سارع الرئيس المصري محمد مرسي باقتناص فرصة سنحت له من خلال خطأ فادح ارتكبه الجيش وأدى لمقتل 16 من أفراد قوات حرس الحدود بنيران متشددين إسلاميين ليسترد مرسي سلطات من الجيش الذي كان يريد دائما تقييد نفوذه السياسي. وبعد مرور أسبوع على الهجوم المباغت الذي تعرض له موقع لقوات حرس الحدود في سيناء -والذي أثار غضب مصريين عاديين وأفراد في الجيش رأوا أن سقوط هذا العدد من الضحايا يعد فشلا للقيادة العسكرية- أحال مرسي أكبر قائدين عسكريين إلى التقاعد وألغى إعلانا دستوريا مُكملا كان الجيش قلص به سلطات الرئيس عشية اعلان فوزه في الانتخابات. وكان عزل المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والفريق سامي عنان رئيس الأركان خطوة مثيرة. وكان مبعث الدهشة أن تلك الخطوة جاءت من الرجل الذي رشحته جماعة الإخوان المسلمين في اللحظة الأخيرة لخوض الانتخابات الرئاسية التي انتهت في يونيو حزيران. وأثار حينئذ انتقادات ساخرة وصفته بأنه سياسي جامد يبدو كموظف في الاخوان المسلمين اكثر من كونه صاحب مؤهلات ليكون رجل دولة. وقليل من الناس يمكن أن يقولوا عنه ذلك الآن حتى إن كان الكثيرون يقولون إنه لم يكن لتواتيه كل تلك الجرأة بدون المساندة التي يلقاها من جماعة الإخوان المسلمين التي تحدث مسؤولون كبار فيها طويلا عن السعي لإنهاء نفوذ الجيش لكن قالوا إن هذه العملية ستستغرق سنوات. ولا تزال خطوات مرسي الجريئة تنطوي على مخاطرات رغم أنه لا توجد بوادر إلى الآن على أن الجيش يتحدى قراراته. ويمكن أن يكون هناك رد من المؤسسة الباقية من عهد الرئيس السابق حسني مبارك والتي توصف بأنها "الدولة العميقة" ويحتاج إصلاحها لسنوات. وبالإضافة لذلك لم يعد هناك كثيرون يمكن أن يوجه إليهم مرسي اللوم على أي إخفاقات في المهمة الهائلة لانقاذ الاقتصاد المتداعي بعد أن تركزت السلطات في يديه. وخطوة مرسي لإعادة تشكيل قيادة الجيش -الذي كان في موقف دفاعي بعد هجوم سيناء- وحصوله على المزيد من السلطات تعد نصرا مبكرا. لكن مناوشات أكثر يمكن أن تنفجر بينه وبين الجيش وآخرين. وقال مصدر رئاسي لرويترز مُفسرا توقيت التغييرات في قيادة الجيش يوم الاحد "كان الرئيس مرسي يتابع عن قرب الهجمات في منطقة الحدود وبعدها شعر بأن هناك حاجة إلى تغيير في القيادة الأمنية." وظل طنطاوي (76 عاما) وزيرا للدفاع لمدة 20 عاما في حكومة مبارك ورأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون البلاد لمدة عام ونصف العام بعد إسقاط الرئيس السابق في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي. وقرر مرسي تعيين اثنين من العسكريين في الخمسينات من العمر خلفا لطنطاوي وعنان (64 عاما) وكان كل منهما عضوا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي رأسه طنطاوي. وقال المصدر الرئاسي "قراراته أملاها ما رأى أنه في مصلحة مصر وما لمسه من مشاعر لدى القوات التي زارها في سيناء." وثار غضب مصريين كثيرين من أن المتشددين ربما يكون سمح لهم بالحصول على موطيء قدم في سيناء لدرجة أن يشنوا مثل هذا الهجوم المباغت في الخامس من أغسطس آب واستولى المهاجمون خلاله على عربتين مدرعتين استخدموهما في محاولة لاقتحام الحدود مع إسرائيل. وحدث تذمر حتى بين بعض العسكريين لكن كان هادئا. وقال ضابط متوسط الرتبة "في أي دولة محترمة يعفى وزير الدفاع من منصبه عند سقوط قتلى على الحدود." وكان الضابط يتحدث وقت إعفاء اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة من منصبه الأسبوع الماضي بسبب الحادث. وكان غضب الشارع وتذمر بعض الجنود فرصة مثالية أمام مرسي لتغيير قادة الجيش المسنين. وتحدث ضباط صغار كثيرون لرويترز على مدى العام المنقضي قائلين إنهم تعبوا من القلة من الضباط الكبار الذين صاروا من الأثرياء بينما الأغلبية الساحقة من العسكريين تكابد. وتحدث البعض عن استرخاء متزايد في الجيش وتدني المعايير. وقال شادي حامد من مركز بروكنجز الدوحة "الأحداث في سيناء جعلت خطوات مرسي أسرع. هذا هو ما كانت جماعة الإخوان المسلمين تريد أن تصل إليه في النهاية. لقد انتهى بهم الأمر إلى فعله بأسرع من أي توقع." وقال حامد إن مرسي ربما تشجع بعد الإشادة بقرار سابق بعزل موافي ومحافظ شمال سيناء عبد الوهاب مبروك. وكان إسلاميون وليبراليون كذلك توجهوا