بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأديب الشاب أبو الخير الناصري
نشر في أون مغاربية يوم 16 - 11 - 2011

قرأنا له عدة حوارات أجراها مع أعلام معروفين على الصعيد المغربي ، توقفنا صحبته مع أسماء أدبية قصرية عديدة استجوبها وفسح لها المجال ، لتعبر عن نفسها وعن طموحاتها واهتماماتها .
سحبنا منه الدور هذه المرة ، و بدل أن يكون هو المحاور لغيره من الأدباء و الكتاب و المثقفين، كان هو الأديب و الكاتب و المثقف المحاور و المجيب عن مختلف أسئلتنا .
نرحب بالأستاذ أبو الخير الناصري في هذا اللقاء الحواري الخاص لأون مغاربية، وقبل أن ننتقل إلى نص الحوار، سنلقي نظرة سريعة على شخصه :
هو الأستاذ أبو الخير الناصري، ازداد بأصيلا سنة 1980 تلقى تعليمه الابتدائي و الاعدادي و الثانوي بها ، التحق بكلية الآداب و العلوم الانسانية بتطوان ، وحصل منها على الاجازة في الأدب العربي .
كتب الأستاذ أبو الخير الناصري القصة و القصيدة و المقالة ، ونشر في منابر مغربية متعددة جهوية ، ووطنية ، ورقية ، والكترونية ، وهو يشتغل أستاذا للغة العربية بالتعليم الثانوي الاعدادي .
صدر له من الأعمال : "تصويبات لغوية في الفصحى و العامية"، عن مطبعة الهداية بتطوان عام 2008 ، و "في صحبة سيدي محمد الناصري" عن مطبعة الخليج العربي بتطوان عام 2008 ، و" لا أعبد ما تعبدون" عن مطبعة الأمنية بالرباط عام 2011 . كما له أعمال أخرى قيد الاعداد للطبع حاليا .
نص الحوار :
بداية اسم ” أبو الخير ” اسم مميز وغير متداول بكثرة في الأوساط العمومية. هل لنا معرفة السر وراء تسميتك بهذا الاسم ؟
اسمي الشخصي أبو الخير، وهو غير متداول بكثرة في الأوساط العمومية كما تفضلت. ولقد كنت منذ طفولتي أقارن بينه وبين أسماء الآخرين الذين كانوا بدورهم يستغربون هذا الاسم. وفي إطار هذه المقارنة كنت ألاحظ أن بعض الناس يحملون هذا الاسم، لكنه في حالتهم، اسم للعائلة كلها، وليس لشخص أو فرد واحد من أفرادها.
وأذكر أن المرة الأولى التي قرأت فيها هذا الاسم باعتباره اسما شخصيا هي عند قراءتي مقالا من مقالات الكاتب والمؤرخ مصطفى العلوي ( مدير الأسبوع الصحفي) ورد فيه ذكر لاسم الصحافي أبو الخير نجيب صاحب كتاب الحكومات البوليسية، كما قرأت هذا الاسم أيضا في المقدمة التي وضعها محمد محيي الدين عبد الحميد لشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، حيث ذكر أن من الذين شرحوا ألفية ابن مالك ” أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد، الخطيب، المعروف بابن الجزري “، وربما كانت هناك حالات أخرى.
أما السبب أو السر في تسميتي بهذا الاسم فيرجع لوالدي – رحمه الله تعالى – وشدة محبته لوالده / جدي – رحمة الله عليه – الذي كان اسمه ” بولخير “، فبدافع من هذه المحبة أقدم والدي على تسميتي ” أبو الخير ” تيمنا باسم والده ومحبة ووفاء له.
