دأبت الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة على فرض عقوبات متنوعة خاصة من الناحية الاقتصاديةغرد النص عبر تويتر على دول لا تتماشى مع سياساتها أو تتبنى سياسات لا تتوافق مع الرغبات والمصالح الغربية على المستوى العالمي. وقد كانت كوبا أول دولة تواجه العقوبات الأميركية التي تمثلت في الحصار الذي دام عشرات السنوات. وتعرضت فيتنام لإجراءات قاسية من ضمنها الحرب والتدمير الذي صاحبها وسفك الدماء. وما زالت الدول الغربية تشدد إجراءاتها وعقوباتها ضد كوريا الشمالية. وربما كان نصيب العرب والمسلمين من العقوبات والإجراءات هو الأكبر. تعرضت دول عربية وإسلامية عدة للسطوة الغربية والعقوبات. فقد عانت سوريا طويلا من إجراءات أميركية وأوروبية بسبب سياساتها تجاه الكيان الصهيوني ودعمها لفصائل عربية تقاوم الصهاينة وقربها من إيران. وتعرض العراق لحصار مطبق إلى درجة أن الأممالمتحدة تبنت برنامج النفط مقابل الغذاء لأنه لم يكن بمقدور العراق شراء احتياجاته الغذائية. تمت السيطرة على النفط العراقي، وبقي الحصار العسكري محكما عليها وانتهت الإجراءات بحرب أدت إلى انهيار النظام السياسي وإلى تدمير البنى التحتية للدولة وإزهاق مئات آلاف النفوس إن لم يكن الملايين. وتعرضت دولة السودان لعقوبات أيضا، وكذلك ليبيا وإيرانوغزة ومؤخرا روسيا، وقد بقي الكيان الصهيوني بعيدا عن تلك العقوبات وهو الذي يتمرد على القوانين الدولية ويحتل أراضي الغير بالقوة المسلحة والعنف والقتل والتدمير. وبدل أن يعاقب العالم هذا الكيان، تستمر الدول الغربية بدعمه عسكريا وماليا وديبلوماسيا.. الخ. الأهداف الغربية أعلنت الدول الغربية وما زالت تعلن أن إجراءاتها العقابية ضد بعض الدول تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية تتمنع الدول الخاضعة للعقوبات عن التسليم بها. وهذا هدف ينسجم تماما مع تعريف الولاياتالمتحدة بمختلف مؤسساتها للإرهاب. تقول مؤسسات أميركية إن الإرهاب هو استعمال تنظيمات العنف ضد مدنيين بهدف تحقيق مآرب سياسية؛ وهذا بالضبط ما تصنعه الدول الغربية لأن الحصار عنف والعقوبات عنف أيضا، وإنما بفارق واحد وهو أن تعريفهم يتحدث عن تنظيمات بينما عنفهم هو عنف دول. بمعنى آخر أن الدول الغربية تهدف إلى إركاع بعض الدول التي تشذ عن سياساتها وترغب بتحقيق أهدافها من خلال معاناة شعوبها. تستعمل الدول الغربية الحصار والعقوبات من أجل إلحاق الأذى والضرر بالناس عموما فيثورون ضد النظام الحاكم ويغيرون الأوضاع السياسية. أرادت الدول الغربية منع السودان من تقديم مساعدات لقوى المقاومة العربية سواء اللبنانية أو الفلسطينية، وأرادت إخضاع سوريا لكي تبتعد عن إيران وعن فصائل المقاومة العربية. وأرادت الضغط على روسيا من أجل تقديم تنازلات بالشأن الأوكراني. وهي تضغط الآن على غزة من خلال حصار تفرضه دول عربية والصهاينة عسى أن يثور أهل غزة على حماس والمقاومة فتهدأ الأوضاع بالطريقة التي يريدها الكيان الصهيوني. لم تكن العقوبات بلا هدف خاص، وكان لكل حالة أسبابها. لكن مشكلة أهل العقوبات أننا لم نسمع دولة قد ركعت بسبب العقوبات وطلبت الرحمة من