ندوة بالقصر الكبير تحتفي بذكرى زيارة الملك محمد الخامس لطنجة    حزب الاستقلال يدعو إلى تقوية الشفافية في المعاملات التجارية وملاءمة قانون حرية الاسعار وحماية المستهلك    تفاصيل الاجتماع بين النقابات ووزارة الصحة لتنفيذ "اتفاق يوليوز" الموقع مع الحكومة    الطالبي العلمي في افتتاح الدورة التشريعية الثانية: مطالبون بمواصلة الحضور المنتج وتقدير المسؤولية على اختلاف مواقعنا في المعارضة والأغلبية    ضبط أزيد من طنين من الأسماك غير الموثقة في الداخلة ومطالب بتشديد الرقابة    قيوح: أمن الطيران المدني بمناطق النزاع يتطلب مقاربة جماعية    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    الصين تقول إنها سترفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125%    اتهامات للمؤثرة الشهيرة "ميس راشيل" بتلقي أموال للترويج لحماس    ليفربول يعلن تجديد عقد نجمه المصري محمد صلاح    نبيل باها يشيد ببلوغ أشبال الأطلس نصف نهائي "الكان"    بطولة إسبانيا.. أنشيلوتي وريال مدريد تحت المجهر وبرشلونة للابتعاد    إجراء قرعة جديدة لكأس أمم أفريقيا للشباب بعد التحاق تونس    في غياب الجماهير .. من يحسم صراع الدفاع وشباب المحمدية؟    أجهزة معلوماتية مهربة تقود عشريني للاعتقال بأكادير    الاحتكار آفة الأشْرار !    ظروف مادية تُؤجل الدورة الثلاثين من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    طنجة.. القطب الحضري والاقتصادي الثاني في المغرب، بدون جامعة!    بني أنصار تستعد لعملية مرحبا 2025 ب "إصلاحات"    المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين جرائم الجيش الجزائري بمخيمات تندوف ويدعو لتصنيف "البوليساريو" كمنظمة إرهابية    الذهب يسجل مستوى قياسياً مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة    نجاة الرجوي: "مشاركتي في حفل تكريم عبد الوهاب الدكالي شرف كبير"    هذه تفاصيل استعدادات الوداد للديربي    ارتفاع قياسي جديد للذهب    تشديد عقوبة لص متسلسل في الحسيمة    تأهل المغرب وبوركينا فاسو الى الدور نصف النهائي لكأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    الخارجية الأمريكية تبلغ دي ميستورا بأنه لا حل لنزاع الصحراء خارج السيادة المغربية    أسعار النفط تتراجع بشكل حاد مع تأثر السوق بالحرب التجارية    مصرع ستة أشخاص بينهم أطفال بسقوط مروحية في أمريكا    وفاة مدرب ريال مدريد السابق الهولندي ليو بينهاكر عن عمر 82 عاما    بنسعيد يدشن جناح المغرب ضيف شرف مهرجان باريس للكتاب 2025    توقيف مواطن فرنسي- جزائري في الدار البيضاء مطلوب للقضاء    السياحة المغربية تحقق نمواً استثنائياً في الربع الأول من 2025    جامعيون ومسؤولون سابقون يرصدون صعوبات الترجمة بأكاديمية المملكة    عراقجي في الجزائر .. هل تُخطط إيران للهيمنة على شمال إفريقيا عبر قصر المرادية ؟    طعنة في القلب تنهي حياة مراهق بطنجة    تفكيك لغز جثة سد أسمير بالفنيدق.. وفاة بسبب جرعة زائدة وتوقيف 5 مشتبه فيهم        فضيحة للوزير السكوري.. خبير سيبراني حذّر من ثغرة خطيرة بموقع وزارة التشغيل قبل "تسريبات جبروت" بخمسة أيام        بايتاس: الهجمات السيبرانية على مؤسسات حكومية "إجرامية" وتستهدف التشويش على نجاحات المغرب الدبلوماسية    لليوم الثالث... آلاف الطلبة يتظاهرون دعما لغزة ورفضا للتهجير    10 حقائق عن استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية والاجتماعية!    أكثر من نصف الأمريكيين ينظرون سلبيا لإسرائيل.. استطلاع جديد يكشف تداعيات حرب غزة    مسؤول إسباني .. التقارب الثقافي وسيلة ممتازة لتعزيز العلاقات المغربية الإسبانية        السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغربية ماغي كاكون تكافح لتكون أول امرأة يهودية في برلمان بلد مسلم
نشر في أون مغاربية يوم 24 - 11 - 2011

تخوض المرشحة المغربية لانتخابات البرلمان ماغي كاكون تحديا بأن تكون أول امرأة يهودية تصل إلى قبة برلمان بلد مسلم. كفاح ماغي يكتسي تحديا مضاعفا في سياق ربيع مغربي له مسار خاص، كما ترصد مراسلتنا في المغرب .
"سهلا وأهلا بيك يا النحلة..."مستهل أحدث أغنية لفرقة ناس الغيوان المغربية الشهيرة، تصدح ألحانها في كل ركن من أركان قاعة "دار المواطن" بمدينة الخميسات (80 كيلومترا غرب الرباط) حيث يجري اجتماع لحزب الوسط الاجتماعي خلال حملة الانتخابات التي يشهدها المغرب يوم الجمعة (25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011)."النحلة"رمز هذا الحزب الذي يرشح على رأس قائمته النسوية أول امرأة يهودية مغربية.
رافقتها من الرباط إلى الخميسات، والتقينا في "التقدم" أحد الأحياء الشعبية في الرباط. ما هي سوى لحظات حتى وصلت سيارة سوداء رباعية الدفع نزلت منها سيدة أنيقة في عقدها الخامس. ما لبث أن تحلق حولها ثلة من شبان الحي قبل أن يصيح أحدهم "ماغي نحن معك إلى الأبد".. يبدو جليا أن الناس يعرفون هذه السيدة ولها شعبية هنا .
تخوض ماغي هذه المرة، المعركة الانتخابية الثانية لها، وهي تعتبرها تحديا مضاعفا، أولا، كونها السبيل لتحقيق حلمها بأن تكون"أول يهودية مغربية تصل إلى البرلمان". وثانيها كونها تأتي في سياق الربيع المغربي، وهو ربيع "له مذاقه الخاص"، فهو يتم في إطار "تمسك المغاربة بشرعية ملكهم"، ويتم النضال من أجل الإصلاحات في إطار هادئ، في محيط مضطرب تعصف الثورات بأنظمته السياسية. وفي ردها على سؤال دويتشه فيله حول رأيها في مطالب حركة 20 فبراير الاحتجاجية التي تنادي بمقاطعة الانتخابات، تقول ماغي إنها تتبنى جزءا مهما من المطالب الإصلاحية التي يرفعها شباب حركة 20 فبراير لكنها متمسكة بالنهج التدريجي للإصلاحات في ظل ايمانها بشرعية المؤسسة الملكية في المغرب ودورها التاريخي في توازن الحقل السياسي والاجتماعي .
ماغي المرأة وقصة التحدي
ولدت ماغي كاكون أو مريم بنت دينا كما يناديها سكان مدينتها مراكش، من أسرة يهودية من أصول أمازيغية، وهي تقول بحسرة "للأسف لا أتكلم سوى كلمات أمازيغية قليلة رغم أن والدي كان يتقنها". تلقت ماغي تعليمها في مدارس البعثة الفرنسية بمراكش وبعد نيلها شهادة الباكلوريا (الثانوية العامة) انتقلت إلى سويسرا لمتابعة دراستها الجامعية، قبل أن تعود إلى المغرب وتخصصت في دراسة القانون بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء. "تعلقت بعالم السياسة منذ طفولتي لكن قبل عهد الملك محمد السادس كان دخول السياسة يعني دخول السجن" لهذا السبب تجاوبت ماغي مع نصيحة زوجها بعدم اقتحام الميدان السياسي خوفا عليها وعلى أبنائهما الأربعة .