إلى قصر الرئاسة في شرق القاهرة حاملين لافتات كتبت عليها عبارات "نعم لمرسي" بعد عزل موافي ومبروك. وقال حامد إن "من السابق لأوانه" أن تخلد جماعة الإخوان إلى الراحة أو أن تخرج الجيش من الحساب. وأضاف "هذه خطوة تنطوي على مخاطرة. ليس كل شيء ورديا بالنسبة لمرسي." وتابع "هناك عناصر معينة في الدولة العميقة ليست سعيدة برئاسة قوية وحازمة." وإلى الآن يبدو أن الجيش يقبل التغييرات. وشدد عسكري كبير رقي في التغييرات والمصدر الرئاسي على أن مرسي تشاور مع طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري قبل إصدار قراراته لكن المصدرين لم يوضحا إن كانت قيادة الجيش التي تم تغييرها سعيدة بذلك. وكتب أدمن صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يقول إن التغيير في القيادة كان تغييرا طبيعيا في قيادة القوات المسلحة وإنه ينقل المسؤولية إلى جيل جديد. وقال عضو قيادي في جماعة الإخوان المسلمين إن مرسي كان في حاجة إلى تقلد المزيد من السلطات من أجل تنفيذ سياساته الاقتصادية وغيرها من السياسات وهي سلطات حرمه منها الإعلان الدستوري المكمل. وقال محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة وعضو في مكتب الإرشاد لرويترز "كانت الدولة برئيسين: الرئيس والمجلس العسكري." وأضاف "كان متعينا على الرئيس أن يتقدم ويسترد كامل سلطاته من المجلس العسكري." وبإلغاء الإعلان الدستوري المكمل تقلد مرسي سلطة التشريع لحين إجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب الذي حله المجلس العسكري قبل يومين من إصدار الإعلان الدستوري المكمل بسبب حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد في قانون انتخاب المجلس النيابي الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون. وربما كان من شأن دعوة لمظاهرات احتجاج على الإخوان المسلمين يوم 24 أغسطس آب تذكير مرسي بأن عليه أن يتحرك لتنفيذ سياسات تساعد في تجنب تكوين قوة دفع ضد رئاسته على الرغم من أن حصوله على كامل السلطات يجعله بدون عذر في حالة الفشل. وقال المحلل السياسي حسن نافعة "مرسي يملك الآن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وإذا استخدمهما بطريقة غير سليمة سيؤدي هذا إلى تولد الكثير من المعارضة السياسية ضده." وعلى الرغم من أن الجيش تخلى عن السلطات التي سعى للاحتفاظ بها فإن مصالحه الاقتصادية الضخمة ونفوذه الطويل لا يمكن لمرسي أن يتجاهلهما وقد انطوت قراراته على بعض الحذر. فالقرارات تضمنت تعيين طنطاوي وعنان مستشارين لمرسي الأمر الذي يعني خروجا مشرفا لهما وحماية رئاسية من المحاكمة وبالتالي لن يواجها مصير مبارك الذي كان في السابق قائدا للقوات الجوية والذي صدر حكم ضده بالسجن المؤبد بعد 30 عاما في السلطة. وقال دبلوماسي غربي "يبقى الجيش مؤسسة ضخمة في حياة مصر. كون مرسي شعر... أنه ينبغي أن يقدم لهم وظائف يعطيك فكرة عن مدى قلقه إزاء رد الجيش المحتمل على قراراته." ومع ذلك فإن طنطاوي الذي بقي في الظل خلال عهد مبارك ولم يكن باديا عليه أنه مستريح للأضواء حين كان قائدا انتقاليا بدا مستعدا للتنحي بشرط وجود ضمانات مناسبة. وقال الدبلوماسي "نعرف من اتصالاتنا معه أنه منهك." وأضاف "فاض به الكيل لكنه لا يريد أن يتقاعد بطريقة تفتح عليه باب الملاحقة القضائية." وبدون انقلاب عسكري كامل فليست لدى الجيش قنوات سياسية تذكر لتحدي قرارات مرسي بعد أن سلمه السلطة رسميا يوم 30 يونيو حزيران. لكن الجيش ليس بدون حلفاء أو طرق للضغط من اجل قضيته. وبإمكان المحاكم التي أبطلت إحداها وهي المحكمة الدستورية العليا قرارا لمرسي بعودة نشاط مجلس الشعب أن تتحدى القرارات الأخيرة. وقالت قاضية في المحكمة الدستورية العليا إن القرارات غير قانونية. وقد بدأ مرسي تقليم اظافر جهاز الدولة الذي أبقى حكاما مستبدين عشرات السنين في الحكم. لكن بعد أن أثبت أنه لن يكون لقمة سائغة فإنه يواجه الآن المهمة الأكبر التي تتمثل في تنفيذ الوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه للمصريين. وقال حامد "الواضح الآن للجميع أن مرسي سيكون رئيسا قويا وحازما وبالتالي أعتقد أنه حصل على ما كان يريد بسرعة." وأضاف "الآن عليه أن يتحول إلى الاقتصاد. الآن عليه أن يتحول إلى تحقيق تحسينات ملموسة في حياة الشعب."