الدول الغربية، ولم نسمع أن شعبا قد ثار ضد حكومته إذعانا للعقوبات. بقيت الدول التي تعرضت للعقوبات صامدة وقادرة على الاستمرار، وأظهر عدد منها شجاعة وتحديا قويا، وقدرة على الإبداع والتعويض عما فُقد بسبب العقوبات. والملاحظ أيضا أن الدول الغربية عوضت عن فشلها في تحقيق أهداف سياسية بحروب شنتها على بعض الدول الخاضعة للعقوبات. لقد شنت حربا على العراق، وأخرى على سوريا، واضطرت إلى استعمال القوة لخلع القذافي، ولوحت مرارا باستعمال القوة العسكرية ضد إيران. النتائج العكسية المسألة أن الدول الغربية لم تستطع تحقيق أهدافها من خلال العقوبات فقط، وإنما أدت العقوبات إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان. عاقبت كوبا على مدى سنوات طويلة واضطرت أميركا أن تعلن فشلها في النهاية وأن تفك الطوق عن الجزيرة الكاريبية. وبدل أن تركع كوبا، صممت قيادتها على تطوير قدراتها العلمية والتقنية والإنتاجية لتحقق اكتفاء ذاتيا يبعدها عن حاجتها للمنتجات الأميركية. حققت كوبا أمرين على المستوى العالمي: القيادة في إنتاج السيجار وفي إنتاج السكر. وكانت تثبت نفسها دائما في الألعاب الأولمبية كرسالة إلى العالم بأسره بأن العقوبات والحصار لن يمنعاها من الإبداع وتحقيق إنجازات على مستوى العالم. بقيت كوبا منافسا قويا على الميداليات الذهبية العالمية، وحققت نتائج أرقى بكثير مما حققته دول غربية ومما حققته الدول العربية التي تتمتع بثروات هائلة. أما كوريا الشمالية فأنتجت ما عملت الدول الغربية على منعه وهو القنبلة النووية. ورغم كل الإجراءات والحصار، ورغم التهديد والوعيد واستعراض القوة من قبل أميركا وكوريا الجنوبية استطاعت كوريا الشمالية أن تطور قدراتها التقنية وأن تنتج القنبلة، وأن تطور وسائل إيصالها وهي الصواريخ الباليستية. هذه الدولة الفقيرة جدا والمحدودة في مواردها تمكنت من تحدي الحصار، وطورت ما أرادت رغم العنفوان الغربي، وأبقت اليابان المشاركة في الحصار على أعصابها مرعوبة من تطور كوريا العسكري. ظن الغرب ومعه الصهاينة وبعض البلدان العربية أن إيران ستركع أمام ثقل الإجراءات الغربية المكثفة والمتتالية، لكن ظنهم لم يتحقق، وبقيت إيران صامدة بشعبها وقادتها وعلمائها، وصممت على إبطال مفعول كل العقوبات. لقد تضايقت إيران كثيرا من العقوبات وشحت الأموال وتقلصت المواد الاستهلاكية لكن عزيمتها بقيت ثابتة. قررت إيران منذ عام 1979 وحرب الخليج الأولى أن تعتمد على نفسها في مختلف مجالات الحياة، فاستدعت العلماء وأقامت مراكز البحث العلمي والجامعات المتطورة أكاديميا وعلميا واستعملت الأموال التي كان من الممكن استخدامها للاستهلاك لصالح التطوير وشقت طريقها نحو النهوض العلمي والتطوير التقني. وحرصت إيران في ذات الوقت على ملاحقة الفساد والفاسدين حتى لا تضيع ثرواتها هباء. وفي النهاية حققت نهوضا زراعيا كبيرا، وتطورا صناعيا هائلا، وقدرات عسكرية يخشى جانبها في مجالات البر والجو والبحر. لقد كانت العقوبات حافزا حقيقيا وقويا لإيران للاعتماد على نفسها والسير قدما في طريق الاكتشاف والاختراع، وباتت دولة قوية يهاب جانبها على المستويين