تشتهر العاصمة العلمية للمملكة فاس بمدارسها التاريخية العتيقة والتي يعود تأسيها لآلاف السنين، ولأنها تراث عريق ليس لمدينة فاس فقط بل للمغرب ككل، اهتم جلالة الملك محمد السادس بنفسه بهذه المعالم التاريخية، الثقافية والتراثية فكان لها حيزا مهما في برنامج إعادة ترميم وتأهيل المعالم التاريخية للمدينة والتي أعطى جلالته أمرا بانطلاقها سنة 2013، ومن بين أهم هذه المدارس التي أعيد ترميمها وافتتاحها " المدرسة المصباحية ". ويعود تاريخ بناء المدرسة المصباحية إلى عام 745 ه/ 1344م، وقد أمر ببنائها السلطان أبو الحسن علي بن عثمان المعروف بأبو الحسن المريني. وقد كانت المدرسة مزارا لنهل علوم الفقه والفلك لقرون عدة ، وتضم 140 طالبا من مختلف المناطق، وقد سميت بالمصباحية تيمنا بأول أساتذتها أبو الضياء مصباح بن عبد الله اليالصوتي . وتقع المدرسة بالقرب من جامعة القرويين وقد قطن بها العديد من أعلام مدينة فاس منهم سيدي مبارك بن عبابو الكوش، وسيدي حسين الزرويلي؛ وسيدي أحمد بن علي السوسي إلى وفاته عام 1046 ه، وسيدي محمد بن أحمد وسيدي قاسم بن قاسم الخصاصي، الذي كان يقطن بها ويجلس بالقرويين. وقد اشتهرت المدرسة المصباحية منذ تأسيها بجمال معمارها الأندلسي. وقد كانت المصباحية منذ تأسيسها والمعروفة أيضا بالمدرسة الرخامية تتألف من بنايتين مجاورتين يحيط كل منها صحن كبير وتتكون من قاعتين للدرس والمطالعة والاستقبال ومرافقة صحية وغرف لإيواء الطلبة وقاعة للصلاة تنفتح بواسطة قوسين مزدوجين ومتطاولتين. وقد تميزت عمارة هذه المدرسة بالمرمر الأبيض الذي جلب من الأندلس. و قد جلب لها أبو الحسن من ألمرية الإسبانية بلية من الرخام الأبيض زنتها مئة قنطار و ثلاثة و أربعون قنطاراً، و سيقت من ألمرية إلى مدينة العرائش إلى أن طلعت بوادي قصر عبد الكريم عبر وادي سبو إلى أن وصلت إلى ملتقى وادي فاس، و جرها الناس إلى أن وصلت إلى مدرسة الصهريج التي بعدوة الأندلس، و ثم نقلت منها بعد ذلك بأعوام إلى المدرسة المصباحية. وقد كانت المدرسة المصباحية أول تأسيسها تتكون من الطابق الأرضي بالإضافة إلى ثلاث طوابق حيث كانت تتوفر على 117 حجرة، وقد كانت تتزين المدرسة بأعمدتها الرخامية، وتشكيلاتها الجبسية المزخرفة بنقوش كتابية بالإضافة على أبوابها ونوافذها الخشبية لكن مرور الزمن على بناء هذه المدرسة العتيقة أذى معمارها حيث دمر الطابق العلوي بالكامل، وأتلفت قبة قاعة الصلاة وسقايات دار الوضوء والعديد من الحجرات فأصبح معمارا بدون معالم. وغم التلف الذي تعرضت إليه المدرسة بعد انهيار العديد من أسوارها وأعمدتها إلى أنها ظلت تحتفظ ببعض النماذج الأصيلة للزخارف المرينية الكتابية والهندسية وعليه حاول برنامج الترميم الذي أعطى أمير المؤمنين أوامر انطلاقه الحفاظ عليها والسير على منوال معمارها الأندلسي في خطى ترميم وإعادة المدرسة المصباحية للحياة. وبعد عشر سنوات من الإغلاق وبعد الانتهاء من ترميم المدرسة المصباحية أخيرا ها هي اليوم وبأمر من سمو الملك محمد السادس تعيد فتح أبوابها في حلة جديدة تجمع بين أصالة وجمال الماضي وإمكانيات وتجهيزات الحاضر، اليوم المدرسة المصباحية التي أعيدت من الماضي مفتوحة في وجه الطلبة والزوار باعتبارها معلمة تاريخية تثير اهتمام كل زائر وسائح، حيث سيتم إيواء بعض طلبة طور النهائي لجامعة القرويين بالمدرسة المصباحية والتي أصبحت تتوفر على 35 غرفة للنوم وقاعتان للدرس. وخلال زيارتنا للمدرسة المصباحية التقطنا بعض الصور لنقل قرائنا في جولة داخل هذه المدرسة التي تنقلك في رحلة من زمن إلى زمن آخر.