كتاب التاريخ العربي قد يفتح صفحاته بعد يومين ليدوّن فيها فقرات عن أول يهودية قد تجلس هذا العام على مقعد نيابي بالعالم العربي، وربما الإسلامي، إذا ما فازت "ماغي كاكون" في أشرس معركة انتخابية تجري في المغرب غدا الجمعة. في هذه الانتخابات تتنافس 1565 قائمة، منها 19 وطنية، على 395 مقعدا يحلم بها أكثر من 7000 مرشح ينتمون إلى 31 حزبا، وجميعهم لن تغمض لهم عين إلى أن تطلع الشمس صباح السبت المقبل حاملة لهم وللمقترعين النتائج الموعودة. والمعركة التي تخوضها كاكون، أو "مريم بنت دينا" كما يسمونها في مدينة مراكش، حيث أبصرت النور قبل 58 سنة، هي الثانية في حياتها، ففي 2007 خاضت الانتخابات عن "حزب الوسط الاجتماعي" الذي يتخذ من النحلة شعارا يرمز للنشاط ووفرة الإنتاج، ولم تفلح. لكنها حصلت في تلك المعركة على 30 ألف صوت بقيت لها كرصيد شجعها على خوض الانتخابات ثانية هذا العام، وعن الحزب نفسه، آملة الجلوس على مقعد لم تجلس عليه سواها من اليهوديات، ماغي، التي تحدثت إليها "العربية.نت" عبر الهاتف ليل أمس، هي من الأمازيغ أصلا، لكنها لا تعرف إلا كلمات قليلة من لغتهم، وهي تتعثر بالعربية بعض الشيء، كإنجليزيتها تقريبا. أما بالفرنسية فهي تجيدها، لأنها درست بسويسرا وعاشت في باريس، وبالفرنسية ألفت 4 كتب، أهمها "المطبخ اليهودي في المغرب: من الأم لابنتها"، والثاني بعنوان "تقاليد وعادات يهود المغرب"، لذلك كان الحديث معها معولما لأنه جرى بالقليل من كل لغة. وملخص الحديث أن ماغي، التي تصنف نفسها بسيدة أعمال تنشط كمستشارة في الشؤون العقارية لشركات عدة بالمغرب، تتصرف دائما كمغربية قبل أي شيء آخر "والباقي هو ديانة" طبقا لما تقول، وهي تؤكد أنها وزوجها وأولادها الأربعة لا يحملون أي جنسية غير المغربية، لكن والدتها وشقيقتها تعيشان في مدينة "حولون" المجاورة لتل أبيب بإسرائيل التي زارتها 5 مرات، آخرها منذ 3 أعوام. والاسم الحقيقي لماغي كاكون، هو ماري إيفون غاباي، ابنة دينا وديفيد غاباي، المعروف بأنه كان صناعيا شهيرا وواحدا من أغنى يهود مراكش، والذي انتقل بالعائلة منذ 1971 للعيش في باريس. وحين تزوجت ماغي من آيمي كاكون، الشهير بين المغاربة كواحد من أبرز المهندسين المدنيين، انتقلت للعيش معه في الدارالبيضاء، وفيها أبصر النور أولادها الأربعة، بدءا بالابنة الوحيدة، آينا، وهي متزوجة وعمرها 35 سنة وتعمل مديرة لإحدى الكليات. والذكور من أبنائها هم: وليام، البالغ من العمر 33 عاما، ويعمل كشقيقه ديفيد الذي يصغره بعامين، مستشارا لعدد من البنوك. "وكان ديفيد فاز بالبطولة العربية للغولف التي جرت في 2006 بدمشق" طبقا لقولها. أما صغير العائلة، نيتون، فما زال طالبا بالجامعة وعمره 20 سنة. وقبل أن تتحدث "العربية.