نشرت صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الاختلافات أو الخلافات الدينية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي من الممكن أن تُؤدي إلى اندلاع حرب دينية في البلاد. وقالت الصحيفة في تقرير لها، إنه "في مواجهة سياسة دونالد ترامب القومية وداعميه من اليمين الإنجيلي، اتحدت الحركات ذات البعد الديني فيما بينها ضد الأصولية المسيحية، مجسدة على حد تعبير الأخصائية في العلوم السياسية نادية مرزوقي، شكلا من أشكال المقاومة المدنية الديناميكية" وذكرت الصحيفة أنه "لا يمكن إحصاء عدد التغريدات المثيرة للتوترات التي نشرها دونالد ترامب حول المسلمين"، مشيرة إلى أنه "بتاريخ 26 يونيو، أقرت المحكمة العليا المرسوم الرئاسي الذي حظر دخول مواطنين مسلمين من عدة دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أثارت الإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها خلال الأشهر الأخيرة، قلق التيارات التقدمية والليبرالية في المجتمع الأمريكي". وأردفت الصحيفة أنه "يبدو أن اليمين القومي الإنجيلي أطلق حربا مفتوحة ضد المسلمين والمهاجرين والأقليات الجنسية والعرقية، وهي حرب ليست بغريبة عن المجتمع الأمريكي وإنما كانت تدور بأسلوب مغاير". ولفتت إلى أنه في ما مضى، واجه القوميون والشعبويون المؤيدون للأصولية المسيحية الحركات الدينية المنادية بإقرار العدالة الاجتماعية ومكافحة التمييز العنصري، وبعبارة أخرى، برز داخل الساحة الدينية شكل من أشكال المقاومة المدنية للقومية المسيحية". ونوهت إلى أنه "منذ سنة 2016، فهم العديد من القساوسة المنتمين إلى طوائف بروتستانتية مختلفة، والرهبان والراهبات الكاثوليك، وحاخامات اليهود، والأئمة والزعماء الدينيين الهندوس والسيخ؛ أنه من الضروري وضع حد للقوميين المسيحيين من خلال الانتشار في ساحاتهم الخاصة، ومنذ 12 غشت سنة 2017، تقود مجموعة تضم المئات من الزعماء الدينيين من مختلف الطوائف مظاهرات في مدينة شارلوتسفيل". وأفادت الصحيفة بأنه "قد شارك في هذه المظاهرات نشطاء معادون للعنصرية والفاشية، كما سجلت هذه المظاهرات مشاركة حركة "حياة السود مهمة"، حيث فتحت الكنائس أبوابها لاحتضان المتظاهرين المصابين الذين يلجؤون إليها". وتابعت: "بالنسبة لهؤلاء الزعماء وأنصارهم، يمثل النشاط المدني واجبا دينيا حيث يشتمل الالتزام الديني على مبدأ خدمة الآخرين، وتضم هذه الحركة مجموعات مدنية مسكونية تسعى لنشر الإيمان والقيم المشتركة والتضامن والتحابب، في حين يعتبر أتباع القومية المسيحية الدين هوية وعلامة إقليمية تميز بين "هم" وبين "نحن". ويُعتبر القس ويليام باربر من أحد الرموز الكاريزماتية لهذا التيار، ويدير هذا القس الأمريكي من أصول إفريقية، البالغ من العمر 54 عاما، كنيسة غرينليف الصغيرة الواقعة في مدينة غرينزبورو (في ولاية كارولاينا الشمالية)، ويقدم باربر نفسه على أنه مؤيد لحركة "خمسينية" البروتستانتية المحافظة من جهة، وإنجيلي متحرر دينيا من جهة أخرى، كما يؤكد على إتباع منهج