معروف عنك أنك قارئ نهم، ما هي الكتب التي تجد متعة كبيرة في تصفحها وقراءتها ؟ وهل تميل لجنس أدبي معين ؟ وما هي الأسماء الأدبية المعروفة التي تحظى باهتمامك ؟
فيما يتعلق بهذا الجانب فإنني أميل إلى قراءة الكتب على اختلاف أجناسها التعبيرية، ولا أحب أن أقرأ في مجال أو جنس واحد فقط، وأعتبر ذلك نوعا من القيد أو السجن الانفرادي. لقد كنت في مرحلة سابقة كثير القراءة في المجال الديني، ثم انفتحت بعد ذلك على مجالات الفكر، والأدب، والنقد، وغيرها. وأنا الآن أميل كثيرا لقراءة المقالة النقدية، والقصة، والسيرة الذاتية. ومن الأسماء التي تنال قسطا كبيرا من اهتماماتي في الآونة الراهنة : عبد الرحمن بدوي، وعبد الله الغذامي، وأنيس منصور، وأحمد عبد السلام البقالي، ومحمد العربي العسري، ومحمد سعيد الريحاني.
أبو الخير الناصري شخص متعدد المواهب. ما هي مواهبك ؟
قد يرى في الآخرون شخصا متعدد المواهب كما قلت، وكما تفضل بذلك بعض الأصدقاء. من جهتي أشكرهم وأترك لهم أمر إبراز هذه المواهب والحديث عنها.
من يقرأ كتاب ” في صحبة سيدي محمد الناصري رحمه الله ” يستشعر حبك الكبير لوالدك الراحل، ويستشف حزنك العميق على فراقه. بم تحاول تغطية الفراغ الأبوي في حياتك اليوم ؟ وهل تسعى جاهدا لأن تكون نسخة مطابقة لأبيك في محيطك ؟ وهل تطمح لأن تكمل ما بدأه هو في حياته رحمه الله ؟
كتاب ” في صحبة سيدي محمد الناصري ” كان ورقة تساقطت من شجرة حزني العميق على فراق الوالد الحبيب، ذاك الفراق الذي خلف جرحا غائرا، وعرى بعض ما كان مستورا، وأزال كثيرا من الأقنعة والحجب الزائفة.
تسألينني عن محاولة تغطية الفراغ الأبوي في حياتي. أنا لم أفقد أبا فحسب، بل فقدت أبا وأخا وصديقا لا مثيل له في زمن عزت فيه الصداقة والأخوة، وصار كثير من الآباء ينظرون إلى أبنائهم نظرة نفعية لا غير. كثيرون يقولون لأبناء الميت : ” إن مات والدك، فأنا والدك “، وأنا أقول : لا يمكن لأحد كائنا من كان أن يحل محل والدي، لا يمكن لأي أحد أن يغطي أو يملأ الفراغ الذي خلفته في نفسي وحياتي وفاة الوالد العزيز. لقد توالت بعد وفاته كثير من الحالات والمواقف جعلتني أستشعر أهمية الوالد، وقدره، ومكانته، وكثيرا ما كنت ألتجئ، في مثل تلك المواقف، إلى باقة من الذكريات معه، أو أستسلم مهزوما لحالات من البكاء الطويل في غرفتي حزنا وشوقا وحنينا إلى ذاك الرجل الذي سأبقى بعده جريحا ما حييت ...
أما عن الرغبة أو السعي لأن أكون نسخة مطابقة لوالدي، فأنا لا أسعى لذلك إطلاقا، ولا كان هو – رحمة الله عليه – يرغب في أن أكون أنا، أو أي أحد من أبنائه، نسخة مطابقة له. لقد كان، مع مستواه الدراسي المتواضع جدا، على وعي تام بأن التربية الحقة ليست تلك التي يسعى المربي من خلالها لصناعة الظلال والأشباه والنظائر، ولكنها تلك التي تبتغي الدفع بالأبناء لتكوين شخصياتهم المستقلة. وكثيرا ما كان يردد في حواراتنا جملته الأثيرة ” عم في بحرك ! “، وكانت جملة دالة على وعيه العميق والراسخ بأن لكل منا سباحته الحرة في بحر الحياة.
