تحدث لنا الأخ حسن طارق في مقال سابق عن من «يريدون العودة إلى الستينات» ثم طرح السؤال اللينيني الصعب : ما العمل؟». فببلاغة استطاع حسن أن يظهر لنا جميعا أن هناك «أشباحا» تعيد طرح الأسئلة البالية و تدفعنا إلى «اغراءات التصعيد و القطيعة». لن أعيد كل ما قاله المقال و لكن أريد اليوم أن أخاطب بدوري كل من يحمل معنا حلم الدولة الديموقراطية التي يسودها العدل و العدالة الاجتماعية و الحداثة. أريد مخاطبة الاتحاديات و الاتحاديين, اليساريات و اليساريين, التقدميات و التقدميين, ... وعموم المواطنات و المواطنين. اتساءل معهم كما تساءل الاخ شقران امام : «ماذا يحدث بالضبط؟ الى اين يذهبون ببلادنا؟ و ما هي ادوارنا اليوم كمواطنين اولا و اخيرا؟» و كي نحاكي الاستاذ العروي «... وتراني أحلم، مثلما يحلم كل مثقف حداثي، بمغرب حر، منسجم مع نفسه، متعلم، وديمقراطي، ومنفتح ومنتج وخلاق ... ويغلب علي الاعتقاد، بتعذر أن يتحقق، كل ما أقول في مدة جيلين أو ثلاثة أجيال، وتراني أتساءل أحيانا، هل ترغب غالبية المغاربة حقا، في التغيير، أم تخشى أن تتكبد في سبيله التضحيات، وتبذل المجهودات الجسام، وتلاقي الاضطرابات الاجتماعية، فأتوب إلى صوابي...» أنتجت سياسات الدولة منذ بداية التجربة الانتخابية في المغرب كائنات سياسية مروضة و متمرسة على «اللعبة» السياسية بشروطها المحلية. لا داعي أن نرجع إلى تفاصيل نشاة هذه «الحيوانات الانتخابية» و لا إلى أسباب نزولها و لا إلى دعم تجدرها, فإذا بان المعنى فلا داعي للتكرار. و لكن الأهم هو دراسة حال و حالة هذه «الحيوانات». و لتسامحني الحيوانات الحقيقية لاستعارتي لاسمها فأنا اكن لها كل الاحترام و لتتسسع صدور الكائنات الموصوفة, فلا قدح في التوصيف. أليس الإنسان عامة يعتبر «حيوانا ناطقا» في نظر مجموعة من الفلاسفة؟ لا تفقه هاته الحيوانات في الثقافة السياسية و لا في التمايز بين المشاريع السياسية. لا يهمها اليمين و لا اليسار و لا حتى الوسط. لا تمتلك برنامجا و لا تعرض تصورات و لا تنافس على أساس معرفة ما. إنها حيوانات لا تأبه بحقوق الإنسان ولا بالديموقراطية ولا بالمؤسسات ولا بدولة الحق ... فهذه الحيوانات تمتد «شرعيتها» عبر سياسة «للقرب» من المواطنين - الرعايا في مناطقهم الجغرافية. تنصب المحامين عن «المظلومين» من المخزن كشبكات الدعارة و بائعي الكحول السوداء ( الكرابة ) إلى غير ذلك ممن يطالهم الحيف. انهم «يؤطرون» البؤساء ممن وضعتهم الدولة على الهامش. كونت هذه الحيوانات أموالا طائلة في سنوات كانت الدولة تشتري السلم الاجتماعي بالنقود و الامتيازات. أموالهم كونت من ريع الكريمات و الاحتكارات و ... من أموال الشعب المهمش الذي «يؤطرونه». كل هذا الجاه و المرتبة الاجتماعية و ... هو مقابل من أصحاب القرار لتمييع الفعل السياسي المؤسساتي و الاستمرار في الفساد الحيواني مقابل أن تحكم هذه الحيوانات الانتخابية «على نفسها بالعبودية و التبعaية بدون قيد أو شرط» كما وصفها الشهيد المهدي بن بركة. و بالتالي نحن أمام حيوانات انتخابية أليفة, تلعب لعبة المخزن الجديد و تتحالف معه مادام يحافظ لها على امتيازاتها. بل في الفتها تستطيع أن تؤدي أي خدمة مسبوقة الدفع : تسفيه التاريخ, التطاول على النضال, السب و القذف, ... تنزل الحيوانات الانتخابية الأليفة إلى دوائرها الانتخابية ( و «ها» هنا تصح كضمير تملك في اللغة السياسة الجديدة ) لاثبات «تجدرها» في معاقلها و التصاقها «المادي» بالجماهير الكادحة في أحزمة البؤس, في تبادل كافكاوي للأدوار مع الدولة. بل و تنتخب هذه الحيوانات ويستمر العبث. و كأننا مجبرون أن نعيد سيئات تاريخنا و مساوئه. و كأننا إذ نجيب بالنفي القاطع على تساؤل عبد الرحمان اليوسفي « هل سنعبر هذا الممر الذي يفصلنا عن مغرب نتطلع إليه منذ عقود أم سنظل أسارى هذا التحول الصعب؟». و نعيد نفس السيناريوهات البئيسة : الفيودالية الجديدة في أوج عطاءاتها و تحالفها المخزني لتمويه المعركة الأصلية, معركة البناء الديموقراطي. و أمام هذا البؤس الشبيه بالماضي تضيف الدولة في ذلك الهامش الصغير الذي تتنافس فيه الأحزاب التقدمية مع القوى المحافظة, مخزنيا, إداريا, أصوليا, تضيف حزبها «المعاصر» و «الأصيل» في تحالفاته مع الحيوانات الانتخابية الأليفة. بل الادهى من هذا انه في استطلاع للرأي نظمته إحدى جريدة الاتحاد الاشتراكي على موقعها الإلكتروني, شارك فيه أزيد من 3960 زائر, بطرح السؤال : «هل تعتقد أن أصحاب المال سينهزمون في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ببلادنا؟» اجمع أزيد من 62 بالمائة على النفي, في استقالة جماعية لضمير الامة الحي و استسلام مهين أمام الحيوانات الانتخابية. « ... فضحنا كل أوجه الفساد الاقتصادي والسياسي وطالبنا بالمساءلة وبعدم الإفلات من العقاب عند الاقتضاء... وبذلك حولنا العمليات الانتخابية، بالرغم من كل ماشابها من تزوير وتحريف، إلى لحظات للتجنيد النضالي وللتنوير السياسي والثقافي...» يذكرنا بنسعيد ايت يدر. انه الإيمان بان لا محالة من تحسين أوضاع الأجيال القادمة من يجعلنا لازلنا نتشبث بقشة الأمل. « فهناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما.», كما سبق و ذكرنا الشهيد عمر بن جلون. الخوف كل الخوف أن تعي الحيوانات الانتخابية الأليفة ببعدها الجغرافي المنتشر في كل الدوائر و أن تعي بتفوقها على مروضيها فينقلب السحر على الساحر. فيودالية جديدة. لن يكون لها رادع و لا حسيب. حذار من اللعب بالنار. لا أريد لنفسي و لا لابنائي أن تحكمنا هاته الحيوانات في هذا الوطن الذي ننتعش بحبه. و لهذا توجب علينا الانخراط الواعي في محاربة الفساد, و الحيوانات الانتخابية الأليفة و مروضيها.