بعامية مغربية متعثرة تغلب عليها الفرنسية في أحيان كثيرة، تتحدث هذه السيدة عن حياتها في المغرب وديانتها اليهودية وحبها للعمل في أوساط المجتمع المدني والسياسي. فهي نشيطة في أزيد من عشر جمعيات مدنية تهتم بقضايا الشباب والمرأة والمصابين بالأمراض المزمنة. وبالنسبة لماغي فإن التعليم أهم عنصر في برنامجها وطموحاتها السياسية "لا يعقل أن يكون لدينا 6 ملايين يؤمون المدارس فقط ولا نستطيع الاهتمام بتعليمهم..الحكومات السابقة لم تفعل سوى بناء المدارس دون أن تتابع مصير من يدرسون فيها"، رداءة مستوى التعليم حسب كاكون هي سبب كل المشكلات: البطالة، الفساد، المحسوبية،الإجرام ...".
ماغي المتأثرة بالثقافة الأوروبية، تضع تطوير أوضاع المرأة المغربية في صلب برنامجها الانتخابي، وتربطها بالهدف الأول دائما أي التعليم،'"ينبغي أن نعلم المرأة ونجعلها تعي بأهمية تعليم أبنائها وتطوير مستواهم". وهي تكرر في كل مرة في حديثها قائلة"إن أتيحت لي الفرصة ونجحت في الانتخابات المقبلة فسأعمل على خلق جمعيات تساهم في توعية المرأة بحقوقها وواجباتها على حد سواء و من أهم هذه الواجبات تعليم الأبناء ...".
تجوب ماغي المدن والقرى المغربية، شرقا وغربا، في محاولة لتقديم برنامجها للناخبين الذين يصوتون للمرشحات النساء عبر لائحة وطنية يقدمها كل حزب على مستوى كامل أنحاء البلاد، بينما تدور المنافسة بشكل مواز على مستوى الدوائر. وقد اعتمدت صيغة اللائحة الوطنية كتمييز"ايجابي" يهدف إلى تأمين 30 مقعد للنساء من مقاعد البرلمان ال 395، تتنافس عليها زهاء 700 مرشحة ضمن 24 لائحة وطنية نسوية. بيد ان الجمعيات الناشطة في مجال حقوق المرأة، والتي تعتبر ماغي واحدة من وجوهها، تعتقد ان هذه الصيغة لا ترتقي إلى مستوى تجسيد مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في المشاركة السياسية، الذي نص عليه الدستور الجديد .
"أتوجه للناخبين كمواطنة وليس كيهودية"
ماغي فشلت قبل 4 سنوات في الوصول إلى البرلمان المغربي لأن حزبها لم يحصل على العتبة المحددة(الحد الأدنى من الأصوات) في 6 في المائة لكن تصويت ثلاثين ألف ناخب لها شجعها على إعادة الكرة وهي تتنقل اليوم ك"نحلة" من مدينة لمدينة لتنشر أفكارها ولتؤكد للمغاربة أن ديانتها لا تميزها بشيء عنهم "أنا مغربية قبل أن أكون يهودية أومسلمة .. وأريد الخير لوطني". قبل أن تضيف "هناك من يعتقد أن اليهود جاؤوا إلى هنا من مكان ما...لقد كنا هنا قبل العرب وأجدادي ولدوا هنا لذا فالمغرب ملك لنا أيضا".
تدرك ماغي بعض الصعوبات التي تواجهها، مثلا بسبب الخلط أحيانا لدى بعض الناس وحتى وسائل الإعلام بين أن تكون يهوديا وبين تداعيات النزاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين. لكنها متفائلة بتجاوز هذه الصعوبات وتقول"سرعان ما يتعرفون علي ويدركون أني مغربية مثلي مثلهم، ولا فرق بيننا سوى الدين، وتضيف قائلة: "أنا ضد إقحام الدين في السياسة...هو يجب أن يكون حاضرا في أخلاقنا وتعاملاتنا فقط".
وحول علاقتها بالجالية اليهودية في المغرب تقول ماغي "علاقتي بهم كعلاقتي بباقي المغاربة أنا لا أمثلهم لوحدهم ولا أسعى لأصواتهم فقط " وتستطرد قائلة "في المغرب يوجد فقط حوالي 2000 يهودي وأنا صوت لي في انتخابات 2007 ثلاثون ألف شخص..". لكن هذا لا ينفي اهتمام المرشحة ماغي بيهود بلادها فقد سبق وطالبت بالاعتراف بالمكون العبري في البلد خلال مقابلة تلفزيونية قبل وضع الدستور الجديد. وتقول في هذا الصدد "اليهود غير معترف بهم في تاريخ المغرب، يجب أن تعاد كتابة كتب التاريخ المغربية". وقد كان نص الدستور الجديد على الاعتراف رسميا بالمكون "العبري" في البلاد، خطوة غير مسبوقة في بلد عربي مسلم، وقد لقيت ترحيبا واسعا من مختلف الطوائف اليهودية في المغرب وخارجه.
