نظمت الودادية الحسنية للقضاة أمس الاربعاء 17يوليوز الجاري، بشراكة مع مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي وماستر التوثيق والعقار بكلية الحقوق بمراكش ندوة علمية حول موضوع: " دور التكوين في إصلاح منظومة العدالة " ، بقاعة الندوات بمركب الاصطياف التابع للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل والحريات بمراكش. وأشاد المتدخلون بهذه المبادرة العلمية التي تدل على الإرادة الجادة للودادية الحسنية للقضاة في فتح آفاق التعاون المشترك والاستفادة من كافة المنابر العلمية وتجارب الماستر الرائدة، لا سيما وأن تزامن هذه الندوة مع الذكرى الثانية للدستور المغربي يعكس التفاعل الإيجابي مع مضامينه ويرسخ روابط الشراكة البناءة وتنويع علاقات التبادل العلمي. وأضاف المتدخلون بأن هذا اللقاء ينعقد في مرحلة دقيقة بين نخبة الحقوقيين والباحثين في الشأن القضائي لتدارس موضوع يكتسي أهمية بالغة في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع الدولي، وتفرض لزاما على القاضي والمحامي والباحث وكافة مكونات منظومة العدالة مسايرة تلك المتغيرات والمستجدات حتى يكون كل واحد من موقعه مؤهلا لأن يكون في مستوى مواجهة التحديات، ويعكس رغبة الجميع في الانخراط في ورش إصلاح منظومة العدالة باعتباره مسؤولية وطنية. وقال الاستاذ عبد العزيز وقيدي الكاتب العام للودادية الحسنية للقضاة أننا نعيش الآن مرحلة جديدة ورهانا كبيرا ألا وهو تنزيل مضامين الدستور الجديد وهو ما يقتضي وجود قضاء مستقل، كفؤ، قوي، نزيه. مضيفا في كلمته الافتتاحية ، هذه المعايير والكفاءات لن تتوافر إذا لم نواجه المشاكل التي يثيرها موضوع هذا اللقاء العلمي اليوم أي " التكوين أو التأهيل". كما لا يخفى عليكم فإننا نواجه اليوم العديد من التحديات والتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المتسارعة وظهور مفاهيم ونظريات جديدة ومنازعات ومساطر معقدة وقضايا وجرائم تقنية مركبة، مما يتطلب منه مواكبة مستمرة ومتلاحقة وتكوينا مستمرا في مجالات شتى، حتى لا يصبح مهددا بخطر التجاوز والجهل وعاجزا عن تحقيق النجاعة المطلوبة والأمن القضائي الواجب. ومن هذا المنطلق فإن أغلب التشريعات الوطنية أصبحت واعية بضرورة تأهيل القضاة والمبادرة إلى تكوينهم بما يسمح لهم بتحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها تكريس الثقة لدى المواطن خاصة أمام ما أصبح يعرف اليوم بأزمة مرفق العدالة وظهور بدائل غير قضائية لحل المنازعات. من جهته أوضح الأستاذ محمد الخضراوي منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، أن اللقاء يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى الدولي أو الوطني، موضحا أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية والتنظيمات الأوروبية والعربية والإفريقية تهتم بالإشكاليات التي يطرحها التكوين القانوني والقضائي، معطيا المثال بشبكة لشبونة وبالمجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين والمركز العربي للبحوث القانونية مما يعكس محورية هذا الموضوع في إصلاح منظومة العدالة ببلادنا التي تعرف مرحلة دقيقة الآن خاصة بعد دستور 2011 الذي يؤسس لمجتمع ديموقراطي حداثي يعتبر القضاء أحد أعمدته باعتباره هو الضامن للحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وأنه أصبح على عاتقه الآن الحفاظ على الأمن القضائي