مجلس حقوق الإنسان بجنيف يعتمد قرارا قدمه المغرب بشأن تمكين النساء في المجال الدبلوماسي    مهندسة مغربية تفضح مسؤولاً بارزاً في مايكروسوفت خلال احتفال رسمي: تدعمون إبادة غزة    الأسرة الكروية المغربية تودّع محسن بوهلال بكثير من الحزن والأسى    رسميا .. باريس سان جيرمان يتوج بالدوري الفرنسي    "الماط" يقصي الوداد من كأس العرش    دورو يطفئ حلم الليغا في اللحظات الأخيرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    أداء أسبوعي خاسر ببورصة البيضاء    ندوة صحافية لتقديم النسخة الثامنة من ماراطون الرباط الدولي    رحلة ترفيهية في القطب الجنوبي تقيل نائب الرئيس الإيراني    فيديو على مواقع التواصل يطيح بلصّين في سلا    إقليم شفشاون.. أربعيني يُنهي حياته في ظروف غامضة    العثور على جثة اربعيني تطفو فوق مياه بحيرة مارتشيكا بالناظور    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    مركز يدعم التمدرس في وضع إعاقة    فيديو يوثق استهداف إسرائيل لمسعفين    انطلاق الدورة الربيعية لموسم أصيلة الثقافي الدولي بمشاركة فنانين من سبع دول    الفئران قادرة على استخدام مبادئ الإسعافات الأولية للإنعاش    دعوات للمشاركة المكثفة في مسيرة "الرباط الوطنية" للتنديد بالمحرقة المرتكبة في غزة    "لارام" والموريتانية للطيران تبرمان شراكة استراتيجية لتحسين تجربة السفر    ترامب لا يمنح الهدايا.. لماذا لا يمكن للمغرب أن يعوّل على حرب تجارية غير متكافئة؟    سفير جمهورية السلفادور: المملكة المغربية تعد "أفضل" بوابة للولوج إلى إفريقيا    عرض مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في المغرب خلال ملتقى بباريس    المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة يتعادل مع نظيره الكيني    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع انتشار الوسطاء والشناقة داخل الأسواق    ماذا بعد استقبال مجلس الشيوخ الفرنسي لحكومة جمهورية القبائل؟    الركاني: من يدعم فلسطين توجه له تهم جاهزة وعواقب وخيمة ستلاحق كل من تواطئ لجعل غزة مسرحا للجريمة    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز 3300 قتيل    شركة "رايان إير" تُسلّط الضوء على جوهرة الصحراء المغربية: الداخلة تتألق في خريطة السياحة العالمية    وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة    في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على إيقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"    "نفس الله" عمل روائي لعبد السلام بوطيب، رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    'مجموعة أكديطال': أداء قوي خلال سنة 2024 وآفاق طموحة    بيل غيتس: 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي    المغرب يعزز جاهزيته الأمنية لتنظيم كأس العالم 2030 وكأس إفريقيا 2025    إسبانيا.. العلاقات مع المغرب من بين "الأقوى عالميا" ولا تقارن إلا بالعلاقات الأمريكية البريطانية    عاملة نظافة ضحية "استغلال بشع" بأجر 250 درهم شهريا    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    مغاربة يطالبون بإلغاء الساعة الإضافية (فيديو)    مولر يعلن الرحيل عن بايرن ميونيخ    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    فشل محاولة ''حريك'' 3 لاعبين من المنتخب الأوغندي للفتيان خلال إقامتهم بكأس إفريقيا بالجديدة    مشاركة مغربية بصالون الفرانكفونية    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    شراكة ترتقي بتعليم سجناء المحمدية    المغرب فرنسا.. 3    أمين الراضي يقدم عرضه الكوميدي بالدار البيضاء    النيابة العامة تقرر متابعة صاحب أغنية "نضرب الطاسة"    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمي و الضفيرة
نشر في العلم يوم 22 - 09 - 2011