شعبية وسط المسلمين
في السيارة كانت معنا أيضا سيدتان محجبتان إحداهما زميلة "جديدة" لماغي في الحزب، اغتنمت فرصة غياب ماغي لأسألها إن لم تكن ديانة الأخيرة تؤثر على أحقية المرشحة اليهودية في تصدرها للائحة الوطنية فكان ردها سريعا "لا يمكن لهذا الأمر أن يشكل معيارا هنا.. أنا مسلمة وهي يهودية لكننا مغربيتان معا لنا نفس الحقوق و الواجبات.." ثم تستطرد قائلة "ماغي لها شعبية كبيرة لأنها تساعد الناس كثيرا وأحسنت إليهم على مدى سنين".
في هذه الأثناء صعدت ماغي إلى السيارة وانضمت للحديث ورجعت لتؤكد على أن المغاربة متعايشون "جدا" ولم يسبق أن طرحت مشكلة التنوع الديني لأنهم غير متعصبين وتقول "يحدث أحيانا أني أسمع بعضهم يقول: هذه ليست مسلمة مثلنا لكنها تحسن إلينا وتساعدنا"..الطرح هذا تؤكده عزيزة شابي شابة مغربية محجبة هي الأخرى، التقيناها خلال مرافقتنا لماغي في حملتها الانتخابية وقالت لدويتشه فيله "أنا أشعر بالارتياح لهذه المرأة كثيرا.. تبدو صادقة ومحبة للخير كما أن برنامجها أعجبني" وبخصوص تأثير عنصر الدين على التصويت تقول"الدين لا علاقة له بكفاءة الشخص ..المهم أن يحب المرء الخير لبلده".
حضور بارز لليهود في الحياة السياسية
ويعود الوجود اليهودي بالمغرب إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة، وهنالك حوالي36 معبدا يهوديا في البلاد. ويعتبر اليهود المغاربة من أكثر الطوائف اليهودية تنظيما في العالم، ويقدر عددهم بحوالي مليوني شخص، وهم موزعون بين أميركا الشمالية وأوروبا، ويوجد حوالي 600 ألف منهم في إسرائيل، وتتميز علاقة اليهود المغاربة ببلدهم المغرب بالاستمرارية حتى في أشد المراحل الحالكة من تاريخ المنطقة والعالم، فقد كان اعلان الملك الراحل محمد الخامس في بداية الاربعينات تمسكه بحماية اليهود ضد مخاطر النازية التي كانت تهددهم خلال حقبة الحرب العالمية الثانية، أثر بالغ في تمتين شعور اليهود المغاربة بالانتماء لبلدهم.
ورغم تناقص عددهم، فقد كان لليهود حضور دائم في المؤسسات السياسية بالمغرب، منذ استقلاله، في الحكومة والبرلمان، ويتولى حاليا أندري ازولاي منصب مستشار الملك. ولم يقتصر حضور اليهود في مراكز القرار فقط بل إن الساحة السياسية المغربية عرفت ظهور معارضين يهود من أبرزهم أبراهام السرفاتي.
وبرأي محمد زين الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في المحمدية قال في حوار مع دويتشه فيله فإن "المغرب لطالما كان نموذجا للتعايش بين المسلمين واليهود" عبر التاريخ. ويعتقد المحلل السياسي المغربي أن المغاربة لا يهتمون بديانات المرشحين بقدر اهتمامهم بالكفاءة والتواصل والبرنامج الحزبي لأن "المغاربة بكل بساطة ليسوا متعصبين دينيا". وفيما سياق تعليقه على حظوظ ماغي في الفوز في الانتخابات ومدى إمكانية تأثير ديانتها على ذلك قال زين الدين "الأمر لن يؤثر بالتأكيد على نتائجها فهي سبق أن ترشحت وحصلت على العضوية في مقاطعة الدار البيضاء مع العلم أن عدد اليهود في المغرب لا يتجاوز بضعة آلاف كما ان كفاءتها هي التي ستحسم".