وغاية ما في الأمر أنني أستحضر في بعض مواقف الحياة ما كان يفعله والدي، أو أقدر ما كان سيفعله لو أنه عاش إلى اليوم، وأحاول أن أهتدي بهديه، وأحتكم لحكمته، وقد أصيب وقد أخطئ التقدير والحكم، فلم يكن – رحمة الله عليه – يؤمن بأن تجربته في الحياة تحلق في المطلق، بل كان دائم اليقين بأن حياته، وحياة كل إنسان، غارقة في النسبية ومحصورة بين ثنائية الخطإ والصواب،وهذا من أعظم الدروس التي تعلمتها منه رحمه الله.
ما هي أهم ثلاث خصال حميدة أخذها ذ.أبو الخير عن والده ؟
في الحقيقة لا يمكنني أن أحصر الخصال الحميدة التي أخذتها عن والدي – رحمه الله – والتزاما بالسؤال أذكر خصال : الاعتماد على النفس، واليقين بالله تعالى، ومحبة الخير للناس جميعا.
تكتب بموضوعية وصدق، وتحاول، ما استطعت، الابتعاد عن المجاملة والمحاباة والتحامل والتحيز. ما رسالتك لغيرك من الكتاب الذين يبتعدون كليا عن هذين العنصرين، ويسخرون أقلامهم لقضاء مآرب شخصية ؟
رسالتي لهؤلاء لخصتها في تلك الجملة / الإضاءة التي وردت مباشرة بعد صفحة الإهداء في كتابي ” لا أعبد ما تعبدون “، وأقول فيها : ” لسوف أموت غدا أو بعد غد، فلأكن صادقا فيما أكتب “. ولهؤلاء أيضا أقول : ما قيمة الكتابة إن كانت إرضاء للآخرين وإخراسا لأصوات ضمائرنا ؟ ما قيمة الكتابة إن صارت مطية لتزيين الهياكل الفاسدة، أو للنيل من الشرفاء ومحاولة تلويث الأبرياء وتدنيسهم إرضاء للنفس الأمارة بالسوء ؟ ما أهمية الكتابة إن لم تكن محاولة لإنارة العالم ومحاربة الفساد، والوصولية، والانتهازية، والديماغوجية، والنفاق ..؟
خير منها بكثير أن يصمت هذا الكاتب تكفيرا عما كتب، أو أن يلقي بجسده من شاهق ويسقط جثة هامدة كي يكمل عملية قتل نفسه بعدما قتل ضميره.
ماذا تعني مدينتا أصيلة والقصر الكبير لأبي الخير الناصري؟
أصيلة مسقط الرأس، والمدينة التي شهدت مراحل مهمة في حياتي، خصوصا مرحلتي التنشئة والتكوين، وهي مكان مناسب جدا للتأمل والكتابة .. ويبقى القصر الكبير المدينة التي أعتز بانتسابي إليها من جهة الأب، وعلاقتي بها تمتد إلى الطفولة حينما كان والدي – رحمه الله – يصطحبني معه عند زيارته للقصر، ويحدثني عن أمجاد المدينة وتفوق أهلها في العلم والوطنية. وأنا سعيد جدا بصداقاتي مع نخبة من أهل هذه المدينة العريقة.
هل نحن قدماء أم محدثون؟ سؤال تركته مفتوحا عند نهاية مقالك ” القديم والحديث مرة أخرى “. برأيك هل نحن قدماء أم محدثون ؟ وكيف ذلك ؟
للتذكير فمقال ” القديم والحديث مرة أخرى ” خصصته للإشارة إلى واحد من المعايير الفاسدة التي تستند إليها كثير من الفعاليات والوجوه الثقافية الرسمية وغير الرسمية، إذ تحكم عنصري القدم والحداثة في ترويج بعض الأسماء والاحتفاء بها وتكريمها، وإقصاء أسماء أخرى وتهميشها وإبعادها.