وقفت أمام المرآة، تتأمل ربيعها السابع عشر.و كأنها تطالع وجهها في المرآة لأول مرة. بحثت في البحيرة المعلقة أمامها، عن الطفلة التي دأبت ملاعبتها على ضفافها، فوجدتها تنسحب في خفر، متخفية وراء غلالة عمر ندي آت . كانت سمات الطفولة ما زالت لم تغادر المحيا الغض، بينما ملامح أنوثة فائرة بدأت تزحف فوق جسد ما زال يبدع أفنانه. خليط من الأحاسيس الوليدة ملأ عليها كوامنها. غمرها فيض مزيج ما بين الغبطة و الخفر و عذرية التحولات الوافدة. سافرت المقلتان المتقدتان بالحياة الطرية، عبر قسمات الصورة السابحة في نور زجاج المرآة ، لتنسحب في فضول فوق النهد النافر هو الآخر في استحياء .استمرت الحدقتان في عملية مسح الجسد، المقابل للمرآة ، غير أن فضولهما امتد. تريدان أن تستكشفا جغرافية الظهر. استدارت نصف استدارة، و لوت رأسها إلى الوراء، و الحدقتان ما زالتا تقدحان فضولا. استدارة الرأس الصعبة، حركت الضفيرة من موقعها على الظهر. اكتشاف آخر انبلج على وجه المرآة، ضفيرة، سنبلة ذهبية، حزمة ضوء، أنارت الوجود من حولها.مدت يدها إليها ، كأنها تمسكها لأول مرة. كأنها لأول مرة تدرك أن هذه الضفيرة لها، و أنها تخصها هي وحدها. أخذتها بين يديها . نقلتها من موقع إقامتها الدائم، و مدتها أمامها في حنو، مسحت فوقها بأناملها الرقيقة .و كأم تهدهد طفلها الصغير، قبل أن تضعه في فراش نومه. قاومت إعجابها الوليد بضفيرتها ،و أعادتها إلى موقعها فوق الظهر. لكنها لم تستطع من أمام المرآة حراكا.تملكتها فكرة مجنونة ، انعكس تأثيرها على محياها، استحيت من المرآة التي فضحت ما اعتراها عندما التقت بضفيرتها،و بعدما رصدت ذلك اللقاء و دونت وقائعه،ترددت خجلا ، لكن الفكرة المجنونة، جعلتها تتخلص من وطأة الاستحياء، في دقائقها الأولى ، فاستبدت بها. كانت الضفيرة المستلقية فوق ظهرها ، رغم غفوها المصطنع، تومئ لها من جانب خفي، أن احلقيها. و توحي لها أن الخطوة تستحق المجازفة. و أن هذا الأمر يخصها وحدها. و أن فعلها هذا سوف لن يضير أحدا في شيء، و أن.....و أن....و أن.... حديث جريء يجتاحها لأول مرة في حياتها.لم تستطع الانفلات من براثن منطق أحكم قبضته على فكرها. و مشروعية جمالية، لم تدع لها أي خيار غير التنفيذ.
امتدت اليد في ثقة إلى الرقبة، حيث يبتدئ مرقد الضفيرة، فحولت خط امتدادها الى الأمام . سالت الضفيرة فوق النهد كشلال منهمر، بعدما كانت ممددة فوق الظهر المستكين أشرق بداخلها بريق جديد الحمولة، بينما طيف ابتسامة جيوكندية ، يغالب ولادة صارخة. وشت المرآة بحمرة خدين ، أفرخها ألق اللحظة الوردية.انتشلها من نشوتها صوت باب حجرتها الذي فتح. في الحقيقة أفزعها دخول أمها. لم تستطع أن تجزم هل طرقت أمها الباب ، قبل أن تفتحه أم لا ؟ و هل نادتها أم لا...؟ لأنها كانت في دنيا غير الدنيا .و قبل أن تسترد حضور اللحظة، كانت أمها قد التقطت الصورة من المرآة.
ارتعش جسدها الطري، تحت وطأة الكامن فيها، و الذي أيقظه دخول الأم المفاجئ . على جبين الأم ارتسم رعب العالم، و في عينيها انصبت مخاوف السنين.استفاقت من صدمة الرعب، و ضفيرتها ما زالت غافية فوق النهد الربيعي. وحده ظهرها كان يملأ صفحة المرآة هذه المرة. و جدت صعوبة
و عسر في البحث عن شبح ابتسامة، ترسمها فوق شفتيها المرتعشتين، تخفف بها ثقل اللحظة.حاولت إخفاء حرجها خلف قناع بلادة مصطنعة. العنف يملأ وجه الأم. تكهنت أن كل خلية في جسمها الآن تزمجر حانقة ، و أنها حيرى لا تدري كيف يمكن لها أن تفجر غضبها هذا و تبرره.
لم تستطع الأم أن تصمد طويلا، تحت سيطرة الصمت، فسرعان ما امتدت يدها نحو الضفيرة، في
غلظة غير معتادة. انتزعتها من فوق النهد الغافي، فتطايرت سكينته شظايا، ذرتها رياح الخوف.طوحت بالضفيرة فوق الظهر الذي كان غارقا في بروده . انتفض كان وقعها فوقه كالسوط. قاوم دبيب ألم
خفيف سرى في فقراته إلى أن تلاشى،ثم ما لبث أن عاد الى استكانته.
هزها هول الموقف، لم تدر كيف و لماذا تمكنت أمها، من إعادة ضفيرتها إلى وضعها فوق ظهرها. ظلت معاول فضول ساذج تنكث موروثها الأخلاقي، تحاول أن تصل إلى تفسير ما جرى، بينما أدخل الزمن اللحظة المنفلتة من ربقته، مختبر العمر. كان اقتناص الفعل الأنثوي داخل المرآة من قبل الأم، أصاب لحظة ولادته بندوب الانفعال.مرت ثواني كأنها الدهر، و الصبية تمثال شمع يوثق للحظة ذعر مثالية. اجتاحتها فكرة كانت لها طوق نجاة في لجة نهر الرعب. الكراريس... نعم الكراريس الملقاة على حافة سريرها. انقضت عليها. التقطتها. احتضنتها بقوة. ضمتها لصدرها، تستمد منها بعض القوة، حتى لا يفتضح سر ما بها من جزع.شدت الجسد الطري حتى تخشب، و تضاءلت تضاريسه، تريد من وراء ذلك ، أن يمكنها حجم الجسد المتحول ، المروق من الفتحة الضيقة، المتبقية من باب الحجرة، الذي يملأه جسم أمها المتصلب هو الآخر دون حراك. انطلقت كالسهم، وهي لا تصدق أن أمها لم تمسك بها و لم تسألها.