-----------
** المصدر: دويتشه ومراجعة منصف السليمي
تخوض المرشحة المغربية لإنتخابات البرلمان ماغي كاكون تحديا بأن تكون أول امرأة يهودية تصل إلى قبة برلمان بلد مسلم. كفاح ماغي يكتسي تحديا مضاعفا في سياق ربيع مغربي له مسار خاص، كما ترصد مراسلتنا في المغرب.
"سهلا وأهلا بيك يا النحلة..."مستهل أحدث أغنية لفرقة ناس الغيوان المغربية الشهيرة، تصدح ألحانها في كل ركن من أركان قاعة "دار المواطن" بمدينة الخميسات (80 كيلومترا غرب الرباط) حيث يجري اجتماع لحزب الوسط الاجتماعي خلال حملة الانتخابات التي يشهدها المغرب يوم الجمعة (25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011)."النحلة"رمز هذا الحزب الذي يرشح على رأس قائمته النسوية أول امرأة يهودية مغربية. رافقتها من الرباط إلى الخميسات، والتقينا في "التقدم" أحد الأحياء الشعبية في الرباط. ما هي سوى لحظات حتى وصلت سيارة سوداء رباعية الدفع نزلت منها سيدة أنيقة في عقدها الخامس. ما لبث أن تحلق حولها ثلة من شبان الحي قبل أن يصيح أحدهم "ماغي نحن معك إلى الأبد"..يبدو جليا أن الناس يعرفون هذه السيدة ولها شعبية هنا.
تخوض ماغي هذه المرة، المعركة الانتخابية الثانية لها، وهي تعتبرها تحديا مضاعفا، أولا، كونها السبيل لتحقيق حلمها بأن تكون"أول يهودية مغربية تصل إلى البرلمان". وثانيها كونها تأتي في سياق الربيع المغربي، وهو ربيع "له مذاقه الخاص"، فهو يتم في إطار "تمسك المغاربة بشرعية ملكهم"، ويتم النضال من أجل الاصلاحات في إطار هادئ، في محيط مضطرب تعصف الثورات بأنظمته السياسية. وفي ردها على سؤال دويتشه فيله حول رأيها في مطالب حركة 20 فيبراير الاحتجاجية التي تنادي بمقاطعة الانتخابات، تقول ماغي إنها تتبنى جزءا مهما من المطالب الاصلاحية التي يرفعها شباب حركة 20 فيبراير لكنها متمسكة بالنهج التدريجي للاصلاحات في ظل ايمانها بشرعية المؤسسة الملكية في المغرب ودورها التاريخي في توازن الحقل السياسي والاجتماعي.
ماغي المرأة وقصة التحدي:
ولدت ماغي كاكون أو مريم بنت دينا كما يناديها سكان مدينتها مراكش، من أسرة يهودية من أصول أمازيغية، وهي تقول بحسرة "للأسف لا أتكلم سوى كلمات أمازيغية قليلة رغم أن والدي كان يتقنها". تلقت ماغي تعليمها في مدارس البعثة الفرنسية بمراكش وبعد نيلها شهادة الباكلوريا (الثانوية العامة) انتقلت إلى سويسرا لمتابعة دراستها الجامعية، قبل أن تعود إلى المغرب وتخصصت في دراسة القانون بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء. "تعلقت بعالم السياسة منذ طفولتي لكن قبل عهد الملك محمد السادس كان دخول السياسة يعني دخول السجن"لهذا السبب تجاوبت ماغي مع نصيحة زوجها بعدم اقتحام الميدان السياسي خوفا عليها وعلى أبنائهما الأربعة.
بعامية مغربية متعثرة تغلب عليها الفرنسية في أحيان كثيرة، تتحدث هذه السيدة عن حياتها في المغرب وديانتها اليهودية وحبها للعمل في أوساط المجتمع المدني والسياسي. فهي نشيطة في أزيد من عشر جمعيات مدنية تهتم بقضايا الشباب والمرأة والمصابين بالأمراض المزمنة. وبالنسبة لماغي فإن التعليم أهم عنصر في برنامجها وطموحاتها السياسية "لا يعقل أن يكون لدينا 6 ملايين يؤمون المدارس فقط ولا نستطيع الاهتمام بتعليمهم..الحكومات السابقة لم تفعل سوى بناء المدارس دون أن تتابع مصير من يدرسون فيها"، رداءة مستوى التعليم حسب كاكون هي سبب كل المشكلات: البطالة، الفساد، المحسوبية،الإجرام...".
