ناشد المؤرخ عبد الهادي التازي الملك محمد السادس، بالتكفل شخصيا بترميم وإصلاح مدرسة «المصباحية» العتيقة بفاس التي شيدت قبل 667 سنة، وقال التازي في حديث مع «التجديد» بمنزله بالرباط، «سأكشف لكم سرا من الأسرار، لما تقرر أن توزع إصلاحات مدينة فاس على الأشخاص، تكفل سيدي الكتاني بإصلاح مدرسة البوعنانية، وتكفل كريم العمراني بإصلاح فندق النجارين، وتكفل الحسن الثاني بإصلاح مدرسة المصباحية»، وأضاف التازي عضو أكاديمية المملكة المغربية، «وأنا أغتنم هذه الفرصة، لألتمس من جلالة الملك محمد السادس أن يقوم بالعمل الذي وعد به والده العظيم»، وأكد أنه «نظرا لصعوبة ترميم وإنقاذ المدرسة «المصباحية»، عهد بالأمر إلى جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، لأنه من الصعب بمكان إصلاح هذه المدرسة، ويحتاج إصلاحها إلى همة ملك». وقال «وهذا الملك أتمنى من صميم قلبي أن يكون هو محمد السادس، لأن عدد العلماء الذين تخرجوا من «المصباحية» بالآلاف». ويرى التازي أن «المصباحية كانت تضم أوحد وأجمل وأهم الآثار المنحوتة على الرخام، وقال «لا يوجد أثر يوازيها إلا الشباك الرخامي الموجود في خصة القرويين». واعتبر التازي أن الاهتمام بالمصباحية يعد «إنقاذا لأكبر المراكز العلمية في العالم». وذكر التازي أن المدرسة توقفت عن أداء أدوارها الوظيفية، بداية الاستقلال، وأضاف، «إذ شاخت وكبرت وقدم بناؤها وأصبحت تهدد الطلبة الذين يسكنون بها، فأوقفت مؤقتا وهذا التوقيف استمر للأسف، وترميمها صعب لأنها مملوءة كنوز، وأنا سكنت فيها قبل أن أسكن في مدرسة المحمدية، كانت تضم فقط الطلبة المتفوقين والمتعمقين بالدراسة»، ويرى عضو أكاديمية المملكة، أن «المصباحية «من المدارس التي تقع في حي كله علم وثقافة برجاله ونسائه، وهي تجاور دار الوضوء الذي كان خاصا بالسيدات الفضيلات اللاتي يتوضأن في هذا البيت، ليدخلن إلى القرويين ثم مستودع بنعباد، الذي كان رواقا خاصا بالنساء اللاتي يدرسن بالقرويين، ويطلن من نافذته على العلماء الذين يلقون الدروس بالقرويين، وهذه المنطقة حساسة جدا بمدينة فاس. ومن خصائص المدرسة كما حكى ذلك التازي، أن الطلبة فيها كانوا لا يحتاجون إلى لبس نعالهم، فباب المدرسة المصباحية قبالة باب القرويين، وهناك في وسط الطريق كانت صخرة نظيفة يضع عليها الطالب رجله ويقفز إلى القرويين». وشدد التازي على أن «لا قيمة لأية مدينة ولا قيمة لأية تربة إلا برجالها الذين يعيشون فيها، وقال، «فاس لم تكن مدينة فاس إلا بعظماء رجالها الذين أنشاتهم المدينة». وبعد أن أطلعت «التجديد» الدكتور التازي على صور التقطت مؤخرا لمختلف المعالم الدينية بفاس، منها مسجد «الأنوار» ومدرسة «المصباحية»؛ قال التازي، «مع الأسف جزء من التراث التاريخي العلمي للمغرب يضيع، وكلنا مسؤولون عن هذا التراث، ضياعا وحفاظا، ويجب أن تتحرك الجهات المختصة وكل المعنيين، لأن هذا التراث ليس لزيد أو عمر، وإنما هو لي ولك ولأجدادنا وأبنائنا، حرام أن يضيع»، وأعرب التازي عن تفاؤله، وقال «الدولة الآن ملتفتة لهذا النوع من التراث الذي يتجلى في المعالم الدينية». وشدد التازي على أن هذه فرصة للتعريف بجامع الأنوار، وقال «أنا ذكرته بتقدير كبير في أطروحتي». وختم التازي حديثه إلى «التجديد»، بالقول، « أقدر بحثكم في الموضوع وأتمنى أن يستمر وما ضاع حق وراءه طالب، وأتمنى من صميم قلبي أن تهتموا بالمعالم التاريخية العلمية لفاس، هناك أشياء يجب أن تحيى عن طريق هذا النبش والبحث، وهذا هو الطريق لحماية التراث»، وذكر التازي أنه بمجرد ما أخبره ابنه بانشغال «التجديد» بهذا الموضوع، قال له «عجل باللقاء، قبل أن أفارق الحياة، أريد أن أشاركهم في هذا الموضوع البالغ الأهمية». وأمد التازي «التجديد» بنسخ من عشرات الصور التي التقطها بنفسه قبل عشرات السنين، حين كان يعد دكتوراه الدولة من جامعة الإسكندرية سنة 1971، وتؤرخ الصور لبعض المعالم التريخية الدينية لمدينة فاس، وتسمح المقارنة بين الصور الملتقطة قبل عشرات السنين وصور اليوم، بالوقوف على حقيقة ضياع جزء من التراث التاريخي الديني للعاصمة العلمية للمملكة.