عادت الضفيرة إلى الاستقرار في موقعها فوق الظهر، و لم تستقر هواجس الأم المذعورة .غاص الكلام على شفاه الأم ، و خيم شبح عنف يرسم خطوطه فوق وجهها. مرت عليهما أيام باردة وقاسية. فارقت الصبية طفولتها، دون أن تتمكن من وداعها. توقف الحلم تحت أجفانها، و احتضرت بين حناياها، الفرحة الجنينية. احتضن الصبية قبو العقاب الغامض. أصبحت الأم كتومة و صارمة. أظلتهما غمامة حزن بليدة.
علا صوت المزمار يعوي ، و ارتفع دوي الطبل ، يعلنان دخول العرس مرحلته الأخيرة، و أن الأم كتب لها ما أرادت، و أن ابنتها ستودع صندوق العفة في أمان. أسدلت الصبية بصرها على الضفيرة المشطورة نصفين، فوق الصدر المغلول بشرائط لؤلؤية زائفة، ثم أغمضت عينيها في استسلام. لم تدر ماذا توارى في العدم، أهو الجسد؟ أم الروح التي في الجسد؟
جفت الغيمة في سماء العمر الوليد، قبل أن يستقطرها رحيقا لمباهجه. انزرعت الهواجس رعبا، على أطراف حدود الجسد ، فطوقته رياح الخوف، و ما عاد للسكون به ملاذ. صنعوا ،حوله ، خرافاتهم
كما شاؤوا. أبجديات تمجد عذرية محنطة ، و عفة مغتصبة، و تبني للعنوسة أقبية بلا نور. كأن استدارة
حلقة تاء التأنيث غير كافية للإمساك بكل أطراف الذات. اختصرت المصائب أنثى. و أعطي صك الكيد
للأنثى. و لم تسأل الأنثى عن أناها. لكن الصبية تساءلت كيف تعمد الأنثى بالقداسة بمجرد ما تصبح أما؟
استقبل البيت العروسين في أول زيارة لهما لبيت العائلة، كان طقسا احتفاليا، غير في عين الصبية معالم
الوجوه و المكان.استراحت الصبية في مجلسها،عانقت نبض الطفولة الثاوي فيه. تنسمت عبق حلم كان يصعد صافيا في الأفق.سحبت في تثاقل متعمد ، المنديل من فوقت رأسها.لمعت خيوط الشعر الذهبي تحت وهج الأضواء . استوت في مجلسها يلفها هدوء فولاذي، بينما نشوة لئيمة تتغلغل في صدرها.صوبت نحو أمها المستسلمة لسعادتها، نظرات فضولية و فاحصة. كانت تنتظر وقع حدث ما على المشهد.كانت تتحرق توقا إلى حضور لحظة ما. أخذ الكلام الأم لحظات طويلة بالنسبة للصبية، إلى أن أخذتها موجة الحديث صوب ابنتها، لتناولها نصيبها من الثرثرة المباحة لها الآن . تسمر بصر الأم. ابتلعت الصدمة بسمتها.عربد الصمت في المقل. تقاطعت النظرات لثواني، ثم أخذت كل واحدة طريقها. واصلت نظرات الأم رحلتها نحو مسقط الضفيرة. غابت الضفيرة.بينما بدأت نظرات الصبية ترصد ارتسامات محيا الأم لمصرع الضفيرة.ارتد بصر الأم محملا بالخيبة. تبدأ عملية الرجم بالنظرات تنطلق من الأم نحو ابنتها.ظلت النظرة المنشدة إلى موقع الضفيرة الفارغ، تصارع الانفعالات . صمتت الأم بقوة اللحظة، بينما انهمر سيل الكلام داخل الصبية :
_ آسفة أمي ، تخلصت من الضفيرة بعدما غادرت البوابة الكبيرة، ولم أشبع بعد من مراتع رحابها. و قبل أن تكبر البوابة الصغيرة، التي قذفت فيها. و قبل أن يسيجها الصبار و العوسج ،قررت أن لا تذهب
نفسي عليها سدى. سوف أفتح النوافذ و لن أبكي. ألم يقل الشاعر « ان البيت أجمل من طريق البيت؟»1
آسفة أمي من عدمي سأمشي2
سأغير مجرى الأساطير القديمة ، سأجتاز أسيجة النهد و الخصر و الضفيرة، و أعدو نحو حلمي الذي لم يكتمل.
من قصيدة «مأساة النرجس و ملهاة الفضة» للشاعر محمود درويش
_من نفس القصيدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.