ماغي المتأثرة بالثقافة الأوروبية، تضع تطوير أوضاع المرأة المغربية في صلب برنامجها الانتخابي، وتربطها بالهدف الأول دائما أي التعليم،'"ينبغي أن نعلم المرأة ونجعلها تعي بأهمية تعليم أبنائها وتطوير مستواهم". وهي تكرر في كل مرة في حديثها قائلة"إن أتيحت لي الفرصة ونجحت في الانتخابات المقبلة فسأعمل على خلق جمعيات تساهم في توعية المرأة بحقوقها وواجباتها على حد سواء و من أهم هذه الواجبات تعليم الأبناء...".
تجوب ماغي المدن والقرى المغربية، شرقا وغربا، في محاولة لتقديم برنامجها للناخبين الذين يصوتون للمرشحات النساء عبر لائحة وطنية يقدمها كل حزب على مستوى كامل أنحاء البلاد، بينما تدور المنافسة بشكل مواز على مستوى الدوائر. وقد اعتمدت صيغة اللائحة الوطنية كتمييز"ايجابي" يهدف إلى تأمين 30 مقعد للنساء من مقاعد البرلمان ال 395، تتنافس عليها زهاء 700 مرشحة ضمن 24 لائحة وطنية نسوية. بيد ان الجمعيات الناشطة في مجال حقوق المرأة، والتي تعتبر ماغي واحدة من وجوهها، تعتقد ان هذه الصيغة لا ترتقي إلى مستوى تجسيد مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في المشاركة السياسية، الذي نص عليه الدستور الجديد.
"أتوجه للناخبين كمواطنة وليس كيهودية"
ماغي فشلت قبل 4 سنوات في الوصول إلى البرلمان المغربي لأن حزبها لم يحصل على العتبة المحددة(الحد الأدنى من الأصوات) في 6 في المائة لكن تصويت ثلاثين ألف ناخب لها شجعها على إعادة الكرة وهي تتنقل اليوم ك"نحلة" من مدينة لمدينة لتنشر أفكارها ولتؤكد للمغاربة أن ديانتها لا تميزها بشيء عنهم "أنا مغربية قبل أن أكون يهودية أومسلمة ..وأريد الخير لوطني". قبل أن تضيف "هناك من يعتقد أن اليهود جاؤوا إلى هنا من مكان ما...لقد كنا هنا قبل العرب وأجدادي ولدوا هنا لذا فالمغرب ملك لنا أيضا".
تدرك ماغي مدركة بعض الصعوبات التي تواجهها، مثلا بسبب الخلط أحيانا لدى بعض الناس وحتى وسائل الإعلام بين أن تكون يهوديا وبين تداعيات النزاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين. لكنها متفائلة بتجاوز هذه الصعوبات وتقول"سرعان ما يتعرفون علي ويدركون أني مغربية مثلي مثلهم، ولا فرق بيننا سوى الدين، وتضيف قائلة: "أنا ضد إقحام الدين في السياسة...هو يجب أن يكون حاضرا في أخلاقنا وتعاملاتنا فقط".
وحول علاقتها بالجالية اليهودية في المغرب تقول ماغي "علاقتي بهم كعلاقتي بباقي المغاربة أنا لا أمثلهم لوحدهم ولا أسعى لأصواتهم فقط " وتستطرد قائلة "في المغرب يوجد فقط حوالي 2000 يهودي وأنا صوت لي في انتخابات 2007 ثلاثون ألف شخص..". لكن هذا لا ينفي اهتمام المرشحة ماغي بيهود بلادها فقد سبق وطالبت بالاعتراف بالمكون العبري في البلد خلال مقابلة تلفزيونية قبل وضع الدستور الجديد. وتقول في هذا الصدد "اليهود غير معترف بهم في تاريخ المغرب، يجب أن تعاد كتابة كتب التاريخ المغربية". وقد كان نص الدستور الجديد على الاعتراف رسميا بالمكون "العبري" في البلاد، خطوة غير مسبوقة في بلد عربي مسلم، وقد لقيت ترحيبا واسعا من مختلف الطوائف اليهودية في المغرب وخارجه.