نت" إلى ماغي، اتصلت بالأمين العام لحزب الوسط الاجتماعي، لحسن مديح، فعبر عن تفاؤله بفوزها، ووصفها بأنها وسطية التفكير والميول وديمقراطية المنهج والتطلعات. وقال مديح: "أما عن يهوديتها فلا سلبيات منها على الاطلاق، إنها مواطنة مغربية كسواها، حتى إن نائبي لأمانة الحزب جوزف ليفي، هو أيضا مغربي يهودي الديانة"، كما قال. ومثله قالت ماغي كاكون، وزادت أنها لا تشعر إلا بالارتباط الوجداني مع المغرب، وانتفضت في إحدى اللحظات حين وصل الحديث إلى العرب والمسلمين واليهود في تاريخ المغرب القديم. وقالت مع شيء من الحدة: "إسمع، أنا كلي مغربية، ولم أرغب بغير المغرب وطنا، واليهودية هي ديانة، لا جنسية، وكنا هنا قبل العرب وقبل المسلمين بمئات السنين. المغرب لنا قبلكم، وأجدادي كانوا فيه قبل جد أي عربي أو مسلم". وقالت ماغي إن مشاركتها في الانتخابات النيابية غدا، والتي تتنافس فيها 700 مرشحة ضمن 24 لائحة وطنية نسائية "تغني التنوع المغربي، وتغني المناخ الديمقراطي للملكة، وأنا لو فزت فسأعمل على تجيير منصبي لتوظيف الطاقات من أجل المغاربة، وسأركز على التعليم وتطويره، وسأسعى لتعزيز السلام بين العرب والإسرائيليين، ومهما كانت النتيجة، فإن المغرب هو الرابح بالنهاية" على حد تعبيرها. وماغي كاكون هي أول يهودية تخوض الانتخابات النيابية بالمغرب، لكنها ليست أول يهودي، ففي 1984 فاز جو حنا بعضوية البرلمان عن حزب الاتحاد الدستوري، وكان أول يهودي مغربي يصل إلى هذا المنصب. كما فاز شمعون ليفي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بانتخابات المجالس البلدية والقروية التي جرت في 1977 عن مدينة الدارالبيضاء. والمعلومات عن يهود المغرب ليست دقيقة دائما، فهناك من يصعد بعددهم إلى 5 آلاف، وآخر ينزل بهم إلى 500 على الأكثر، لكن المنطقي هو أن هناك ما معدله 2000 يهودي فضلوا البقاء في المغرب من أصل 226 ألفا كانوا من مواطنيه حتى 1948 حين تأسيس إسرائيل كدولة على أراضي الفلسطينيين. ويتركز اليهود المغاربة في مدينة أغادير وفي أحياء بالعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، يطلق عليها المغاربة اسم "الملاح"، حيث ينحصر نشاطهم تقريبا في عالم المال والأعمال، ويرأس الطائفة سيرج برديغو، الكاتب العام ليهود المغرب والذي شغل منصب وزير السياحة في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، بتسعينات القرن الماضي، ويكتبون أن وجود اليهود في المغرب، حيث لهم الآن 36 كنيسا للعبادة، "يعود إلى أكثر من 2000 عام تقريبا". ويقدرون أن عددهم خارج المغرب يزيد عن مليون و500 ألف، معظمهم في أوروبا والولايات المتحدة، وبشكل خاص في إسرائيل التي يقيم فيها 500 ألف على الأقل. وكان لليهود حضور دائم في المؤسسات السياسية بالمغرب، منذ استقلاله وفي الحكومة والبرلمان، فمستشار الملك الراحل كان اليهودي المغربي أندريه أزولاي، الذي ما زال مستشارا للملك الحالي، ولم يقتصر حضور اليهود في مراكز القرار فقط، بل إن الساحة السياسية المغربية عرفت معارضين من اليهود، وكان بعضهم بارزا، وأهمهم أبراهام البير سرفاتي، الذي توفي العام الماضي.