مواكبة منهما للتطورات التي يعرفها المغرب، واستشرافا للمستقبل الذي تلوح تباشيره، نظم مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية وجمعية الفارابي للثقافة والفن، ندوة حول"المشاركة السياسية للشباب في أفق الانتخابات المقبلة"، وذلك بمركب التنمية البشرية بسيدي مومن بالدار البيضاء بحضور مجموعة من فعاليات المجتمع المدني والأساتذة الباحثين. قدم للقاء مسير الجلسة مصطفى عفيف بالحديث عن وضعية الانتخابات بالمغرب وما تعرفه من شخصنة وترويج للمشاريع الشخصية بدل الحزبية، وظلت تتحكم في إنتاج النخب معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وتعتمد لتسويق نفسها سياسيا على ما هو تقليدي. الأستاذ المختار بنعبدلاوي مدير مركز مدى اختار الحديث عن وضعية المشاركة السياسية بالمغرب، مشيرا إلى أن مركز مدى حمل على عاتقه منذ تبنيه الانفتاح على قضايا الشباب، مناقشة هذه المواضيع بحضور الشباب ليكون لهم الدور الفاعل في تأطيرها. ولفت الانتباه إلى أن تصور هذه الندوة طرح منذ السنة الماضية لاعتبارات من أهمها: تبني المركز لقضايا الشباب بالإضافة إلى المشاركة المخجلة للشباب بصفة خاصة ولعموم الشعب المغربي في استحقاقات 2007 بالإضافة إلى الأرقام المخجلة عن النسب التي تؤشر على مشاركة وانخراط الشباب في الأحزاب والجمعيات. وقد طرح الأستاذ المختار بنعبدلاوي مجموعة من الإشكاليات والأسئلة حول السر في حضور الشباب الباهت في الحقل السياسي، على الأقل إلى حدود ثورات الربيع العربي. مشيرا إلى أن أغلبية المغاربة يترددون ويستنكفون عن التعبير عن مواقفهم السياسية في القضايا الكبرى التي تهم الوطن والمواطنين. الأستاذ أسامة الزكاري في بداية مداخلته اختار التنويه بآليات الاحتجاج التي يعرفها الشارع المغربي ثم انتقل ليفسر حالة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية بالعودة إلى مرحلة من تاريخ المغرب عرفت انتكاسة وانحسارا على مستوى العمل السياسي كانت من نتائجه ترسيخ قناعات لدى الشباب بأنه لا جدوى من سياسة تعرف تزويرا وكان هناك إحساس كذلك بأن صوت الشباب لا قيمة له إذا كانت آليات المخزن تتدخل لترجيح كفة بالتزوير دون إقامة أي اعتبار لأصوات المواطنين التي تبقى صورية بالأساس. وأشار إلى أن حتى القطاعات الشبابية داخل الأحزاب السياسية ظل يهيمن عليها "الشيوخ" وبالتالي فالشباب لم يجد نفسه لا داخل مؤسسات الدولة ولا الإطارات الحزبية وبالتالي فالشباب لم ينفتح على النقاش السياسي بعد هذا الانحسار إلى في زمن الثورة التكنولوجية وتنامي مساهمة الشباب في المجتمع المدني. إذن فتجاوز حالة العزوف حسب الأستاذ الزكاري لا تتم إلا بالوقوف وتأمل كل الخطابات وكل الحركات الاحتجاجية التي يقودها الشباب التي لم تعد تحترم في عمقها أي سقف كما كان مع الأحزاب، بل إن شعارات "الشعب يريد إسقاط...." لم يكن أحد يرفعها بمستواها الثوري كما يرددها الشباب اليوم. الباحث في الحركات الإسلامية الأستاذ يوسف منصف تناول في مداخلته "الشباب الإسلامي بالمغرب والآفاق المستقبلية"، مكونات المشهد الإسلامي السياسي بالمغرب