أنتجت سياسات الدولة منذ بداية التجربة الانتخابية في المغرب كائنات سياسية مروضة و متمرسة على “اللعبة” السياسية بشروطها المحلية. لا داعي أن نرجع إلى تفاصيل نشاة هذه “الحيوانات الانتخابية” ولا إلى أسباب نزولها و لا إلى دعم تجدرها، فإذا بان المعنى فلا داعي للتكرار. و لكن الأهم هو دراسة حال و حالة هذه “الحيوانات”. ولتسامحني الحيوانات الحقيقية لاستعارتي لأسمها فأنا أكن لها كل الاحترام و لتتسسع صدور الكائنات الموصوفة، فلا قدح في التوصيف. أليس الإنسان عامة “حيوانا ناطقا” في نظر مجموعة من الفلاسفة؟ لا تفقه هاته الحيوانات في الثقافة السياسية ولا في التمايز بين المشاريع السياسية. لا يهمها اليمين ولا اليسار ولا حتى الوسط. لا تمتلك برنامجا ولا تعرض تصورات ولا تنافس على أساس معرفة ما. إنها حيوانات لا تأبه بحقوق الإنسان ولا بالديموقراطية ولا بالمؤسسات ولا بدولة الحق ... فهذه الحيوانات تمتد “شرعيتها” عبر سياسة اللقرب” من المواطنين – الرعايا في مناطقهم الجغرافية. تنصب المحامين عن “المظلومين” من المخزن كشبكات الدعارة و بائعي الكحول السوداء ( الكرابة ) إلى غير ذلك ممن يطالهم الحيف. إنهم “يؤطرون” البؤساء ممن وضعتهم الدولة على الهامش. كونت هذه الحيوانات أموالا طائلة في سنوات كانت الدولة تشتري السلم الاجتماعي بالنقود و الامتيازات. أموالهم كونت من ريع الكريمات والاحتكارات و ... من أموال الشعب المهمش الذي “يؤطرونه”. كل هذا الجاه و المرتبة الاجتماعية و ... هو مقابل من أصحاب القرار لتمييع الفعل السياسي المؤسساتي و الاستمرار في الفساد الحيواني مقابل أن تحكم هذه الحيوانات الانتخابية “على نفسها بالعبودية و التبعية بدون قيد أو شرط” كما وصفها الشهيد المهدي بن بركة. و بالتالي نحن أمام حيوانات انتخابية أليفة, تلعب لعبة المخزن الجديد و تتحالف معه مادام يحافظ لها على امتيازاتها. بل في الفتها تستطيع أن تؤدي أي خدمة مسبوقة الدفع : تسفيه التاريخ, التطاول على النضال, السب و القذف ... تنزل الحيوانات الانتخابية الأليفة إلى دوائرها الانتخابية ( و “ها” هنا تصح كضمير تملك في اللغة السياسة الجديدة ) لاثبات “تجدرها” في معاقلها و التصاقها “المادي” بالجماهير الكادحة في أحزمة البؤس، في تبادل كافكاوي للأدوار مع الدولة. بل و تنتخب هذه الحيوانات ويستمر العبث. و كأننا مجبرون أن نعيد سيئات تاريخنا و مساوئه. و كأننا إذ نجيب بالنفي القاطع على تساؤل عبد الرحمان اليوسفي ” هل سنعبر هذا الممر الذي يفصلنا عن مغرب نتطلع إليه منذ عقود أم سنظل أسارى هذا التحول الصعب؟”. و نعيد نفس السيناريوهات البئيسة : الفيودالية الجديدة في أوج عطاءاتها و تحالفها المخزني لتمويه المعركة الأصلية، معركة البناء الديموقراطي. و أمام هذا البؤس الشبيه بالماضي تضيف الدولة في ذلك الهامش الصغير الذي تتنافس فيه الأحزاب التقدمية مع القوى المحافظة، مخزنيا، إداريا، أصوليا، تضيف حزبها “المعاصر” و “الأصيل” في تحالفاته مع الحيوانات الانتخابية الأليفة. بل الأدهى من هذا أنه في استطلاع للرأي نظمته إحدى الجرائد التقدمية على موقعها الالكتروني، شارك فيه أزيد من 3960 زائر، بطرح السؤال: “هل تعتقد أن أصحاب المال سينهزمون في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ببلادنا؟” أجمع أزيد من 62 بالمائة على النفي. ” كما فضحنا كل أوجه الفساد الاقتصادي والسياسي وطالبنا بالمساءلة وبعدم الإفلات من العقاب عند الاقتضاء... وبذلك حولنا العمليات الانتخابية، بالرغم من كل ماشابها من تزوير وتحريف، إلى لحظات للتجنيد النضالي وللتنوير السياسي والثقافي...” يذكرنا بنسعيد ايت يدر. إنه الإيمان بان لا محالة من تحسين أوضاع الأجيال القادمة من يجعلنا لازلنا نتشبث بقشة الأمل. ” فهناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما.”، كما سبق و ذكرنا الشهيد عمر بن جلون. الخوف كل الخوف أن تعي الحيوانات الانتخابية الأليفة ببعدها الجغرافي المنتشر في كل الدوائر و أن تعي بتفوقها على مروضيها فينقلب السحر على الساحر. فيودالية جديدة. لن يكون لها رادع و لا حسيب. حذار من اللعب بالنار. لا أريد لنفسي و لا لأبنائي أن تحكمنا هاته الحيوانات، و لهذا توجب علينا الانخراط الواعي في محاربة تمظهرات الفساد.