الإقليمي والعالمي. والأهم من كل هذا أن قدراتها النووية قد قفزت إلى مصاف الدول النووية، وكان بمقدورها تطوير القنبلة النووية لو لم توقع الاتفاق النووي مع الدول الغربية. لقد عجزت الدول الغربية عن تحقيق أي هدف، وجنحت في النهاية إلى التفاوض مع إيران في معادلة ست دول مقابل واحدة. ومن النتائج العكسية التي ترتبت على العقوبات أن الدول الغربية خسرت تجارتها مع دول ثرية كانت تعتمد في نهوضها على الاستيراد من الغرب. إيرانوالعراق كانتا تخصصان مليارات الدولارات سنويا لشراء الأسلحة والمواد الغذائية من الدول الغربية، فحرمت العقوبات اقتصادات الدول الغربية من هذه الأموال. لحقت بأميركا خسائر كبيرة من الناحية المالية، ومن ناحية المعدات العسكرية والنفوس. وإثر فشل العقوبات، اضطرت أميركا لخوض حروب مكلفة، وربما هذا ما أثر على مزاج الشعب الأميركي وحال دون قيام الرئيس الأميركي بإشعال حرب ضد إيران. انتهت أغلب العقوبات بحروب حصدت الأخضر واليابس في الدول الخاضعة للعقوبات، وأدت إلى اهتزاز أمن الدول الغربية عموما. وإذا كانت الدول الغربية تهدف في وقت ما إلى الدفاع عن أمنها، فإن عقوباتها أغرقتها بالخوف والرعب من تنظيمات لم يكن من المتوقع انتشارها بشكل سريع. الاستعلاء والبلطجة تدرك الدول الغربية بعد التجارب التي مرت بها أنها لا تستطيع تحقيق أهداف سياسية جراء سياسات الحصار والعقوبات، ولكنها تصر عليها مما يشير إلى سياسة استعلائية تنتهجها هذه الدول وكأنها الوصية على العالم، وفي نفس الوقت سياسة "تعبطية" بلطجية من شأنها إبراز العضلات والقوة لكن بلا جدوى. ويتجلى هذا المنحى غير العقلاني في فرض عقوبات على روسيا؛ تستطيع روسيا أن تمسح الدول الأوروبية عن وجه الكرة الأرضية بسبب قوتها العسكرية، وبالرغم من ذلك تجرأت الدول الأوروبية على السير على خطى أميركا في محاولة إخضاع روسيا. روسيا دولة شاسعة المساحة وذات قدرات اقتصادية هائلة، وعدد سكانها كبير، وتستطيع وحدها أن تكون سوقا عالمية دون حاجة ماسة لمنتوجات دول غربية، وبالرغم من ذلك، دفعت العنجهية الغربية أصحابها لاتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا. ولم تفت هذه المسألة الكتاب الغربيين الذين يرى بعضهم أن العقوبات على روسيا ألحقت أضرارا بالدول الغربية. روسيا لديها ما يكفي، وهي ليست معزولة عن العالم، ولديها إمكانات لإلحاق أضرار بالاقتصادات الغربية. فعندما أوقفت روسيا استيراد المواد الغذائية خاصة الخضار من الغرب حققت هدفين وهما: ضرب اقتصادات زراعية غربية ودفع المزارعين الروس إلى مزيد من الإنتاج الزراعي. وأخيرا عطفت روسيا على اليونان وهنغاريا وقررت السماح باستيراد مواد زراعية منهما. وبسبب الوضع السوري، أخذت الدول الغربية تلوح مؤخرا بمزيد من العقوبات على روسياوسوريا. ويبدو أن الدول الغربية تأخذها العزة بالإثم ولا تتعظ من الماضي. النظام السوري بقي صامدا على الرغم من العقوبات المتكررة عبر عشرات السنوات، والإجراءات ضد روسيا ترتد عكسيا فتؤذي من ينفذها. سياسيو الغرب يركبون رؤوسهم متوهمين أنهم سادة العالم، لكنهم بتصرفاتهم إنما يقتربون تدريجيا من الهاوية.