قدمت فرقة أكواريوم للمسرح عرضا فنيا رائعا تحت عنوان ((ديالي)) عرى عن رمزية المراة وأنوثتها من خلال تكسير المنظور الاخلاقي السمج لرمز الحياة في المراة الى الفنانات الجريئات نعيمة زيطان نورية بنبراهيم فريدة بوعزاوي أهدي هذه القصة القصيرة: الأبكم الأعور كنت دائما أراه ملتصقا ببنت الحارة الحسناء عند مرورها الي السوق أو الي المدرسة. أحذق فيه باعجاب واشفاق في نفس الوقت . وهو ينظر الي في صمت مخفيا وجهه بقناع . اكلمه بكلمات طفولية تشجيعية, مثل: كم أنت جميل يا صاح ,أو تعالي أشتري لك أيس كريم . لكنه يحرك عضلات وجهه, و شفتيه , بصمت. دون أن أسمع منه كلاما . سألت بنت الحارة الحسناء عن سبب صمته. فأجابتني بكبرياء بعد أن سخرت من فضولي انه أبكم ألا تفهم ؟ ولماذا يضع القناع علي وجهه؟ انه أعور, ولديه جرح غائر. يعني معوق . أتريد أن أضيف لك المزيد؟ قلت لها بحسرة :الإعاقة قدر لم يختره لنفسه، ثم انها خلقة رب العالمين، لا يمكن أن تخفيها أقنعة وعلي المرء أن يتقبل واقعه ويواجه به الحياة . فحصتني بنظرة شزراء , وأشارت لي بكتفيها قائلة :هذا لايهمك وانتبه لمشاكلك. لا أخفيكم سرا ، لقد استوطن هذا الأبكم الأعور عقلي وصارت صورته تتراء لي, أحيانا في قهوة الصباح ,أو في وجبة الغذاء, أو في الليل عندما أهجع للنوم. الي حد أنني رسمته بقلم الرصاص علي جدار غرفتي وكنت أتساءل هل بنت الحارة الحسناء الفقيرة تعتني بهذا المعوق ؟ وهل تفكر بمستقبله ؟ هل تغذيه وترفه عنه؟ أم هو عبء ثقيل عليها ؟ مضت سنوات قليلة غادرت فيها الحارة والمدينة. ونسيت أمر ذاك الابكم الاعور, الى ان عدت الى الحارة .فصادف مروري من أمام مصفف الشعر , رؤيتي لبنت الحارة الحسناء تمشي مع المعوق بنفس الصورة التي كنت أراه بها رفقتها ، وقلت في نفسي ربما يخفي القناع علي وجهه ألما و حزنا ،ربما صار بفعل التهميش من فصيلة الأنعام. لقد صار حجم وجهه كبيرا وربما لم يندمل جرحه الذي حدثتني عنه بنت الحارة. قررت أن أستفسرها من جديد فسرت من ورائها مسافة ليست بالقصيرة حتي انتبهت الي فابتسمت لها وابتسمت لي بطلاقة. ماذا تريد ؟ فقط أحب أن أن أسألك عن هذا الابكم الاعور الذي أراه معك دائما هل تعتنين به؟ اجابت بلطف: نعم أعتني به قدر المستطاع. ومن فرط حبي له لا أفارقه ولا يفارقني . ألاتري أن خديه صارا ممتلئين ووجهه أصبح بشوشا. و كيف أري هذا وأنت تضعين دائما القناع على وجهه؟ كان المسكين ينظر الي وأنا أحذق في وجهه وقلبي يكاد ينفطر من حاله . في الوقت الذي فاجأتني بنت الحارة بسؤال لم أكن انتظره. هل تريد أن أمنحك اياه وتعتني به من فيض انسانيتك؟ نعم اذا لم يكن لذيك مانع. قلت بحزم لكن قبل ذلك مارأيك أن نذهب الي المنزل لنناقش الموضوع... وفي داخل المنزل قمت بأزاحة القناع عن وجه المسكين. كان ثوب القناع الخشن قد ترك احمرارا والتهابا على خذيه وشفتيه وهو يهمس لي بلغة لم أفهمها .غسلته بالماء الدافئ والصابون و حلقت شعره الكثيف ثم وضعت مرهما معطرا على جرحه . أتيت له بلباس حريري رطب . وبنت الحارة تنظر لي باستغراب. وتقول : أنت فعلا من أهل الخير. قلت بتواضع انها الانسانية وشهوة فعل البر يا حسناء الحارة. حضنت المسكين وقبلته عشرات القبلات مستطعما رائحته البدائية حتي نزلت من مدمعي قطرات دافئة. ومنذ ذلك اليوم صار هذا الابكم الأعور في منزلي أسعد لرؤيته و يأنس من وحشتي وصارت بفضله بنت الحارة الحسناء حبيبتي.. * أفوزار محمود