مشددا على مسألتين المسؤولية والمحاسبة وعلى دسترة الخطأ القضائي وهي كلها إشكاليات تزداد حدة مع التحديات الجديدة التي تفرضها العولمة وتفرضها جودة الخدمات القضائية. وقد ركز بعد ذلك بمداخلته على علاقة التكوين بثقة المواطن في المؤسسة القضائية، مقترحا إعادة النظر في شروط ولوج القضاء وعلى ضرورة إدخال مواضيع جديدة في التكوين كالأخلاقيات القضائية وعلم التواصل وعلم الاجتماع والتدبير الإداري. كما تساءل الخضراوي عن الجهة المسؤولة عن التكوين هل هي الجامعة أم الدولة أم الجمعيات المهنية أم القاضي نفسه أو كل هؤلاء؟ كما طرح إشكالية الحق والواجب خالصا إلى أن الدولة لا بد أن ترصد ميزانية هامة للتكوين وعلى أن القضاة بدورهم لا بد أن يبادروا بتلقائية لتوسيع مداركهم وآفاقهم الثقافية والعلمية والعملية، موضحا أن مسألة الاختيارية والإجبارية في التكوين طرحت على المستوى الأوربي واختلفت بشأنها التجارب والآراء موصيا بالجمع بينهما. وقد أسفرت مداخلات هذا اللقاء وما تلته من نقاشات على تبني إصدار وثيقة تحمل إسم إعلان مراكش، تضمنت التوصيات التالية: وضع خطة استراتيجية شاملة بتصور عام للتكوين ببلادنا يأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة واحتياجاتها ويوفر له كافة الإمكانات المادية واللوجيستيكية. ضرورة إدراج مادة الأخلاقيات في برامج التكوين المعتمدة في كليات الحقوق حتى يتم تهيئ الطالب بشكل تدريجي في استيعاب القيم والأخلاق المهنية من جهة، والمساهمة في تخليق الحياة العامة من جهة أخرى. التركيز على أهمية مدونة القيم عند انتقاء الملحقين القضائيين، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاستعانة بالخبراء في علوم النفس والاجتماع والسلوك، مع إعادة النظر في شرط التكوين لقبولهم بالمعهد العالي للقضاء ومدة التكوين وبرامجه وكذا طريقة إدماج المتخرجين في سلك القضاء. وضع المعهد العالي للقضاء تحت إشراف السلطة القضائية وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي من أجل الارتقاء بها إلى مؤسسة علمية حديثة ومنفتحة وقادرة على الاطلاع بالأدوار المنوطة بها. التعجيل بإخراج معاهد تكوين المحامين والموثقين وكافة مكونات أسرة العدالة إلى حيز الوجود حتى يمكنها الاطلاع بدورها في الإشراف على التكوين الأساسي والتخصصي. الاهتمام باللغات وتقنيات المعلوميات والتكوين المستمر لتمكين أسرة العدالة من مواكبة مستجدات القوانين والتشريعات والمساطر القضائية. الدعوة إلى خلق شراكة حقيقية مع كليات الحقوق ليتمكن طلبة الماستر من الاطلاع بالملوس على تجربة المحاكم وعمل كتابة الضبط وتأهيلهم لفتح مسارات علمية واضحة وتنمية مداركهم العلمية. التأهيل العلمي للقضاة وباقي مكونات منظومة العدالة من خلال تسهيل الولوج إلى صف الماستر والدكتوراه عبر شراكات حقيقية وبناءة وهادفة تجسد انفتاح الجامعة على محيط العدالة. تطبيق نظام التقييم والمراقبة، لتقييم فعالية برامج التكوين القضائي لمعرفة مدى مساهمتها في تحسن الأداء القضائي وتحقيق النجاعة القضائية. العمل على تتبع القاضي بعد تعيينه بالمحكمة من خلال التكوين المستمر عبر ندوات وطنية ومحلية ذات الصلة بالشأن القضائي للرفع من جودة الأحكام القضائية. حث المسؤولين القضائيين على مساعدة القاضي الجديد وتأطيره على مستوى الأخلاق والقيم القضائية والتكوين العملي حتى يتمكن من ضبط تقنيات تحرير الأحكام وصقل صنعة وفقه القضاء.