنى للمعيشة. قررت أمينة أن تخرج للبحث عن عمل شريف، لكنها صدمت عندما اكتشفت أن نظرات الناس إلى المطلقة لا تخرج عن حدين : فهي إما زانية بالفعل أو زانية بالقوة. فمهما حاولت أن تتفادى هذه النظرة المسكوكة في الأذهان لم تفلح، وهما حاولت أن تقنع نفسها لا تعرف بأن الحرة تجوع ولا تأكل بثديها لم توفق.
بدورها أمينة لا تعرف أن اليوم هو الثامن من مارس، ولا يعنيها هذا اليوم في شيء، فهي لا تستيقظ إلا بعد الزوال، وعندما تستيقظ متثاقلة من فرط السهر والخمر، تحاول أن تكون متزنة أمام ابنتها وأن تلبي لها بعض الحاجات الضرورية قبل أن تتجمل وتتزين وتضع على وجهها غير قليل من المساحيق استعدادا لسهرة قادمة وزبائن جدد لا تعرفهم، ولا يهمها ذلك لأن الأهم هو أن تدبر بعض المال قبل أن يذبل ما تبقى عندها من جمال.
"حالة سعيدة"
سعيدة المعلمة، تشتغل في فرعية من فرعيات مغربنا العميق، سعيدة، لكن ليس بينها وبين السعادة إلا الخير والإحسان، وكثير من السنوات الضوئية، متزوجة، وزوجها أيضا معلم يشتغل بدوره في فرعية تبعد عن سعيدة بأزيد من ثلاثمائة كيلومتر، وكان دائما يقول لها مازحا : نحن كالخطين المتوازيين لا يلتقيان إلا بإذن الله. فبعد سنوات من البطالة والنضال والاعتصام وتلقي ما تيسر من الركل والرفس، وجد أنفسيهما في مركز لتكوين المعلمين، فرحا كثيرا، توجا هذا الفرح بزواج، لكن الفرحة لم تكتمل، فالتعيين أبعدهما وجعل العطل المدرسية هي نقطة الضوء الوحيدة والرحيمة بهما والتي تمكنهما من اللقاء.
سعيدة في هذا اليوم الثامن من مارس لها حصة صباحية، استقبلت تلميذات وتلاميذ القرية داخل القسم المشترك، ذلك القسم الذي خصت جانبا منه لأمتعتها وفراش نومها، مهد صغيرتها التي لم تتجاوز السنتين، حملتها صغيرتها بعد أن أحكمت ربطها بقماط، ومرة ومرة، تستعيد بعض الذكريات خصوصا عندما كانت تلميذة، ويتم الاحتفال بهذه المناسبة، وكم من الندوات وكم من برامج إذاعية وتلفزيونية، وكم وكم... قبل أن يقطع صراخ طفلتها الصغيرة شريط هذه الذكريات وضجيج التلميذات والتلاميذ، ورائحة حريق وجبة الغذاء التي كانت تعدها في زواية من زوايا القسم ...
"حالة محجوبة"
صادفت زيارة محجوبة لابنها البكر أحمد الثامن م مارس،بعد أن انقضت سنة تقريبا على زواجه من موظفة زميلة له العمل استيقظت محجوبة صباح ذلك اليوم على إثر حركات منبعثة من المطبخ، وقعقعات لبعض الأواني، سرها ذلك كثيرا، قالت في قرارة نفسها : لإنها الزوجة التي تليق بابنها، الزوجة التي تستيقظ باكرا وتذهب إلى المطبخ قبل أن يستيقظ الزوج، حتى تعد له طعام الإفطار، بل وتهيء وجبة الغذاء، خصوصا أنها امرأة موظفة، لقد أخلفت ظنها، فهي كانت تنظر دائما إلى الموظفات نظرة شزراء. فالموظفات في نظرها خاملات لا يفقهن أي شيء سوى العناية بمظهرهن، بل كانت المحجوبة تريد لابنها زوجة غير موظفة، حتى تسهر على راحته وتربية أبناءه المحتملين، لكنها لم تستطع شيئا أمام عناد الابن وإصراره على الزواج بموظفة.
