أحمد لحياني في الوقت الذي كنا ننتظر فيه التفاتة حقيقة للمغرب العميق مغرب الهامش المغرب الغير النافع، كما وصفها كل من تعاقب على هتك عرض هذا البلد؛ بعد الحراك الذي نعيشه من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية ورد الاعتبار لمختلف مناطق المغرب وفئاته المحرومة. ها نحن اليوم في مدينة فجيج الواقعة في قعر الحدود الشرقية، في مثلث برمودة ثلاثي الحدود الذي لا تدخله السلطة المغربية إلا لتدمير أواصر العيش بين الساكنة وجغرافيتها، إلا لقمع الساكنة وزرع الخوف والترهيب الممنهج فيها. عبر جعل المدينة ثكنة عسكرية وأمنية بدعوى أنها منطقة حدودية حساسة. هي اليوم تأتي بجرافاتها والياتها الثقيلة التي لم نراها في الأوراش الحقيقية والطرق الوطنية… ولكن نراها اليوم من أجل حفر الخنادق ووضع السياج لعزل المدينة عن جغرافيتها عن ترابها عن شراينها، بعد أن سبقهم الجيش الجزائري إلى ذلك عبر التقدم طولا وعرضا على الشريط الحدودي والاستيلاء على أزيد من 50 كلم مربع من المنطقة، في مشهد جبان للدولة المغربية التي لا تكلف نفسها سوى ردع من يحتج على ذلك ومنع الناس من زيارة حدودهم والبكاء على أطلالهم، بينما تتودد إلى الجزائر وتتوسل الجيش الجزائري عبر إهدائه جغرافية كاملة. هي اليوم تأتي لتتم المهام في إطار نفس المؤامرة.. وتعزل فجيج عن جبل كروز وتاغيت و… في الوقت الذي رسم الحدود يوجد خلف الجبل خلف الواد خلف النخيل. هكذا أصبحت علاقة الواحة بالدولة علاقة حصار ممنهج تحكمه الجرافات وسياسة العزل والتهميش، كمن يريد بشكل صريح ردع قعر الحدود وجعلها مستوية، بمعنى أن تُمنح واحة فجيج هدية ترابية مقابل أجندا سياسية راهن عليها المغرب وخسر رهانها، و الآن يساوم بمنطقة وساكنة خدمت التراب الوطني أكثر من الجيش في زمن الحروب والنزاعات، منطقة لم تكلف الدولة مشروع تنموي حقيق واحد.. إن العزل الممنهج والإهداء الجبان لجغرافية بلد لصالح بلد أخر هو خيانة عظمى، لا يمكنه أن يمر في صمت. فالخنادق لن تحفر إلا لمقبرة جماعية لشهداء القضية، والسياج لن يقام إلا لو رحلونا أو طلبنا الرحيل على الأجدر.. فالإنسان لا يعيش إلا لأرضه وعرقه وشرفه. وهذا الأخير سيصان بالدماء ومشيا على الأقدام إلى الرباط وإخلاء جماعي للواحة… ومن لم يسمع بهذه الخطوات سيسمعها الآن، لأن الأمر زاد عن حده والحدود لا نحتاج من يجدد رسمها فأننا نعرفها.. وختامه بتدوينة ناطقة لأحد أفراد الواحة الأحرار: "فما معنى فجيج بدون جبل كروز، و ادرار ازكاغ، و وادي العرجة وزوزفانة ؟ و تاغيت ؟ ما معنى فجيج بدون وديان وجبال ، اللهم ان هدا لمنكر، أمامنا بضعة أيام قبل الحصار الكامل وقبل وصول الخندق إلى مشارف المدينة ، إما أن نندد به، أو لنسكت إلى الأبد، وننسى أمجاد أجدادنا وتاريخ واحتنا، بل من الأفضل أن نهجرها ونتركها للحمام يسكنها ويرثي من كان يسكنها".