اليسوع. وتطرقت الصحيفة إلى أن هذا القس يعارض وبشدة إدارة ترامب، ويتهم اليمين الإنجيلي "بالتحريف اللاهوتي"، وردا على جيف سيشنز الذي استشهد بالإصحاح 13، استحضر وليام باربر الإصحاح 7 من سفر زكريا، الذي يقول إن "من يدعو إلى إيذاء النساء والأطفال والمهاجرين والفقراء، فهو يدعو إلى نشر الشر". وحددت الصحيفة أنه بين سنتي 2013 و2014، اعتُقل أكثر من ألف شخص طوعا خلال مظاهرات العصيان المدني التي نظمها هذا القس في مدينة رالي، وخلال سنة 2016، أطلق وليام باربر صحبة القسيسة ليز ثيوارس، التي تنتمي إلى الكنيسة المشيخية والمشاركة في تأسيس مركز كايروس للحوار بين الأديان ومكافحة الفقر، "حركة الناس الفقراء"، وهي دعوة وطنية هدفها التجديد المعنوي. وبينت الصحيفة أن "هذه الحركة تدعو إلى توفير الرعاية والتعليم للفقراء، وتدافع عن حق الأمريكيين الأفارقة في التصويت، وتحارب من أجل ضمان الحد الأدنى لأجور العمال، وتقود الاحتجاجات ضد الحجز الجماعي والعنف ضد الأمريكيين من أصول إفريقية. كما تستنكر الاقتصاد الموجه للحرب والسياسة العسكرية". ولا تعد "حركة الناس الفقراء" الحركة الوحيدة التي تمزج الالتزام الديني بالنضال السياسي من أجل مكافحة التمييز العنصري والاجتماعي، وتجمع "حركة الملاذ الجديد"، التي ظهرت سنة 2007 للاحتجاج ضد ارتفاع عدد عمليات طرد المهاجرين غير الشرعيين، بين منظمات علمانية للدفاع عن الحقوق المدنية، وكنائس، ومساجد ومعابد يهودية، وناشطين مؤمنين وملحدين، وبفضل هذه الحركة، أعلنت مئات الكنائس عن جاهزيتها لتصبح ملاذا تُرحب بالمهاجرين المهددين بالطرد. وأضافت الصحيفة أن حركة الراهبات المتمردات (الراهبات في الحافلة)، بقيادة سيمون كامبل، تحظى بشعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد، ومن بين أهداف إطلاق هذه الحركة سنة 2012؛ إدانة محاولات الحزب الجمهوري تعليق قانون الرعاية الصحية الأمريكي (قانون الإصلاح الصحي الذي وضعته إدارة أوباما أو "أوباما كير)". وفي هذا الصدد، تجنّدت هذه الحركة من أجل الدفاع عن حقوق المهاجرين ومكافحة العنف العنصري والعرقي، وعلى غرار باربر، تتهم سيمون كامبل اليمين الديني بتشويه معاني الكتاب المقدس "الإنجيل"، وردا على جيف سيشنز، تُؤكد كامبل على أن رسالة الإنجيل تتمثل في "أن القانون غير العادل لا يُمكن أن يكون قانونًا، ذلك أن هذا الكتاب المقدس ينص على تطبيق قوانين عادلة، وليس السخرية منها". وعرجت الصحيفة على توقف بعض القادة الدينيين، على غرار روب شينك، القس الإنجيلي في بوفالو (نيويورك)، عن دعم ترامب بشكل تام، بعد أن نأوا بأنفسهم عن اليمين الإنجيلي، وفي الوقت الذي يتجنبون فيه مهاجمة الرئيس بطريقة مباشرة، يستنكر آخرون سياسته تجاه أطفال المهاجرين، وكان القس الإنجيلي فرانكلين غراهام، ابن بيلي غراهام، قد انتقد عملية الفصل بين العائلات واصفها إياها "بالمُخجلة"، ولكن، ليس الشق الإنجيلي متجانسًا أو متحدا كما يبدو، ذلك أنه يشهد انقسامات بسبب اختلاف الأجيال والأجناس والطبقات داخله.