هو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي r، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب t بابنه الطفيل. وأمه صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري t. وكان أُبيّ t أبيض الرأس واللحية لا يخضب. كان t ممن أسلم مبكرًا، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، وبعد الهجرة آخى الرسول r بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل t. عن أبي هريرة t أن رسول الله r خرج على أبي بن كعب t، فقال رسول الله r: “يا أُبيّ” وهو يصلي، فالتفت أبي t ولم يجبه، وصلى أبيّ t فخفف ثم انصرف إلى رسول الله r، فقال: السلام عليك يا رسول الله r. فقال رسول الله r: “ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك؟”. فقال: يا رسول الله، إني كنت في الصلاة. قال r: “أفلم تجد فيما أوحي إليَّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]؟” قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله. وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة t، عن أبي بن كعب t قال: قال رسول الله r: “ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؟” قلت: بلى. قال: “فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها”. ثم قام رسول الله r فقمت معه، فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب. قال: فذكّرته فقلت: يا رسول الله، السورة التي قلت لي. قال: “فكيف تقرأ إذا قمت تصلي؟” فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: “هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه”. روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t: قَالَ النَّبِيُّ r لأُبَيٍّ: “إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}”. قَالَ: وَسَمَّانِي؟! قَالَ: “نَعَمْ”، فَبَكَى. فكان t ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله r؛ ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك t: من جمع القرآن على عهد النبي r؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد رضي الله عنهم جميعًا. وقد شهد له الرسول r بأنه أقرأ الأمة؛ فعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: “أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح”. ففي صحيح مسلم بسنده عن أبي بن كعب t قال: قال رسول الله r : “يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟” قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟” قال: قلت: “اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”. قال: فضرب في صدري وقال: “وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ”. وقد أخذ عن أُبيّ t قراءة القرآن: ابنُ عباس، وأبو هريرة، وعبدُ الله بن السائب، وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنهم جميعًا، وحدَّث عنه سُوَيْد بن غَفَلَة، وعبد الرحمن بن أَبْزَى، وأبو المهلب رحمهم الله، وآخرون. أول من كتب لرسول الله r عند مقدمه المدينة أبي بن كعب t، وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان. قال: وكان أُبيّ t إذا لم يحضر دعا رسول الله r زيد بن ثابت t فكتب. عن ابن سيرين قال: اختصم عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما، فحكَّما أبي بن كعب t فأتياه، فقال عمر بن الخطاب t: في بيته يُؤتَى الحَكَمُ. فقضى على عمر باليمين فحلف، ثم وهبها له معاذ. روى البخاري بسنده عن سويد بن غفلة قال: لقيت أبي بن كعب t فقال: أخذت صرةً مائةَ دينار، فأتيت النبي r فقال: “عرِّفْها حولاً”. فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته، فقال: “عرِّفْها حولاً”. فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثًا، فقال: “احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها”. فاستمتعت فلقيته بعدُ بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحدًا. وعن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه t قال: كان رسول الله r إذا ذهب ربع الليل قام فقال: “يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه”. فقال أبي بن كعب t: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك منها؟ قال: “ما شئت”. قال: الربع؟ قال: “ما شئت، وإن زدت فهو خير لك”. قال: النصف؟ قال: “ما شئت، وإن زدت فهو خير لك”. قال: الثلثين؟ قال: “ما شئت، وإن زدت فهو خير”. قال: يا رسول الله، أجعلها كلها لك؟ قال: “إذن تُكفى همك، ويغفر لك ذنبك”. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب t: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا. قال: فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة فقال أُبيّ t: اللهم اصرف عنا أذاها. فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها. فقال عمر t: ألا دعوتم لنا معكم؟ عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال يوم أُحد: “من يأتيني بخبر سعد بن الربيع؛ فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه؟” فقال أبي بن كعب t: أنا. وذكر الخبر، وفيه: أَقْرِئ على قومي السلام وقُلْ لهم: يقول لكم سعد بن الربيع: اللهَ اللهَ وما عاهدتم عليه رسول الله r ليلة العقبة، فوالله ما لكم عند الله عذر إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. قال أبيّ t: فلم أبرح حتى مات، فرجعت إلى رسول الله r فأخبرته، فقال r: “رحمه الله، نصح لله ولرسوله حيًّا وميتًا”. عن زرّ بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب t فقلت: إن أخاك ابن مسعود t يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: “رحمه الله! أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين”. فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: “بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله r أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها”. وعن أسلم المنقري قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أَبْزَى يحدث عن أبيه قال: لما وقع الناس في أمر عثمان t قلت لأبيّ بن كعب t: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: “كتاب الله، وسنة نبيه ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه”. في سنن أبي داود، عن أبي بن كعب t قال: صلى بنا رسول الله r يومًا الصبح فقال: “أشاهدٌ فلانٌ؟” قالوا: لا. قال: “أشاهد فلان؟” قالوا: لا. قال: “إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوًا على الرُّكَبِ، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى”. وعن أبي بن كعب t قال: كان رسول الله r إذا سلم في الوتر قال: “سبحان الملك القدوس”. من أقواله t: تعلموا العربية كما تعلّمون حفظ القرآن. وقوله t: الصلاة الوسطى صلاة العصر. وقوله أيضًا: ما ترك عبد شيئًا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه. وقد اختلف في سنة وفاته t؛ فقيل: تُوُفِّي في خلافة عمر سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين. وقيل: إنه مات في خلافة عثمان t سنة اثنتين وثلاثين. قال في المستدرك: وهذا أثبت الأقاويل؛ لأن عثمان t أمره بأن يجمع القرآن. قصة الإسلام