مُعظم التقارير الإعلامية التي تناولت موضوع استقالة رئيس الحكومة التركية، ورئيس حزب العدالة والتنمية، داوود أوغلو، ذهبت إلى أن هذا القرار جاء بعد وصول الخلاف بين أوغلو ورجب طيب أردوغان إلى نقطة اللاعودة، واستحالة الوصول إلى تفاهم بين الطرفين في العديد من القضايا الخلافية في كيفية إدارة شؤون البلد العثماني. لكن الطريقة والتوقيت اللذان أعلن فيهما عن الاستقالة، يطرحان العديد من التساؤلات. فإذا كان الخلاف حادّاً بالفعل، بين الزعيمين السياسيين، فلماذا لم يخرج أوغلو ويُعلن تأسيس حزب جديد يُنزل من خلاله تصوره لما يجب أن يكون عليه الوضع في تركيا؟ ولماذا لم يُعلن عن انشقاق داخل الحزب الإسلامي التركي بعد استقالة أوغلو؟. فالطريقة التي تم من خلالها إعلان استقالة رئيس الحزب أظهرت وكأن الأمر يتعلق بعضو عادي لا أتباع له ولا تيار داخل الحزب الحاكم في تركيا. نقطة الخلاف المحورية التي تمّ ترويجها بين أوغلو وأردوغان، تتعلق بنمط الحكم الذي يجب أن تكون عليه تركيا في المستقبل، حيث يرى أوغلو، حسب ما ذكرته العديد من وسائل الإعلام التركية والعالمية، أن نظام الحكم يجب ان يبقى "نظاما برلمانيا"، بينما يرى أردوغان، أن على بلاده أن تتجه إلى نظام "الحكم الرئاسي"، بحيث لا يبقى رئيس الدولة مُكبلا في سياساته بالبرلمان. نظام الحكم الرئاسي، يُمثل خيارا استراتيجيا في العقيدة السياسية لمؤسسي حزب العدالة والتنمية في تركيا، أو ما يُطلق عليهم "العُثمانيون الجدد". ونمط الحكم هذا، هو ما كانت عليه تركيا أيام الحكم العثماني، لكن بتسمية مختلفة، حيث كان يُطلق عليه "حكم الخلافة"، والذي يخول ل الخليفة/الرئيس الحكم شبه الشامل في السياسات الكبرى للبلاد داخليا وخارجياً. لكن الحلم العثماني القديم/الجديد لن يتحقق إلا بتعديل الدستور الحالي، بما يسمح بإقرار نظام الحكم الرئاسي، وهذا لن يتأتى إلا بأحد المسلكين، الأول هو الخروج إلى استفتاء شعبي من أجل تعديل الدستور، وهذا مسلك مُكلف وغير مضمون، أما الثاني، فهو تعديله بأغلبية في البرلمان، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة توقيت استقالة داوود أوغلو من رئاسة الحزب، وبالتالي من الحكومة. استقالة أوغلو من رئاسة الحزب الحاكم في تركيا، معناها خروجه من الحكومة، وبالتالي فإن البلاد ستكون مفتوحة على سيناريوهات عدّة من أجل سد الفراغ في منصب رئيس الحكومة، أبرزها الخروج إلى انتخابات مُبكّرة، وهذا بالضبط ما يريده حزب العدالة والتنمية. ذلك أن النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 2014، في جولة الإعادة، تشير إل أن بإمكان الحزب في الظروف الحالية الحصول على أغلبية مُطلقة داخل البرلمان في حال خرجت البلاد إلى انتخابات مُبكرة، وهو ما يُخول لإخوان أردوغان إجراء تعديلات في الدستور، لكي يُصبح نظام الحكم رئاسياً، دون الحاجة الى استفتاء شعبي، وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تكون استقالة أوغلو مُقدّمَة من طرف العدالة والتنمية، في اتجاه تحقيق الحلم العثماني بصيغة جديدة.