منذ يومين أو أكثر وجدت في بريدي الإلكتروني رسالة من صديق سوري مقيم بلندن، يسألني هل تعرف المطرب رشيد غلام؟ استغربت من السؤال فما جمع الشامي على المغربي كما يقال؟ فبعثت إليه بإيميل استفسره عن مناسبة السؤال وخلفيته، فكان جوابه أنه حظر مهرجان «وطن يتفتح في الحرية» في الدوحة للتضامن مع الشعب السوري، وكان الفنان رشيد غلام من المشاركين في إحياء حفلاته، وتحدث لي عن إعجابه وانبهاره بصوت الفنان وروعته وإعجابه بالتزامه، وأسهب في الحديث عن الخامة والمساحات الصوتية، والإحساس العالي والشعور الفني المرهف ورقة الأداء و"السلطنة" والتمكن وما شابه من مصطلحات أهل الفن، وروى كيف أنه ظنه من بلد أسيوي كالهند وباكستان لاسمه "غلام" ولنحافته وسحنته، وتحدث عن أنه طينة نادرة من الفنانين اختفت منذ زمن الرواد صباح فخري ووديع الصافي وناظم الغزالي، وكيف أنه عبر من خلال الفن الطربي الأصيل عن قضايا كنا نظنها حكرا عن "الأغنية الملتزمة" كما أداها فنانون من أمثال مارسيل وجوليا بطرس وأميمة الخليل وغيرهم، وتحدث مطولا عن تجاوب الجمهور وتصفيقه وبكائه وصمته مع "تسبيحات ربانية"و"أدركنا يا الله"و"الموال الدمشقي" وأغنية "عاش الشعب"1، وكيف تحولت دار الأوبرا بالحي الثقافي "كتارا" إلى تسبيحة فنية حالمة حين شذا هذا البلبل الصداح الآتي من جبال الأطلس!!! المهم أني شعرت بالزهو والفخر البالغ، ربما لأنه ليس من السهل أن يسلم لك المشارقة بسبق المغاربة ولا تفوقهم، أو لأننا للأسف بتنا لا نملك ما نفخر به كمغاربة في هذا العهد الرديء، فسمعتنا صارت كالزفت وصرنا نخجل من مغربيتنا بسبب أفعال بعض السفهاء والسفيهات، لكني بقدر ما شعرت من الفخر شعرت بالأسف الشديد لأن سؤاله الأخير أفسد علي سعادتي، "خيو لماذا هو ليس معروفا عندنا -هون -في المشرق؟". "خيو" أخي بما أجيبك، أأقول لك أننا ننفق المليارات من أموال هذا الشعب المفقر العاري الجائع، نبذرها على إقامة مهرجانات بمواصفات عالمية وبحضور نجوم من كل القارات، ليقال أن المغرب كذا وكذا، ويغيب الفنان المغربي ويهمش الفن المغربي ولا نتذكره إلا إذا مات أو مرض فتسول الدواء والكرامة واللقمة، أأقول لك أن سياسة الثقافة وتسويق الفن والتعريف بالفنانين عندنا كسيحة ككل السياسات، بالله عليك قل لي من تعرف من الفنانين المغاربة في الموسيقى والغناء والمسرح والرسم والنحت والشعر والسينما حتى تعرف "رشيد غلام"، فرشيد غلام يتشاطر كل ما سلف من تهميش وإقصاء مع سائر الفنانين المغاربة، ويزيد عليهم بأنه رفض أن يدخل حظيرة الخرفان، فقطعوا حنجرته معنويا كالقاشوش عندكم، لأن ديكتاتوريتنا في المغرب خضعت لقانون التطور الذي استعصت عليه ديكتاتورية البعث فهي أكثر تحظرا، تقتل برحمة وهذا هو الفارق، فهو ممنوع من الإعلام كقلة أخرى من الفنانين، ممنوع من الفضاءات العامة كالمسارح والمعارض، ولاحقه المنع إلى تونس ابن علي ومصر مبارك بطلب من السلطات المغربية، والسبب أنه قال:"عاش الشعب" في بلد يعيش الأثرياء والكبراء ويحتضر الشعب فيه كل يوم ويموت البسطاء، لأنه اختار أن ينتمي إلى جماعة مغضوب عليها وعلى زعيمها وعلى أعضائها، لأنهم قالوا:"نموت نموت ويحيا الوطن"، فشارك في مسيرات الشعب واحتجاجه والتحم به وغنى لحراك 20 فبراير، وغنى للمهمشين والمفقرين. القصة ذات شجون قد تأتي المناسبة فأحكيها لك بطولها يا "خيو". أما أنت يا رشيد غلام فرغم الاختلافات، ورغم الملاحظات، ورغم الانتماءات، شكرا لك فقد شرفتنا حقا، وفعلت ما لم تفعله هذه الدبلوماسية الكسيحة، نبت عنا وكنت ضمير المغرب وصوته بحضورك فشكرا لك، فقد قالوا عنك مغربي وهذا يكفينا ويكفيك. -------------------------- ** [email protected] 1http://www.youtube.com/watch?v=9OOMau2dvoI&feature=relmfu