يبدو أن الزيارة التي قام بها إساعيل هنية، رئيس حركة "حماس" والوفد المرافق له للمغرب وموريتانيا؛ ستمثل نقطة تحول مهمة لدى المقاومة الفلسطينية التي خرجت من دورها الذي حُصرت فيه لسنوات لتنفتح على دول عربية ضمنها المملكة. ويظهر جليا أن انتصار المقاومة الفلسطينية على الاحتلال الصهيوني ودفعه إلى وقف إطلاق النار، أخرجها من عزلتها، وفتح لها البوابة السياسية والدبلوماسية، وبالتالي لم تعد تراهن على خيار المقاومة بالسلاح. حركة "حماس" التي كان يُنظر إليها كجماعة مسلحة خاصة بعد تصنيفها من قبل أمريكا على أنها حركة إرهابية؛ غيّرت موازين القوى لصالحها وأصبحت رقما مهما في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن تجاوزه. المحلل السياسي، إدريس الكنبوري، قال إن "حركة حماس كانت قبلا حركة إرهابية، فكنت تجدها مذكورة جنبا إلى جنب مع جماعة الإخوان المسلمين التي تم تصنيفها جماعة إرهابية. غير أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها فلسطين أعادت الاعتبار إلى حماس خصوصا والمقاومة عموما كحركة مقاومة ضد الاحتلال، وأبانت أن الحركة الإرهابية المسلحة الحقيقية هي الحركة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل". وأوضح الكنبوري في تدوينة على حسابه بفيسبوك، كان قد نشرها تزامنا مع الأحداث التي شهدتها فلسطين الشهر الماضي، أن " التظاهرات التي خرجت في العالم كله أظهرت أن الأمة كلها تلتف حول حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحركة فتح وكتائب أبي علي مصطفى، وجميع الحركات الفلسطينية التي ترفع السلاح في وجه العدوان". وبهذا، يؤكد المحلل السياسي، " تنتهي اللعبة التي طالت بضع سنوات حول "الجماعات الإرهابية المسلحة" وحشر المقاومة الفلسطينية معها، بمخطط إسرائيلي". واختارت الحركة الفلسطينية الخروج من قوقعتها لتنفتح على الدول العربية التي طبّعت مع الكيان الصهيوني أو الدول التي يُرتقب أن تعلن تطبيعها مع المحتل، وذلك لتوسيع هامش تفاعلها وحشد دعم للقضية، وما ساعدها في ذلك هو انتصارها في المعركة الأخيرة وحصولها على دعم شعبي وحكومي على مستوى العالم للقضية الفلسطينية. زيارة إسماعيل هنية للمغرب والتي التقى فيها بشكل رسمي رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وكذا لقائه بزعماء الأحزاب السياسية ورئيسي مجلس النواب والمستشارين، إلى جانب شخصيات من حزب "المصباح"؛ شكّلت اعترافا ضمنيا بشرعية المقاومة الفلسطينية. وأشاد الفلسطينيون بحفاوة الاستقبال والطابع الرسمي لزيارة هنية للمملكة؛ الشيء الذي جعلهم يتأكدون من الدعم المغربي للقضية الفلسطينية رغم توقيع اتفاق التطبيع بين الرباط وتل أبيب والذي خلف موجة تذمر في صفوف الفلسطينيين. التأكد من الموقف المغربي تجاه القضية الفلسطينية تُرجم في تصريحات هنية، الذي شكر الملك محمد السادس والحكومة المغربية وكافة المكونات الحزبية والمجتمع المغربي على دعمه الثابت للقضية الفلسطينية، وقال بالمناسبة إن "المغرب بعيد جغرافيا؛ لكنه في قلب الوطن العربي والإسلامي الكبير، وعلى تماس مباشر بالقدس وبالأقصى في التاريخ والحاضر وفي المستقبل". وأشار في كلمته عند حلوله بالمغرب إلى "باب المغاربة وحارة المغاربة وحي المغاربة والمليونيات التي جابت شوارع المغرب من أقصاه إلى أقصاه دعما وتضامنا مع الشعب الفلسطيني"، مضيفا أن ذلك هو "تأكيد على أن المغرب كان وما زال وسيبقى في قلب تطورات المشهد على صعيد القضية الفلسطينية أو على صعيد المنطقة بشكل عام". وأضاف هنية، أن "علاقة المغرب بفلسطين ليست علاقة طارئة، وليست علاقة آنية، وليست علاقة مصلحية؛ بل علاقة المغرب بفلسطين، كما كل شعوب الأمة ودولها، هي علاقة شرعية دينية وإنسانية وطنية ودينية وأخوية، وأيضا بكل الامتدادات وبكل الارتدادات التي يمكن أن تقع بشكل أو بآخر". وفي خطوة لحصد مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية؛ اختار إسماعيل هنية، رئيس حركة "حماس"، موريتانيا وجهته الثانية بعد المغرب، وذلك تلبية لدعوة رسمية. وخصّ الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، هنية باستقبال رسمي بقصر الرئاسة في العاصمة نواكشوط، بحضور وفد من حركة "حماس". بحسب وكالة الأنباء الموريتانية. وجاءت تلبية رئيس حركة "حماس" لدعوة محمد ولد الشيخ الغزواني في سياق زمني تروج فيه أخبار حول اتجاه موريتانيا إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن هذه الزيارة تُعتبر خطوة استباقية لحصد الدعم للقضية الفلسطينية. واختارت الحركة الفلسطينية التعامل بنفس الطريقة التي ينتهجها مسؤولو الكيان الصهيوني، وذلك من خلال تفعيل العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية لحشد الموقف العربي والإسلامي لخدمة القضية الفلسطينية، وهذا دليل على ذكاء قيادة "حماس".