لقد لاحظت من خلال تتبع بعض الممارسات والسلوكات أن عددا من الجهات التي تتبنى شعارات الحداثة على مستوى الخطاب، وتدعي الدفاع عن الكفاءة والجودة والتميز، لا تلبث أن تتحول إلى عساكر وجيوش تحمل سلاح الإقصاء والتهميش في وجه القادمين إلى الساحة من الأجيال الجديدة، لأنها تعتبر أن هؤلاء القادمين الجدد ينازعونها سلطتها وقد يسحبون البساط من تحت أقدامها، فتحاربهم لإبعادهم عن دائرة الضوء.
وهؤلاء هم الذين قصدتهم في المقال المشار إليه، وهم الذين باستمرار تصدرهم الواجهات، وتقلدهم المسؤوليات يجعلوننا في حالة تخلف وفي حالة ازدواجية، بل تناقض خطير بين الخطاب والممارسة، ويكرسون طابع التسلط والاستبداد.
نجدك أحيانا تنتقد بعض الكتاب وتواجه ما يكتبونه بالرأي المعارض. ألا تخاف أن يفقدك هذا بعضا من مودتهم ؟ ( ردك على مقال ” فرعون أصيلة ” مثلا ).
على الواجهة الخلفية لكتابي ” لا أعبد ما تعبدون ” طرحت سؤالا أعتبره في غاية الأهمية، وهو السؤال عن الفرق بين ” الكاتب ” و ” الكاتب العمومي “. وأعتقد أن الفرق بين الاثنين فرق أساسي وجوهري.
الكاتب العمومي شخص يسعى لإرضاء الناس، يكتب لهم ما يريدون، وقد يزيد فيتقرب إليهم بخدمة مجانية، أو نصيحة، أو ما شابه ذلك. هدفه من ذلك كله أن ينال مودة الناس، ويكسب زبناء يرى فيهم وسيلته لكسب قوت يومه، في حين يبقى الكاتب، في تصوري، شخصا مغايرا تماما، هو شخص حر يستجيب لنداء أعماقه، ولا يصدر فيما يكتبه عن رغبة في إرضاء أحد من الناس.
المودة الكبرى والعظمى التي يسعى الكاتب، أو ينبغي أن يسعى للحفاظ عليها هي مودة الحقيقة كما يراها، وليس مودة شخص من الأشخاص.
على أن هذا الكلام لا يعني أن يتحول الكاتب إلى عدو للآخرين، ولكن المقصود والمبتغى هو ألا يجعل الكاتب مودته لغيره من الكتاب والأدباء أسبق من مودته لما يراه حقا، أو سببا في عدم جهره بما يبدو له صدقا وصوابا، وهذا لا يتنافى أبدا مع الإبقاء على مودة من نخالفه الرأي. وإذا أنت عدت إلى مقالي المشار إليه في سؤالك فستجدين أنني اختلفت مع صاحب مقال ” فرعون أصيلة.. “، لكنني لم ألتجئ إلى شتمه، أو قذفه، أو اتهامه بالعمالة أو الخيانة ونحو ذلك، بل التزمت بأدب الحوار والاختلاف معه، فناقشته على أساس من إحسان الظن به، وإسداء النصح له، مع الاعتراف له بصوابه حيث أصاب، وتقويم أخطائه فيما أراه أخطأ فيه، وكنت دائم المناداة له ب ” فضيلة السيد ” و” الأخ الكريم “ و ” الأستاذ المحترم “، وكنت في ذلك أتمثل القاعدة الذهبية القائلة ” الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية “. وباختصار شديد فعندما أنتقد كاتبا من الكتاب فإنني أنتقد أفكاره لا شخصه.
” رسالة إلى صديقة “.. ماذا أراد الكاتب أبو الخير بهذه الرسالة؟ ومن هي الصديقة التي وجه إليها الخطاب؟ أم هو مجاز أريد به أمر معين؟
” رسالة إلى صديقة ” كتبتها بعد انتقالي سنة 2005م من العمل في الصحراء إلى نواحي مدينة شفشاون الجميلة. وهي رسالة إلى صديقة حقيقية من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس، وليست مجازا أو حيلة فنية كما قد يتبادر إلى الذهن. ولقد أردت من تلك الرسالة أن أشرك معي القراء في بعض الخلاصات التي توصلت إليها في لحظة من لحظات مراجعتي لذاتي وأفكاري واقتناعاتي السابقة. وإذا أردت أن أذكر بعض تلك الخلاصات فإنني أقول بإيجاز شديد:
- ليست الصحراء فيما حولنا فقط. الصحراء، أيضا، قد تنبع من دواخلنا وأعماقنا.
- ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فأحيانا تكون وردة، أو بسمة، أو كلمة طيبة عاملا حاسما في إبعاد الإنسان عن الإحباط واليأس والتفكير في الانتحار.
- إن أقسى أنواع الغربة هو غربة الإنسان وسط عالم صاخب مليء بالأجساد المتحركة بلا مشاعر أو أحاسيس...
” كم من شهير غير ناجح، وكم من ناجح ليس مشهورا ” جملة وردت في مقال لك بعنوان ” الشهرة والنجاح “. أين يؤطر ذ. أبو الخير نفسه؟ في الأولى أم في الثانية؟ أم فيهما معا ؟
إذا جاز لي أن أؤطر نفسي ضمن فئة من الفئات فإنني أعتبر نفسي من الذين يبذلون جهدهم ليكونوا ناجحين في الكتابة والحياة.
” لا أعبد ما تعبدون ” كتاب نظم حفل توقيعه مؤخرا بالقصر الكبير. لماذا اخترت أن يكون أول حفل توقيع لك خارج مدينة أصيلة؟ وكيف كان شعورك يوم التوقيع ؟
عندما قدمت نسخا من كتبي هدية لخزانة المركز الثقافي البلدي بالقصر الكبير، كما فعلت مع خزانات ومكتبات عمومية أخرى، دار بيني وبين مديرة المركز الأستاذة بشرى الأشهب حوار حول شؤون الكتابة والتأليف والنشر، واقترحت علي تنظيم حفل توقيع لكتابي الجديد بالمركز، فما كان مني إلا أن رحبت بذلك مسرورا وشاكرا للأستاذة بشرى هذه الالتفاتة الكريمة. ولقد كنت في غاية الفرح يوم التوقيع وأنا بين نخبة من أهل المدينة وأدبائها. وسيظل يوم 27 ماي 2011م راسخا في ذاكرتي ومن أجمل أيام حياتي.
” تصويبات لغوية في الفصحى والعامية ” كتاب حاول خلاله ذ. أبو الخير تصحيح بعض الاستعمالات اللغوية لمجموعة من الألفاظ والتعابير الشائعة. ألا تفكر في إصدار ثان يكرس للتجربة نفسها، ويبحث في المزيد من الأخطاء الشائعة، مع السعي لتصحيحها، لا سيما أن الوضع الراهن للغة الضاد يدعو للقلق؟
كتاب ” تصويبات لغوية في الفصحى والعامية ” له قصة أحب أن تعرف : في العام 2003م بدأت أنشر على صفحات جريدة ” الشمال ” بعض المقالات والملاحظات اللغوية أنبه من خلالها على أخطاء شائعة، وأبين وجه الصواب. وفي العام 2007م فكرت في تجميع تلك التصويبات مع غيرها وإصدارها بين دفتي كتاب، وفاتحت في ذلك أحد الذين كنت أحسبهم من أقرب المقربين لعله يرشدني فيما يتعلق بشؤون الطباعة والنشر بحكم تجربته السابقة في هذا المجال. غير أني فوجئت به يحاول إحباطي وثنيي عن إصدار الكتاب، زاعما أن موضوع التصويبات اللغوية غير ذي أهمية .. فقررت منذ تلك اللحظة ألا أفاتح في الموضوع أي أحد، وتوجهت بمفردي إلى المطبعة، وكنت عاريا من كل تجربة أو خبرة في شؤون الطباعة والتعامل مع أصحاب المطابع .. فكانت النتيجة أن صدر الكتاب على غير الصورة التي كنت أخطط وآمل أن يصدر عليها.. ولكنني كنت رغم ذلك فرحا بصدوره لاعتبارات عديدة.