والمتمثلة في المكون الحركي، والمكون العدلي والمكون السلفي المعتدل. وقد عرج الأستاذ منصف على مراحل تاريخية منذ 1969 تاريخ تأسيس الشبيبة الإسلامية ليؤكد أن الذي أطر الفعل السياسي بالمغرب كلهم كانوا شبابا ومن بينهم"بنكيران، باها، يتيم..." مرورا بتاريخ تأسيس العدل والإحسان واندماج بعض أعضاء الشبيبة مع الجماعة وصولا إلى تاريخ تأسيس حزب العدالة والتنمية من بعض مكونات الشبيبة الإسلامية سابقا. كما تحدث الأستاذ منصف على أن العدل والإحسان حصرت تعبيراتها في فترة معينة على مستوى الجامعة فقط ومرت من مرحلتين على هذا المستوى، مرحلة صدامية مع الإدارة -إدارة الكلية- ومرحلة التفاوض مع الإدارة والحديث هنا عن شبيبة العدل والإحسان وإطاراتها بالخصوص. بعد ذلك ظهرت منظمات شبيبة أخرى على مستوى الجامعة من بينها منظمة التجديد الطلابي سنة 2003 على مستوى الدارالبيضاء أولا، وقد اختلفت أدوار هذه المنظمات بين التعبئة النقابية والتعبئة السياسية. كما تحدث الأستاذ منصف على أن المشاركة الأولى للعدل والإحسان في حركة 20 فبراير ظلت محتشمة لأنها كانت تعول على شبيبات اليسار. لكن مع تقدم الوقت في الزمن النضالي بدأت تبرز وتتبلور مواقف الجماعة داخل الحركة. الأستاذ يوسف منصف أشار إلى أن معظم قادة الثورة في أمريكا الجنوبية ذوي المرجعية اليسارية، إذا عدنا إلى قراءة تاريخهم ودراسته نكتشف أن مرجعيتهم كبرت في تربة دينية وكذلك حركة فتح الإسلام التي ظهرت في شمال لبنان فمكوناتها في البداية كانت ماوية، ليؤكد أن حركة 20 فبراير يتداخل فيها النفس الثوري بالنفس الديني. في الأخير وضع الأستاذ يوسف منصف سيناريو لمشاركة الشباب في السياسة مستقبلا متوقعا عدم مشاركة شبيبة العدل والإحسان في الانتخابات المقبلة وقال بأن هذا سيكون مأزقا بالنسبة للنظام لأنه يقصي الشباب، ومأزق للعدل والإحسان لأن مجموعة من الشباب من داخلها لهم رغبة في المشاركة. الأستاذ نادير باجوري وهو أستاذ باحث في العلوم الاجتماعية، اختار موضوع "الشباب وإشكالية المشاركة السياسية": عزوف أم تحول في أشكال المشاركة"..وأكد أن مقاربة هذا الموضوع تتطلب أولا تحديد مفهوم المشاركة السياسية الذي يتجاوز المشاركة في الانتخابات كمحدد للمشاركة السياسية، هذا الانتقال هو انتقال من مفهوم ضيق للمشاركة والمنطلق من المشاركة في الانتخابات إلى مفهوم أوسع وشامل يدمج جميع الأشكال غير الميثاقية كالمشاركة في الاحتجاجات والإضرابات واحتلال المؤسسات العمومية. إن فهم التحول الذي عرفته المشاركة عند الشباب المغربي - حسب باجوري- ينطلق فقط بمنهج كيفي اعتمادا على الملاحظة المباشرة وذلك لغياب دراسات سوسيولوجية على المستوى الكيفي، ما عدا القليل من الدراسة مثل الدراسة التي قامت بها جامعة الحسن الثاني بمشاركة مجموعة من الأساتذة (الطوزي-المختار الهراس- محمد عبد ربي) سنة 2006 عن"تصور الشباب المغربي للسياسة". والملاحظة المباشرة تكون بملاحظة ضعف انخراط الشباب في الأحزاب. وملاحظة أشكال التعبير الشفوي كالنكتة بالإضافة إلى انخراط الشباب في المجتمع المدني والابتعاد عن الأحزاب والاتجاه