عرفت المقاومة الفلسطينية رجالات وزعماء أشربوا حب الوطن والنضال والدفاع عن القدس الشريف أحد المساجد المقدسة لدى المسلمين بعد الحرمين الشريفين مكة والمدينة ضد الكيان الصهيوني الغاشم. ومن بين أبرز رجالاتها الداعية والمجاهد الشهيد عز الدين القسام، والذي حظي بحب الفلسطينين إلى درجة أن حركة المقاومة الإسلامية حماس منحته حقه في الذاكرة الجماعية والوطنية، وخاصة بعد أن استلهمت نهجه وأسمت كتائبها وصواريخها المسلحة باسمه. ولد محمد عز الدين بن عبد القادر القسام 1883م، وتوفي 1935م، اشتهر بعز الدين القسام، عالم مسلم وداعية ومجاهد وقائد، ولد في بلدة جبلة باللاذقية السورية. رحل إلى مصر ودرس العلوم الشرعية بالجامع الأزهر عام 1896م، وهو في سن الرابعة عشر من عمره، وتخرج منه سنة 1906م، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرسا وخطيبا في جامع إبراهيم بن أدهم. كانت أسرة عز الدين القسام تعيش على الكفاف والصبر على الفقر، ولكن رصيدها من الذكر الحسن كبير، فهي أسرة متدينة، ولها حظ من العلم الشرعي، يحبها الناس لما لها من المكانة الدينية. وبعد أمد قصير من عودته من مصر إلى بلده جدد العزم على الرحلة مجددا فتوجه إلى إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية، وذلك ليطّلع على الأساليب المتبعة في الدروس المسجدية. ولم يطل مقام القسام في البلاد التركية، لأنه شاهد في القرى والمدن التي زارها من الجهل ما روعه، ورأى أن الجهل هو سبب كل تخلف وفساد، فعاد إلى بلدته جبلة وهو عازم على البداية من أول الطريق، وقرر أن يتولى تعليم الأطفال في الصباح، وتعليم الكبار في المساء، ووظف كل طاقته وإمكاناته في التعليم. عين القسام موظفا في شعبة التجنيد بجبلة، فكان بعد فراغه من عمله يعقد الحلقات الدرسية في مساجد البلد وتمكن من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه، وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام أيضا بحملة لجمع الأموال والمؤن الكافية للنفقة على المتطوعين وأسرهم ولمساعدة المجاهدين في ليبيا ضد الاحتلال البريطاني عام 1911م. بعد الاحتلال الفرنسي للاذقية 1918م، كان عز الدين القسام أول من رفع راية مقاومة فرنسا في تلك المنطقة، فكان عز الدين القسام أول من رفع راية مقاومة فرنسا في تلك المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها، وكان من نتاج دعاياته أن اندلعت نيران الثورة في منطقة صهيون، فكان في طليعة المجاهدين، وقد قاد عز الدين القسام مَن أطاعه من بني قومه ومن أهل بلدته إلى جهاد الفرنسيين. بعد إخفاق الثورة فر الشيخ القسام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقرا له حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، فكان يعطيهم دروسا ليلية ويكثر من زيارتهم، وكان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم. استطاع تكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد، وانضم في عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء، ووحدة التدريب العسكري. تسارعت وثيرة الأحداث في فلسطين عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات الشيخ القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذونا شرعيا وخطيبا يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني. فأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك، وكانت أول قرية ينزل فيها هي كفردان، ومن هناك أرسل الدعاة إلى القرى المجاورة ليشرحوا للأهالي أهداف الثورة، ويطلبوا منهم التطوع فيها، فاستجابت أعداد كبيرة منهم. استشهد عز الدين القسام بعد مطاردته من طرف القوات البريطانية مع رفاقه عام 1935، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلا، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، سقط الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه شهداء في نهايتها يوم 20، وجرح وأسر الباقون. وكان لمقتل الشيخ القسام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك