يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ .بهذه الاية الكريمة استهل مقالي، لما اراه من انتشار ثقافة الانتهازية و النفاق الثقافي في أوساط الجماعات المحسوبة على المثقفين والسبب هو تفشى قيم القبلية والطائفية والمذهبية والجهوية والمصالح الشخصية على حساب قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص . طالما لعب المثقفون على مر العصور دورا بارزا و محوريا في النهوض بمجتمعاتهم و الارتقاء بوعي شعوبهم فكانوا السباقين للتصدي للجهل و الظلم و الاستبداد و التسلط و تبني القضايا التي تمس المواطن العادي و محاولة الدفاع عن حقوقه و توعيته ليلعب دوره المطلوب في المجتمع على أكمل وجه. المنافق مهما كانت ثقافته يظل مهرجا سوقيّا، يتكلم بالسن عدة ، ويظهر عكس ما يخفي ، ويبدي من المواقف المختلفة كل حسب الوقت والظرف ، والطرف المقابل ، وحسابات مصالحه الشخصية ، من اجل ان يخلق استجابات الرضى والقبول عند المقابل . عن طريق تزييف الحقائق التي يعرضها بأسلوب لايخلو من التملق والحرص في ايهام الاخر. لايختلف الامر عند المنافق السياسي، حيث يقوم بتزييف الوقائع وتهويلها ومن ثم عرضها للجمهور لغرض كسب تعاطفهم معه لتحقيق مآرب خاصة . ونحن نريد التأسيس لمجتمع ديمقراطي، وتجاوز المحن التي يعيشها وطننا ، وتحقيق التنمية المطلوبة من اجل ضمان امن البلد وامن المواطن ، لايمكن ان يتحقق ذلك مالم نكن صادقين اولا مع انفسنا صريحين بدون رياء ، أما اعتماد الكذب والتدليس والنفاق فهي سلوكيات بقدر ما انها تتناقض مع القيم الاخلاقية التي يفترض بالمثقف ان يلتزم بها قبل غيره ، فهي وسائل تحسب على عمليات التخريب وترسيخ التخلف ، وتدمير المجتمع والبلد ، ونحن نرى نتائج ما يحصل في تخريب في كافة الاقطار العربية التي لااحد يستطيع لوم احد غير المثقف المنافق ، والسياسي المنافق الذي يستبيح التدليس والكذب على شعبه الذي يعيش ويلات ونتائج هذه الاكاذيب . أنها ثقافة التخريب تمس المجتمع في الصميم، إذ تأتي من فئات يفترض فيها أنها تمثل النخبة الواعية والاعلام صوت الحق الذي يجب ان يساهم في خلق الوعي ، وتحقيق الادراك الصحيح والسليم عند المواطن من اجل تحريكه ودفعه باتجاه ان يسهم بفاعلية وجدية في عملية التغيير نحو الافضل ، ليكتسب السياسي كما هو المثقف صفة الالتزام الحقيقي بقضايا المجتمع، لا ان يكون جزء من عوامل التخريب والتدمير ، ويقف في موقع العالة والعبأ على المجتمع بدلا من ان يكون من ادوات التغيير الخيرة والنافعة ، وإذا كان هناك من تبرير لأي منظومة في سعيها لحشد المناصرين والمؤيدين وحتى الابواق من اجل ان يحافظ على موقعه وامتيازاته، فليس من حق السياسي او المثقف الذي يدعي المعارضة ان يعتمد الثقافة الميكافيلية ، لأنها ثقافة لا تصلح لبناء الأمم وتقدم الشعوب ، وترجح المواقف الانانية والشخصية على المصالح العامة . ان الفردية والنرجسية وعبادة الذات او العيش بغرور الاعتقاد بالذات الفذة التي تختزل بكينونتها كل الكون والآخرين ، لهي تعبير عن فشل الانسان لان يكتسب حتى صفات المواطن الصالح ، بل انها من ادوات تدمير لكل ما هو خير ونافع للمجتمع . ان ثقافة الصدق والالتزام بالأخلاق والمبادئ لا بثقافة المصالح الفردية والأنانية وامراض الحقد والحسد على حساب مصلحة الجمهور ،هي طريقنا الوحيد للرقي بالمجتمع والسمو للوصول الى مستوى المثقف والسياسي الملتزم والاعلامي الصوت الصداع للحق.ان المثقف الملتزم وحتى الإنسان الملتزم يدرك انه لايعيش في فراغ بل في بيئة ومجتمع لهما عليه حقوق والتزامات بما يوجب عليه أن يكون تعبيرا عن مصالح الناس في البيئة والمحيط الذي يعيش فيه. ان عزل الثقافة عن المجتمع واستخدامها كوسيلة لتحقيق الطموحات الفردية ، تغدو في صورة ثقافة مضادة ، ووسيلة من وسائل تخريب المجتمع وهدم القيم الخيرة السائدة فيه . ويبقى الطموح ان تكون الثقافة الملتزمة بمصالح مجتمعها ، بكل ادواتها التعبيرية والسلوكية هي الحل والسبيل للارتقاء بالمجتمع وتجاوز حالة التخلف والتبعية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية . فالمثقف بما يمتلك من ادوات التعبير ووسائل التأثير في الاخرين لاخيار امامه كي يحوز على صفة المثقف الملتزم ، الا بالتمسك بالقيم الاجتماعية والأخلاقية الخيرة ، وضبط النزعات الفردية التي تصل الى حد الوصف بالشريرة . و ان يظل بعيدا عن حالة النفاق والازدواجية متمسكا بالموقف الواحد المنضبط بالإيمان برسالة هدفها النهوض بالمجتمع وحل مشكلاته ، ولا تنفع ذلك المنافق محاولات اقصاء الاخرين او حتى اعتماد اساليب غير خيرة في تشويه الاخر . لان مواطننا العادي يظل بحدسه وسليقته قادر على ان يستكشف النوايا الخبيثة ويستقرئها وهو لا السياسي المنافق او المثقف المنافق ولا حتى في خانة الاعلامي الشريف ، ما سيمارس العزل لكل ذوي النوايا الغير خيرة مهما حاولوا تلميعها..