علت قعقعات الأواني في المطبخ، ورأت محجوبة أن تذهب إلى المطبخ وتنبه الزوجة لا تؤدي تحركاته إلى إيقاظ انها أحمد، خاصة أن اليوم هو يوم عطلة أسبوعية "يوم السبت". ترددت بعض الشيء، لكنها قررت أن تتدخل فهي صاحبة خبرة وتجربة، وتهمها راحة ابنها.
دخلت المطبخ لتفاجأ بوجود أحمد، الذي كان منهمكا في إعداد وجبة الفطور، منهمكا في التأنق في إخراج هذه الوجبة. فهو يريد أن يحتفل بالزوجة في عيدها الأممي. لكن محجوبة أذهلها المر، وبقيت متسمرة في مكانها، لا تستطيع تفسير ما ترى. ابتسم أحمد في وجهها قبل أن يلحظ ارتباكها ودهشتها، وقبل أن تنبس ببنت شفة قال أخمد : " ها أنا قد أنهيت إعداد وجبة الإفطار وسأذهب لإيقاظ سعاد، حتى نتناول الإفطار جميعا. هرع نحو غرفة زوجته متحاشيا نظرات والته، وفق في إيقاظها مهنئا إياها بعيد المرأة، فرحت الزوجة وأسعدها ما أعد والتهنئة.
بعد أن جلس الجميع إلى طاولة الإفطار، وإمعانا في الاحتفال بهذا اليوم، أخبر زوجته أنه يدعوها وأمه لتناول وجبة الغذاء في أحد مطاعم المدينة. وقتها امتقع لون محجوبة وغمغمت بكلمات لم يفهم منها أحمد شيئا سوى أنها قد نوت الصيام هدا اليوم. وبدأ يدور في خلدها أن ابنها تعرض ولاشك لعمل سحري أنساه دوره ورجولته، وربما ناولته الزوجة "لسان الحمار" أو "مخ الضبع" ...
"قصة المناصفة بين عائشة عاملة النظافة ونجلاء الفاعلة الجمعوية"
عائشة عاملة نظافة في عقذها الرابع، عاملة نظافة، أم لأربعة أبناء، ثلاث بنات وولد، زوجها عاطل عن العمل بعد أن أغلق المعمل الذي كان يشتغل فيه أبوبه لأسباب غير معروفة، وأيضا البنتان الكبيرتان عاطلتان عن العمل بعد أن نالتا حظا من التعليم، كافحت الأم والأم لما كان أجيرا من أجل تعليمها ... لا يزال الابن الصغير والبنت الصغرى يواصلان دراستهما بالتعليم الإعدادي ... وعائشة هي المعيلة الوحيدة لهذه الأسرة. مع ذلك تعتبر نفسها محظوظة... محظوظة لأن الاسم الذي كان ينعت به عامل النظافة إلى وقت قريب كان هو "الزبال" فلو استمر هذا الاسم لناداها الناس "الزبالة" وهذا لبس دلالي مقزز، جنبتها الألطاف الإلهية منه. ومحظوظة أيضا لأنها اهتبلت الفرصة المتاحة للعمل ضمن عمال النظافة، وانتهزت الفرصة بعد أن رفض الرجال العمل بالأجر الهزيل الذي حددته الجماعة، واستغلت الفرصة هي وغيرها من النساء بجديتهم وصبرهن وقناعتهن...
