دموع صامتة واستكانة اوشكت على الانفجار، صوتها بالكاد يُسمع، الكلام لم يعد طيعا عليها وكأن لسانها قد نسي مخارج الحروف كما نسيت اقدامها طريق الباب حتى لمعرفة من يستأذن عليهم بالدخول للزيارة. أصوات الاطفال في الشارع تعذبها اذ لم يمضي الوقت بعيدا عنها حتى تتذكر صوتها وهو يتماوج مع اصوات اقرانها من الاطفال فتشعر بالحنين وقد اصبحت الطفلة التي تحفل بثوب سيدة. عمر زواجها ثلاث شهور شهرين في عش الزوجية والشهر المتبقي ما زالت تعد وأسرتها أيامه حسره حين عادت اليهم بعيون باكيه وجسد لا يكف عن الشكوى من الضرب المبرح الذي تعرضت له فترة زواجها. لم استغرب الحاح صديقتي على والدها ليسمح لها بمشاركتنا في برنامج تعليمي سيفيدها كثيرا في بناء شخصيتها في المستقبل فقد شاركتها الرأي اذ لم اقرأ إلا ملامح الطفولة والبراءة على وجهها الذي تنقصه ضفيرتين وكثير من المرح حتى توقفنا عن الحاحنا حين عرفنا من والدتها انها متزوجة، مؤلم ذبول تلك الطفلة باكرا ووداعها اللعب والصبا والمدرسة. بؤس ما بعده بؤس هو الذي تجنيه الاسر والمجتمع من ثمار الزواج المبكر الذي يعد بمثابة وأد حقيقي للمرأة في هذا العصر الذي يعد من عصور التنوير، والمشكلة تكاد تتكرر حين تعيد من مرت بالزواج المبكر ذات الحكاية مع بناتها وكأنها تشاركهم العداوة لا الحب. احدى السيدات الصغيرات ممن مررن بتجربة الزواج المبكر وفيما بعد الطلاق المبكر، رغم جمالها البهي فأن حزنها يبدو جليا حتى تبرز عظام جسدها من تحت ثوبها وهي تحتار في الجهة التي ستستقر عليها اذ انها لا تستطيع ان تحلم لمستقبلها كما لا تستطيع ان تمضي سعيدة بحاضرها كإنسانة فقدت حقها بالتعليم اسوة بغيرها ممن هن في عمرها. مازال مشهد تلك السيدة التي تفترش الارض من امام مصطبة بيتها يثير حنقي وحزني وهي تشارك احد ازواج بناتها مسامرة الصباح بود مبالغ فيه محتضنة يده على مشهد من العابرين، تجتر رغبة مكبوتة لديها وكأنها تتنفس حاجتها تنفس العشب الاخضر في يوم الحصاد الذي انقلب جله الى اصفرار من غير حياة. هل تراها تعرف انها لن تستعيد شيئا منها وقد غدت ارملة في الاربعين مكبلة بعدد من الأولاد، هل تراها تعرف انها لن تمارس مشاعرها بعد ان استوت ونضجت واصبحت قادرة على العطاء، هل تراها ترحم بناتها من تجربتها في الزواج المبكر فتبقي على طفولتهن دون انقاص. قضية الزواج المبكر عدا عن انها منبعا للمشاكل الصحية على المرأة فإنها ايضا خيار لوأد حقيقي للمرأة نشارك به جميعا، فهل يقبل المجتمع ان يحيا بنصف غير متعافي منهك صحيا ونفسيا!؟. الحقيقة أن حسرة ذلك الاب الذي خاف على ابنته من مشوارها الصباحي الى المدرسة فتعجل بزواجها خوفا عليها من الانحراف وكلام الناس، احزنني حين بات يجني الندم والخوف والحزن على ابنته التي كلل حياتها بالسهد والسهر والحزن المستمر. دوما المسكوت عنه أعظم في قضايا تمس أسرنا ، فهل نحمي طفولة بناتنا من الوأد بما يسمى الزواج المبكر؟؟ ونكف البحث عن من يتحمل اللائمة في تزايد نسب الطلاق ونغدو جميعا الى حياة افضل بدلا من السير بالظلام؟؟