ما تبقى من روحه المرحة داسته النظرات والهمسات، بياض شعره يرمق من بعيد، عيروه بالشيب ظنا منهم أنه بلغ من الكبر عتيا،لكنه بقايا شعور،بقايا طموح تلاشى، بقايا إنسان ... ابتسامته التي يحسبها البعض سر جماله تخفي ورائها أكواما من الحزن ،حزن على أعوام امتزجت فيها الشكوى بالضجر،الروتين بالشفقة،صفعات من المجهول ومن طموح تبدد،مثقل بخيبات الأمل، يزعجه فراغ جيبه، عاطفته، لكنه اعتاد على الأمر، كلما طرق باب شركة أو اجتاز امتحانا للحصول على وظيفة تعترض طريقه عبارة " يؤسفنا"، عشرة أعوام مرت وحياته متوقفة على هذه الكلمة،شبح التأسف على وظيفة لم يطلها وعلى حبيبة لم يحظى بها يطارده صُبح مساء وفي كل الفصول الأربعة،لالشيء إلا لأنه عاطل، يمضي ولسان حاله يقول، كما قال محمود درويش من قبله : - أو أنت ثانية ألم أقتلك؟ - بلى قتلتني ولكني نسيت مثلك أن أموت فكيف لشبح أن يموت ومخالبه ملطخة بدماء آمال العذارى وأهات الشباب الحيارى، كيف لشبح أن يموت ،وهو يرقب ذات الجديلة تتخرج من المعهد ،الجامعة، أيا كانت المسميات، كي يقتص من شعرها ضفيرة ضفيرة،وتذبل أمام عينيه، وهي تصارع الزمن علها تحصل على وظيفة، فشل في الحصول عليها من قبلها، ومن بلغ منها شبح العطالة والعنوسة مبلغه. كيف لشبح أن يموت وقد حوله أهل الساسة والسياسة رقما، كابوسا يكاد يكتم كل الأنفاس، مخطئ من يظن بنفسه عاطلا عن العمل، هو عاطل عن الفرح وعن الحياة وعن كل ماهو جميل فيها. خرج الزواج من أجندة ذات الجديلة وأيقنت أنها لا محالة ستحشر في زمرة العزاب،فقد مضى ثلث عمرها في انتظار المجهول، فلا حلما بالوظيفة حققت، ولا زواجا أدركت، فقط أجادت التطبيع مع العطالة والعزوبية بامتياز،علها تدخل كتاب جينز للأرقام القياسية، في التطبيع مع زواج (بينها وبين شبح يطاردها) طوال سنين تخرجها، أجمعت القيم على استحالته باسم العرف وباسم القانون وباسم الإنسانية. شباب في ريعان الزهور يحتضرون، وأهل الساسة يحصون، "بلغت نسبة البطالة لهذه السنة 9 بالمائة، نترقب انخفاضها بنسبة 2 بالمائة السنة المقبلة"،"لقد تمكنا من خفض نسبة البطالة إلى 5 فالمائة بالمقارنة مع السنوات الماضية." ،شمعة الأمل ذوبت في فنجان الشباب المغربي العاطل قطعتين من الانتظار والاحتضار،وفي دم أهاليهم ذوبت وردتين من الأمل الضائع والحلم الشارد، لم تكن العطالة اختيارا له ولا العزوبية مخططا لها،منهم من قضى نحبه في دهاليز النضال والاعتصام ،عل التوظيف المباشر يحقق به مغنما ولسان حاله يقول:"أنا مغربي أنا،بالهوية والسلالة،استحالة استحالة أن أرضى بالعطالة" تأكيدا منه على الفخر بالهوية والاعتزاز بالانتماء، حتى لو كان ثائرا غاضبا في وجه من سرقوا أحلامه وطموحاته. ومنهم من ينتظر تخليق الوظيفة العموميةعله يحقق بها مغرما ،ومابين التوظيف المباشر والتخليق شعرة معاوية،فهل ستتمكن حكومة بنكيران من الكف عن التعامل مع هذا الملف الحساس بمنطق الأرقام، لأن الأرقام لا ترد مظلما ولا تعيد ابتسامة لأم نزفت دموعا على ابنها العاطل، ولا لفتاة سرق حلم الوظيفة عمرها وحلمها في أن تصير أما ،كما عودتنا الحكومات السابقة، أم ستتمادى في تكريس سياسة الإقصاء والتسويف، لكن بطعم مختلف ونكهة مختلفة، تغلفها بهارات دينية، لإسكات أفواه المكلومين ضحايا البطالة.