عائشة، عاملة النظافة، خرجت هذا اليوم الثامن من مارس تحت جنح الظلام، لتنظيف شوارع المدينة مما راكمه الناس من أزبال، رغم أنها لم تنم باكرا، لأن ابنتها البكر العاطلة، لم تكف الليلة عن الحديث عن الوضع المزري الذي تعيشه، وتعيشه العائلة، وتعيشه المرأة على وجه الخصوص، وتحدثت كثيرا عن المضايقات والتعنيف الذي تتعرض له داخل جمعية المعطلين والمعطلات، صاحبات وأصحاب الشواهد، تحدتث عن أشياء كثيرة باحتجاج وسخط شديدين. وهي منشغلة بكنس الشارع المقابل لقصر البلدية، كانت تفكر في ما كانت تقوله ابنتها، ولسبب غير مفهوم علق في ذهنها لفظ المناصفة، ولم تتبين معناه جيدا، تناسلت لديها جملة أسئلة : هل المناصفة هي اقتسام الثورة ؟ فلا ثورة لديها، وثروة زوجها هي الفقر المدقع وحزمة أمراض مزمنة ... هل هي المناصفة في النهوض بأعمال البيت، فهي التي تدبر كل شيء، وهل هي المناصفة في العمل خارج البيت، فهي تعمل من الغسق إلى مغرب الشمس في الأفق ...
لعل المناصفة هي اقتسام ثروة البلد، واقتسام الخيرات، واقتسام فرص الشغل، وفي الاقتسام العادل للبنيات وظروف الحياة الملائمة وفي ... وفي ...
وبينما هي على هذه الحال، نبهها منبه شاحنة عامل النظافة المكلف بالإشراف على العاملات أن تسرع في التنظيف، لعله أدرك شرودها.
أما نجلاء، الناشطة الجمعوية، فلها أكثر من قبعة واحدة، عضو في كثير من جمعيات المجتمع المدني، من حماية القطط إلى الدفاع عن حقوق الناس، مرورا بالبيئة وغيرها من الجمعيات. لا يتسرب إليها الملل، قلما تلوم البيت رغم أنها متزوجة وأم لطفلين. والنسوة يغبطنها على ذلك، فهي تتواجد في كل الأنشطة، وفي كل الأمكنة.
امرأة في عقدها الرابع، ثامن مارس بالنسبة إليها يوم خاص فهناك أنشطة كثيرة وبرنامج عمل كثيف، من بين هذه الأنشطة ندوة ستعقد حول موضوع المناصفة. انشغلت بهذا الموضوع وهي أمام المرآة في هذا الصباح تضبط هيئتها وهندامها، وتستغرق غير قليل من الوقت في ذلك، راودتها فكرة وهي تضع أحمر الشفاه : لماذا لا يعتني الزوج بالدرجة نفسها بهيئته ؟ ويقضي ذات الوقت أمام المرآة؟ لماذا لا يتجمل ويظهر بمظهر حسن ؟ أليس من حق النسوة على أزواجهن ذلك ؟ ثم تساءلت : لما يخرج إلى الشارع ويظهر بمظهر المتأنق أمام الناس، ويراه الرجال والنسوة والفتيات، توقفت لحظة عن التفكير ... ربما قد يقودها هذا الحبل إلى ما لا ترغب فيه، فقطعته، واستبعدت الفكرة تماما من ذهنها. تناولت بسرعة وجبة الإقطار، وتركت لعاملة البيت – هكذا تحبذ تسميتها – نكاية في أولئك الذين يسمونها خادمة – جملة من التعليمات. استقلت سيارتها وهي تفكر في المناصفة، مناصفة الكراسي، كم كرسي ستحصل عليه النسوة في المجتمع، لو تحققت المناصفة ؟ مائة، مائتان، أربع مائة على أكبر تقدير، ماذا يحصل بعد ذلك، وما آثار ذلك على المجتمع ؟ أهما أفضل للجميع، المناصفة في اقتسام الثروة، أو المناصفة في اقتسام الكراسي؟ أو هما معا ؟
وإلى الثامن من مارس القادم، وحكايات أخرى، وكل ثامن من مارس والنسوة بألف خير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.