والآن أفكر جديا في إصدار طبعة جديدة من الكتاب نفسه ستكون – إن شاء الله – مزيدة بتصويبات أخرى تجمعت لدي بعدما صدر الكتاب. وستكون طبعة أفضل من سابقتها شكلا ومضمونا.
بعيدا عن رجال التعليم واتهامهم على الدوام بكونهم السبب وراء فساد المجتمع، ما هي الفئات المسؤولة عن الفساد الخلقي والتربوي الذي يشيع اليوم داخل المجتمع ويطبع سلوكات الأجيال الصاعدة؟
قبل أن نبتعد عن رجال التعليم والاتهامات التي تكال لهم أحب أن أذكر أولا أن رجال التعليم ليسوا ملائكة، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون. وبعض الاتهامات التي تلاحقهم هي اتهامات صحيحة، لكن العيب والخطأ الكبير فيها هو تعميمها على رجال التعليم كافة ومحاولة تصوير رجل التعليم على أنه هو المسؤول الوحيد عن تخلف المجتمع وانحطاطه على جميع المستويات، وهذا كلام راج كثيرا في السنوات الأخيرة، ويروج له بين الحين والآخر.
لكن دعيني، أختي الكريمة، أطرح معك هذه التساؤلات المنبثقة من صميم واقعنا المعيش : هل يمكن لرجال التعليم وحدهم أن يصلحوا المجتمع كله ؟ كيف يمكن لرجل التعليم، مثلا، أن ينشئ طفلا على فضائل التسامح والحوار ومكارم الأخلاق إذا كان هذا الطفل يجلس في منزل أبويه، أو في نوادي الانترنيت، ساعات طويلة، بكامل الحرية ليتفرج على أشرطة تقوم مضامينها على الخلاعة أو العنف وحل المشكلات بقوة المال والسلاح، لا بقوة العقل والمنطق؟ كيف لرجل التعليم، مثلا، أن يزرع في نفوس تلاميذه أزهار الوطنية والكرامة ويبعدهم عن الغش والتدليس وهم يعيشون في مجتمع يقوم كثير من سياسييه، وفنانيه، ورياضييه، ورجال أعماله وغيرهم بسلوك مختلف أساليب الخداع والغش لتحقيق أهدافهم؟ كيف له أن يربيهم على أن الرشوة حرام وجريمة أخلاقية وهم يسمعون أن آباءهم لا يحصلون على رخصة بناء، أو وثيقة إدارية، إلا بعد دفعهم رشوة للموظف الفلاني أو المهندس الفلاني؟..
وهناك أسئلة كثيرة جدا من هذا القبيل تبرز كلها أن هناك فرقا كبيرا بين ما يلقن للتلاميذ داخل الفصل وما يعيشونه داخل المجتمع. ثم إننا كثيرا ما ننسى أن رجال التعليم لهم مشكلاتهم وإكراهاتهم في العمل والحياة، ويشتغلون أحيانا في ظروف صعبة، بل قاسية جدا في بعض الحالات، ولذلك فعندما نحاول أن نتخذ منهم مشجبا نعلق عليه فساد المجتمع، فإننا بذلك نخادع أنفسنا، ونبحث لها عن طهرانية زائفة. إن مظاهر الفساد الذي يشيع اليوم داخل المجتمع يتحمل مسؤوليته المجتمع كله أفرادا ومؤسسات.
هل أنت راض عن المشهد الثقافي الحالي بالمغرب؟
لولا أن في المشهد الثقافي بعض الإرادات الصادقة، والأيادي النظيفة، والوجوه الحالمة بغد أفضل لهذا البلد، وليس بمنصب يرضي الغرور الفردي، لدعوت لإقامة صلاة الجنازة على الثقافة ببلادنا.
كلمة أخيرة
أشكرك أختي الكريمة الأستاذة أسماء على هذه الفرصة التي أتحت لي للتعبير عن بعض آرائي وأفكاري. شكرا لك مع كامل التقدير والاحترام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.