فاجأت زيارة وفد حماس برئاسة السيد إسماعيل هنية إلى الرباط جل المتتبعين كونها أتت استجابة لدعوة حزب سبق قبل أشهر قليلة أن انتقدت حركته موقفه وموقف النظام السياسي الذي ينخرط في بنيته نقدا لاذعا بعد توقيعه على اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني وبعد المنسوب العالي لهرولة مسؤوليه ونخبه الرسمية نحو نسج العلاقات مع الصهاينة الذي بلغ حد التماهي معهم سياسيا وثقافيا ومجتمعيا. فما السر في هذا التحول السريع في موقف حماس؟ وهل هناك ما يستدعي الغزل السياسي الذي صدر من جهتها للمغرب الرسمي؟ وما تبعات هذه الزيارة على مسار دعم القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع في المغرب وفي محيطه؟ الواقع أننا لا نرى أي مبرر لهذا التغيير حتى مع الانقلاب الذي أحدثته معركة سيف القدس في المشهد بعد أن تقلصت النبرة العدائية للفلسطينيين، فعلى العكس من ذلك فإن الأولى أن نشهد تصلبا في المواقف مع التحولات الميدانية الكبرى التي أسفرت عنها المواجهة الأخيرة إن في الوضع الداخلي الفلسطيني وانعكاساته على المعسكر الصهيوني أو في التضامن الشعبي الاستثنائي عربيا ودوليا والذي يذكرنا بما كان عليه الحال زمن انتفاضة الأقصى. فما الذي يرجى من الالتقاء بزعماء أحزاب لم تتورط بتأييد التطبيع فحسب بل وحفلت تصريحات الناشطين فيها الاستفزازية بمعاداة القضية الفلسطينية والأرشيف القريب لهم في الشبكة العنكبوتية يوثق كل خرجاتهم؟ فهل يراهن الوفد الفلسطيني على حملة علاقات عامة عابرة من أجل تغيير موقف هذه النخبة السياسية الانتهازية التي لا تخطو خطوة واحدة دون توجيه من المخزن؟ وهل احتضان الشعب المغربي ومجازاة من تحمل منه التكفير السياسي المخزني والتشكيك في وطنيته جراء مناهضته للتطبيع والذي تحدى السعار السلطوي وانتزع حق التظاهر السلمي نصرة لفلسطين يتم بمحاورة أطراف محلية ممقوتة لديه بفعل تورطها في الفساد وفي خيانة التعامل مع المحتل الصهيوني؟ لقد أسدت زيارة هنية للنظام المغربي خدمة لا تقدر بثمن كونها خلصته من مأزقه بعد سوء تقديره حين ظن أن الحقبة الترامبية ستقضي على القضية الفلسطينية فأفصح عن ولائه المطلق للكيان الصهيوني، لكن ومع الموجة التضامنية الشعبية غير المسبوقة التي قادها معارضوه والتي عزلته وعزلت أحزابه وجمعياته عاد لعدم ترك خصومه يستفردون بالشارع وسارع مستخدما علاقة الحزب المحكوم في الحكومة بشركائه في المرجعية خارجيا لتوضيب هذه الزيارة وتلميع صورته من خلالها. وقد نجحت هذه المساعي من طرف حزب أدمن المراوغة في كل شؤونه الداخلية والخارجية حتى لو لزم الأمر استخدام أساليب التباكي واستدرار عطف إسلاميي المشرق وإقناعهم بسلوكه التطبيعي بحجة الاضطرار والإكراه وغيرهما من الحجج الواهية متناسيا أن أغلب التنازلات وأغلب الخيانات في التاريخ كان أصحابها مضطرين حيث آثروا السلامة الذاتية على التضحية من أجل شعوبهم، وهكذا روجت الآلة الدعائية لهذه الزيارة بخلاصات هجينة يعوزها المنطق والانسجام. قد يبرر البعض أمر الزيارة الأخيرة بحسابات المقاومة غير المعلنة التي دفعت حماس لأن تبعث بوفد رفيع مما يشير في نظرهم إلى أن هذا يتجاوز مجاملة حزب يحمل نفس التوجه الإيديولوجي، غير أننا إن اتفقنا على ضرورة احتفاظ المقاومة بمجال واسع للمناورة لا يلزم أن تفصح على كثير من حيثياته فإن هذا المجال يقتصر على أمور الإعداد الحربي وعلى القرارات المصيرية الكبرى أما الأداء السياسي فهو يبقى مكشوفا ويجب أن يطرح للتداول والنقاش الدائم. الانتظارات من زيارة وفد حماس إلى المغرب محدودة ومهما سادت أجواء التفاؤل، فالمؤكد أن المخزن لن يفتح معسكرات تدريب سرية لذراعها العسكري ولن يُعَرِّفَ. القسام على تكتيكات محمد بن عبد الكريم الخطابي في حرب العصابات في جبال الريف ولن يوفر للحركة السيولة المالية لدعم نشاطها المقا وم أو يسهم في جهود إعادة إعمار غزة إلا بإرادة دولية وفي إطار التعامل مع سلطة رام الله، كل هذا غير وارد مع نظام سقفه معروف سلفا. لذلك فإنه لا يستحق هذا الغزل الصادر من قيادة حماس بسخاء لا سيما أنه أصر على إهانتهم ببعثه لبرقية تهنئة لرئيس الوزراء الصهيوني الجديد تزامنا مع قدومهم للمغرب، وهو مؤشر على ألا تغيير في موقف المخزن من العلاقة مع الجانب الصهيوني. إن أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب الرسمي لحماس هو فتحه لقنوات اتصال مباشر أو غير مباشر مع الطرف الصهيوني بخصوص الأسرى أو بخصوص هدنة طويلة أو أية ترتيبات أخرى وهي قضايا لن تعدم حماس من يقوم بها من أطراف أكثر نزاهة وخبرة واحترافية من طرف ينكل بالمناصرين للقضية الفلسطينية في بلاده. نحن بصدد تمييع لمعركة مناهضة التطبيع، حيث أن انتزاع تثمين مجاني من حركة حماس للمطبعين في ذروة التآمر على القضية الفلسطينية هو تسفيه لجهود من يعارض توجهاتهم، وهو ما لا يتناسب مع خطاب الحركة وتثبيت لمعادلة مستحيلة مفادها أن خدمة القضية ممكن مع الإبقاء على التنسيق مع عدوها، الشيء الذي يحاول أنصار التطبيع في كل الرقعة العربية إقناع شعوب المنطقة به حيث حصلوا عليه من زيارة هنية للمغرب وهو ما انعكس على مقدار الشماتة التي عبر عنها المطبعون ضد خصومهم.