شعبية وسط المسلمين
في السيارة كانت معنا أيضا سيدتان محجبتان إحداهما زميلة "جديدة" لماغي في الحزب، اغتنمت فرصة غياب ماغي لأسألها إن لم تكن ديانة الأخيرة تؤثر على أحقية المرشحة اليهودية في تصدرها للائحة الوطنية فكان ردها سريعا" لا يمكن لهذا الأمر أن يشكل معيارا هنا..أنا مسلمة وهي يهودية لكننا مغربيتان معا لنا نفس الحقوق و الواجبات.."ثم تستطرد قائلة "ماغي لها شعبية كبيرة لأنها تساعد الناس كثيرا وأحسنت إليهم على مدى سنين"في هذه الأثناء صعدت ماغي إلى السيارة وانضمت للحديث ورجعت لتؤكد على أن المغاربة متعايشون "جدا" ولم يسبق أن طرحت مشكلة التنوع الديني لأنهم غير متعصبين وتقول "يحدث أحيانا أني أسمع بعضهم يقول: هذه ليست مسلمة مثلنا لكنها تحسن إلينا وتساعدنا"..الطرح هذا تؤكده عزيزة شابي شابة مغربية محجبة هي الأخرى، التقيناها خلال مرافقتنا لماغي في حملتها الانتخابية وقالت لدويتشه فيله "أنا أشعر بالارتياح لهذه المرأة كثيرا..تبدو صادقة ومحبة للخير كما أن برنامجها أعجبني" وبخصوص تأثير عنصر الدين على التصويت تقول"الدين لا علاقة له بكفاءة الشخص ..المهم أن يحب المرء الخير لبلده".
حضور بارز لليهود في الحياة السياسية:
ويعود الوجود اليهودي بالمغرب إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة، وهنالك حوالي36 معبدا يهوديا في البلاد. ويعتبر اليهود المغاربة من أكثر الطوائف اليهودية تنظيما في العالم، ويقدر عددهم بحوالي مليوني شخص، وهم موزعون بين أميركا الشمالية وأوروبا، ويوجد حوالي 600 ألف منهم في إسرائيل، وتتميز علاقة اليهود المغاربة ببلدهم المغرب بالاستمرارية حتى في أشد المراحل الحالكة من تاريخ المنطقة والعالم، فقد كان اعلان الملك الراحل محمد الخامس في بداية الاربعينات تمسكه بحماية اليهود ضد مخاطر النازية التي كانت تهددهم خلال حقبة الحرب العالمية الثانية، أثر بالغ في تمتين شعور اليهود المغاربة بالانتماء لبلدهم.
ورغم تناقص عددهم، فقد كان لليهود حضور دائم في المؤسسات السياسية بالمغرب، منذ استقلاله، في الحكومة والبرلمان، ويتولى حاليا أندري ازولاي منصب مستشار الملك. ولم يقتصر حضور اليهود في مراكز القرار فقط بل إن الساحة السياسية المغربية عرفت ظهور معارضين يهود من أبرزهم أبراهام السرفاتي.
وبرأي محمد زين الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في المحمدية قال في حوارمع دويتشه فيله فإن "المغرب لطالما كان نموذجا للتعايش بين المسلمين واليهود" عبر التاريخ. ويعتقد المحلل السياسي المغربي أن المغاربة لا يهتمون بديانات المرشحين بقدر اهتمامهم بالكفاءة والتواصل والبرنامج الحزبي لأن "المغاربة بكل بساطة ليسوا متعصبين دينيا". وفيما سياق تعليقه على حظوظ ماغي في الفوز في الانتخابات ومدى إمكانية تأثير ديانتها على ذلك قال زين الدين "الأمر لن يؤثر بالتأكيد على نتائجها فهي سبق أن ترشحت وحصلت على العضوية في مقاطعة الدار البيضاء مع العلم أن عدد اليهود في المغرب لا يتجاوز بضعة آلاف كما ان كفاءتها هي التي ستحسم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.