تشكل التجربة التشكيلية للفنان والخطاط المغربي محمد الفقير احد التجارب المغربية والعربية المضيئة، التي تبحث لها عن كوة ضوء فني جميل تضيء باستمرار، وذلك من خلال الاشتغال على تيمة الخط العربي في كنه اللوحة التشكيلية المفعمة بفيض من المسحة التجريدية والسوريالية. والواضح آن أعمال الفنان التشكيلي الفقير، الذي يقيم معرضا دائما في الهواء الطلق بشارع الفنون التشكيلية بالرباط" ساحة الزهور سابقا"، أعمال سخية بالإيحاءات الفنية والرومانسية، التي توحي بان للوحة قدسيتها وروحيتها، فضلا عن نخوتها الإبداعية التي تجعل من الفن التشكيلي في حضرة الفنان الفقير، إبداع شريف، له ثراء من الرقة الصوفية، التي تحيل الفن الى خشوع، ضريح اخضر، وقبة بيضاء، وتلاوة لآيات من الفيض الصوفي، الذي يمتزج فيه الشعري، بالروحي والقدسي. اهداف سامية ونبيلة في هذا السياق فالرائي لأعمال الفقير والمتأمل فيها مليا، يقف على حقيقة واحدة، وهي ان الفن التجريدي حين يلتقي بالخط العربي، تتحول اللوحة إلى قصائد شعرية لها الكثير من الحس الصوفي الجميل، مما يجعل أعماله لوحات تلقى الكثير من التقدير والاحترام من قبل الجمهور والمتلقي، وبخاصة ان الفنان يدرك جيدا الاشتغال على هذه التيمة، تستمد قوتها من دراسة الموضوع دراسة جيدة، ومعرفة بأصول الخط العربي والإسلامي، ومسيرته وتطوره، فضلا عن الفنانين والخطاطين المغاربة والعرب الذين اشتغلوا على مثل هذه التجربة من اجل اغناء حقل الفنون التشكيلية والخروج عن طاقة الفن التشكيلي الروتيني المعروف. في هذا السياق يعطي الفنان للخط في لوحاته ثقافته الخاصة وهويته، وذلك من خلال جعل اللوحة تعطي انطباعات مميزا، مهما تجاذبت فيها رائحة الألوان وحركة الريشة التي تهدهدها عروش الحروف يمينا وشمالا. ان المرمى من توظيف الحرف العربي في اللوحة التشكيلية لدى الفنان، سامي ونبيل، ويحمل رسالة رفيعة، مفادها ان اللوحة التشكيلية مهما فاضت بزينتها، وألوانها السخية في الضوء، تبقى فضاء تتجاذب فيه الكثير من الرؤى والأحلام، والأفاق، والأحاسيس، التي لا يحس بقوتها إلا الفنان، في حين يظل المتلقي القارئ الثاني للوحة، يدرك هو الآخر، ان التأويل الذي يوجده مهما كان سيمائيا أو ذو طبيعة مباشرة، قادر على خلخلة ذاكرة اللوحة، وإعطائها فسحات رقيقة من الشاعرية والإبداع الخالص الذي يتوحد من خلاله اللون والحروف، والأحلام. زهو ألوان دافئة هكذا تعبر لوحات الفقري من خلال الاشتغال على تلك الطريقة، عن الكثير من المواقف والقضايا، ذات البعد الكوني والإنساني والجمالي، والقدسي، والصوفي والشعري، والتراثي، فضلا عن توظيف، كل ما له علاقة بالفسيفساء، والهندسة المعمارية، مما يجعل لوحاته المزهوة بألوان البنفسج، والدفء، تحمل الكثير من الجرأة المعرفية والفينة للتعبير عن مكونات ذاتية، وميكانيزمات مجتمعية وإنسانية، وأدبية تتماهى مع الحرف هنا، وهناك تصنع من سحرها، أضرحة شريفة، فيها الحرف يكون سيدا، فيما الألوان فراشات بهية، ترقصه من كل الزوايا. في هذا الإطار يؤكد الفنان الفقير، انه تأثر بالعديد من الفنانين المغاربة والعرب والأجانب، والحروفيين التشكيليين، ومنهم الخطاط المغربي الشهير محمد أمزيل، والسويسري بولكلي، موضحا ان استعمال الخط العربي في اللوحة التشكيلية، إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب، كان فيه إشارة قوية إلى التعبير عن الكثير من القيم والأحاسيس والرؤى التي تميز الفنانين، في وقت كان فيه التعبير المباشر صعبا ومحظورا. ولفت إلى ان هذا المجال تألق فيه العديد من الأسماء العربية، منهم المصري حميد المصري ، والسوداني احمد شبرين، والجزائري رشيد القرشي، والتونسي