إلى الانخراط في الحركات الاحتجاجية. أما عن أسباب هذا التحول في المشاركة السياسية فيرجعه الأستاذ نادير إلى سياق العولمة الاقتصادية والاجتماعية وأزمة المجتمعات ما بعد الحداثية: أزمة الهوية، أزمة القيم. مما أدى إلى تحول في علاقة الأفراد بالدولة والمؤسسات الحزبية. هذا التحول في المشاركة السياسة واكب تحولا آخر عند الأحزاب في المجتمع السياسي من وظيفة التعبئة الاجتماعية إلى وظائف الدعامات الاجتماعية للدولة وغياب القوة الاقتراحية للأحزاب. مداخلات الحاضرين جاءت لإغناء النقاش وإضفاء المصداقية على الخطاب الذي يقول بعدم ابتعاد الشباب عن السياسة. مشيرا أحد المتدخلين إلى أن الحركات التي يقال عنها ظلامية وعدمية -على الأقل- تشتغل وتؤطر، بل يفوق تأطيرها تأطير الأحزاب. وتحدث عن ملامح السياسات الجديدة التي اتجه لها الشباب للتعبير عن احتجاجهم وتصريف أفكارهم انطلاقا من حركة نايضة التي تعبر عن رمزية العهد الجديد. البعض أشار إلى أن خروج الشباب المغربي إلى الشارع دحض فرضية عزوف الشباب عن السياسة.. لكن هذا ظل تغييبه من طرف الإعلام الرسمي والسياسات العمومية التي لم تستطع أن تخلق برامج قوية. إن الشباب لا يرى داع للمشاركة السياسية في ظل تواجد طبقة بيروقراطية هي التي تسيطر وتهيمن. هناك تساؤل من طرف المتدخلين عن السبيل لإيجاد وصفة سحرية لإعادة الحياة إلى الأحزاب، لأن التباشير فيها إخفاقات. لقد أجمعت مختلف المداخلات على أن المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة لا معنى له إذا كانت ستسمر نفس الممارسات التي كان يرعاها الدستور والتي تقدم من خلالها الحكومات برامجها الحزبية لكنها تشتغل وفق توجيهات الخطاب الملكي.. وبالتالي فالأحزاب ستكون مجرد كومبارس في خشبة لا تشارك في إخراجها الفني. لكن-حسب ذات المداخلات- فمشروع الدستور الجديد يعطينا أملا في تجاوز هذه الحالة. أشار أحد المتدخلين إلى أن سر تقارب الإسلاميين والعلمانيين يكمن في مصطلح "الدولة المدنية" ويجب على الباحثين أن يركزوا عليه ويوسعوا مفهومه. في الأخير تم التأكيد على أن المشاركة السياسية ليست عصا سحرية، بل يجب التأكيد على مساواة جميع الأحزاب في وسائل العمل والابتعاد عن التعامل الامتيازي وسياسة التهميش التي نهجتها الدولة تجاه بعض الأحزاب. ويذكر أن هذه الندوة التي نظمت يوم السبت 11 يونيو 2011 تهدف "إلى مساءلة المشهد السياسي في المغرب وأسباب عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، والنتائج المترتبة عن هذا العزوف. تم ما هو دور المجتمع المدني والإعلام في تغيير المشهد السياسي؟ وهل بالفعل ستساهم التحولات التي يشهدها المغرب من احتجاجات ومظاهرات في مشاركة الشباب سياسيا واجتماعيا وثقافيا؟ وما هو دور التعديل الدستوري في تعزيز مشاركة الشباب في الانتخابات المقبلة؟"4 ويعتبر مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية مدى الكائن مقره بالدار البيضاء منظمة غير حكومية تسعى إلى تعزيز قيم الديمقراطية والحكامة من خلال الاستثمار المعرفي و العمل الميداني للمساهمة في التحول الديمقراطي بالمجتمع.