نجا الهداوي، فضلا عن فناني الهلال الخصيب كجواد سليم وفائق حسن، ووجيه نحلة، وجميل حمودي، ومن المغرب، هناك عبد الله الحريري، والشرقاوي والمهدي قطبي، وغيرهم. يستعد لمعرض جديد كما أكد فقير الذي يحترف الخط والرسم معا، انه أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية، كان آخرها مشاركته في المعرض الوطني للخط العربي بمدينة الدارالبيضاء السنة الماضية، ويستعد لإقامة معرض جديد، يتضمن آخر أعماله الفنية برواق النادرة بالرباط قريبا، ان اعتماده على الخط في اللوحة، وبخاصة الخط المغربي، نوع من الإبداع الخالص، وتحقيق لنوع من التميز والتفرد، مما يجعل الفن التشكيلي، هو الفن الذي يجب ان يحمل بصمة ورسالة، وهدفا، بعيدا من الاستنساخ، والمحاكاة، التي لا تفضي بالفنون التشكيلية إلا إلى الميوعة، والابتذال، وهو الأمر الذي يجب ان يعيه الكثير من الفنانين الذين يحاولون ان يعيشوا دائما داخل عباءات الآخرين، مما يجعلهم يغرقون في التكرار، بلا تجديد، وبلا تميز او إبداع. قيم المحبة والسلام من هنا تظهر في أعمال الفقير الكثير من التجليات الروحية والصوفية والفلسفية، وهي قيمة لها الكثير من الاشراقات التي يضيئها الحرف العربي، اشراقات تنتصر لعوالم روحية وقدسية، بتقنية احترافية، تمزج بين الفني والحروفي، وهو ما يعطي لأعماله نوعا من الثراء الساحر، والانتشاء الفني الذي يستشعره الملتقي وهو يتطلع للوحاته مبتسما. ثمة سحر ألوان دافئة، وبهاء حروف تتهادى كأوراق زهرة اللوتس في حديقة شعرية غناء، ثمة روعة تفيض من أنامل الفنان الفقير، ترسخ لقيم المحبة والسلام والتسامح، والفيض الشاعري والوجودي، انه نوع من التماهي البهي مع الفن في أبهى تجلياته الطاهرة، مما يجعل أعماله نوعا من الفلسفة الفنية التي تحتفي بكل ما هو تراثي وهوياتي وقدسي، وعربي أصيل. ان تيمة الإبهام والغموض في أعمال الفقير، لا تطرح الإشكال بالنسبة للمتلقي، بل إنها بلاغة فيها الكثير من الدلال الفني الجميل، والرقة الشاعرية، التي تحكي بالحرف ألف قصة وقصة، نابعة من عمق التجريد المحبب. في لوحات الفقير يدرك المتلقي قيمة القلم والحرف، وكلمة" اقرأ"، وقيمة اللون، الذي يعطي لكل مساحة سحرها ونقاءها، وهو ما يجعل الفقير من الفنانين المغاربة الذين برعوا، وأبدعوا وتألقوا، ورسخوا لهذا الأسلوب الجديد في الحياة التشكيلية المغربية، أسلوب كشف القناع عن تجلي صوفي طاهر، تتناسق فيه الألوان بحركة الريشة، وزهو الحروف، لتكون الممارسة التشكيلية عنده فنا للعيش النبيل، مصاغة في قالب جميل، يحمل الكثير من المعاني السخية، والمرامي النبيلة، التي ترسخ لقيم الجمال والشاعرية والهوية والحياة والفن الهادف العالم. إبداع على القماش والجلد يذكر ان الفنان محمد الفقير من مواليد مدينة الرباط عام 1971، شغف بالحرف والرسم منذ نعومة أظافره، ورغم حصوله على الإجازة في القانون، لم يمنعه من مسايرة تجربته التي أثمرت العديد من المعارض المتميزة، التي قوبلت باستحسان وسائل الإعلام والمتتبعين، لما لها من إيحاءات وعلامات التجديد والتميز. ويظل هاجس الفقير الكبير هو توظيف الحروف والخط في لوحته التشكيلية، مما يجعل من أعماله، تنتج فيضا من الأناقة الفنية والسحر الشريف، كما ان اشتغاله أيضا على الجلد، أعطى لتجربته الفنية أفقا آخر، يفتح على إبداع جديد، وحروفية خاصة تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، وحقق له الكثير من الانجذاب الفني الجميل، داخل نسق اجتماعي وتراثي، له امتدادات تاريخية ومعرفية وأدبية جمة، وذلك من اجل الإجابة عن الكثير من الأسئلة المؤرقة، وبخاصة سؤال الهوية، واللوحة التشكيلية كفن، وذات إبداعية معاصرة قائمة.