تعتبر حركة 20 فبراير إحدى المحطات الأساسية في تاريخ المغرب الراهن ، فهي نشأت في سياق موجة التغيير الديمقراطي التي يعيشها العالم العربي منذ ثورة الب وعزيزي في تونس ، و التي أدت إلى إسقاط نظام زين العابدين بن علي ، مرورا بإسقاط نظام حسني مبارك في مصر ، وصولا إلى التحركات الشعبية في الأردن و سوريا ، و بعض دول الخليج ، ودول المغرب العربي خاصة ليبيا و الجزائر ، و التي توحدت كلها في إطار شعار موحد هو” دمقرطة الدولة و المجتمع” في المنطقة العربية . بداية لابد من التدقيق في بدايات الحركة ، أو الشروط الذاتية والموضوعية لظهورها فمن وجهة نظري، ثمة أربعة شروط ساهمت في إنتاج الحركة : * أولا : المستوى الاجتماعي ويمكن التدقيق في البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي عبر مستويين فرعيين : المستوى الأول التفاوت الطبقي الواضح في المغرب ، حيث يقسم الاستاذ عبد الرحيم عطري القاع الإجتماعي المغربي إلى فئتين : الفقراء تحت الصفر ، والفقراء بكرامة ، إذ يحدد الفقراء تحت الصفر بكونهم الكادحين ، والفقراء بكرامة بكونهم يشكلون ما يسمى بالطبقة المتوسطة . * ثانيا : فهو مستوى النسق العام الاجتماعي ، ففي المغرب يعاد إنتاج نفس المتن الذي شكل بمغرب الفترة الكولونيالية ، فإذا كان الاستعمار الأجنبي قد اعتمد على الأعيان أو النخبة المحلية من أجل بسط سلطته على المستوى المحلي ، فالآن يعاد نفس الشئ في المغرب خلال الفترة الراهنة ، و لكن بالاعتماد على التيكنوقراط . * ثالثا : الحراك السياسي والاجتماعي في المغرب ، فعلى المستوى السياسي هناك أزمة سياسية منذ سنة 2002 ، أي منذ الخروج عن المنهجية الديمقراطية ، وتشكيل حكومة ادريس جطو ، ونهاية تجربة حكومة التناوب التوافقي . أما اجتماعيا ف«ربيع الاحتجاجات» يوجد بالمغرب منذ حكومة التناوب ، إذ أصبحنا نرى احتجاجات مستمرة أمام البرلمان من خلال حركات المعطلين ، و الحركات الاجتماعية : احتجاجات سيدي ايفني ، و احتجاجات صفرو ، بمعنى أن الحراك السياسي والاجتماعي كان حاضرا ، غير أن الكل انتظر إنتاج الشروط الذاتية والموضوعية ، لإفراز حركة احتجاجية جديدة لكن بأشكال إبداعية شبابية . * رابعا : سياق التغيير العربي ، لأنه لا يمكن للمغرب أن يظل خارج رياح التغيير التي هبت على العالم العربي بحكم أنه لا يشكل استثناء ، بل له تقاطعات وقواسم مشتركة مع مجموعة من الدول العربية ، تتمثل في الفساد السياسي و المالي ، و استبداد الأقلية بالحكم السياسي ، إضافة إلى المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية المتراكمة ، و تركز السلط في يد حاكم واحد . ساهمت كل هذه الشروط في انبثاق حركة 20 فبراير من خلال الدعوات التي أطلقها بعض الشباب المغربي في المواقع الإجتماعية ، خاصة الفايسبوك للخروج إلى الشارع للمطالبة بالتغيير و الإصلاح ، الشيء الذي ساهم في تأسيس حركة 20 فبراير ، كحركة شبابية احتجاجية انطلقت من العالم الإفتراضي إلى الواقعي ، و تأسست على أرضية من المطالب حددت سقفها في الدعوة للإنتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية حيث الملك يسود و لا يحكم ، و ركزت على الإصلاح السياسي ، و الدستوري ، و الإقتصادي ، و الإجتماعي ، و محاربة رموز الفساد السياسي و المالي ، مما أعطى لحركة 20 فبراير طاقة متجددة للتحرك الجماهيري ، و التعبئة باعتبارها تشكل نموذجا جديدا في الفعل الإحتجاجي بالمغرب، المبني على خلق آليات احتجاجية جديدة تواكب التطور البنيوي للمجتمع المغربي ، و بنيته الذهنية ، و بروز جيل جديد من الشباب الطامح للتغيير الأفضل . كانت الولادة الجنينية لحركة 20 فبراير ، نتيجة للتراكمات التي حققتها كل من الحركة التقدمية خلال نضالها من أجل الديمقراطية و الحرية خلال سنوات الرصاص ، و أيضا تراكمات الحركة الإحتجاجية و الإجتماعية بالمغرب منذ الإستقلال إلى الآن ، و قد ساهم هذا التراكم في النضج الذي تحلت به الحركة في تعاملها مع الفعل الاحتجاجي ، و وسمها بطابع السلمية في حركتها الاحتجاجية . شكلت حركة 20 فبراير محطة أساسية لعودة النقاش حول الإصلاح السياسي و الدستوري ، فقد تمكنت الحركة من إنزاله من مقرات الأحزاب ، و منظمات المجتمع المدني ، و النقابات ، إلى الفضاء العمومي بمختلف تمظهراته ، فقد تمكنت الحركة من جعل مطلب الملكية البرلمانية ، و إصلاح الدستور ، و فصل السلط ، و استقلال القضاء ، مطالب جماهيرية و شعبية بعدما كانت فيما قبل مطالب القوى الديمقراطية التقدمية ، و فئة معينة من النخبة السياسية المغربية منذ سنوات الرصاص . إضافة إلى ذلك فقد أعادت حركة 20 فبراير الشباب إلى واجهة العمل السياسي ، و تمكنت من تكذيب المسلمات التي حاول النظام المغربي الترويج لها ، و ترسيخها إعلاميا ، و سياسيا ، و مجتمعيا ، حول عزوف الشباب عن الفعل السياسي، و غياب الشباب المسيس و الواعي بقضايا مجتمعه ، و القادر على التعبير عن مطالبه في التغيير ، في حين أن محطات 20 فبراير و 20 مارس و 24 أبريل ، أثبتت أن الشباب المغربي يعيد تجربة نضال جيل الستينات ، و السبعينات لكن بصيغ و آليات احتجاجية جديدة ، فالحركة تحاول الحفاظ على حركيتها الشبابية الاحتجاجية ، و المجتمعية حيث تمكنت من أن تجمع بين صفوفها كل أطياف الشباب : اليساري و الإسلامي، و المنتمي للحركة الأمازيغية ، و حتى الشباب المستقل أيضا . و مثل كل فعل احتجاجي ، طرحت حركة 20 فبراير خمسة أسئلة محددة لحركيتها النضالية الجماهيرية ، و تتمثل في : أن كل عمل احتجاجي هدفه هو سؤال التغيير من أجل وضع أفضل ، و سؤال التوزيع العادل للثروة، و محاولة إعادة بناء النسق العام السياسي و الإجتماعي بالمغرب ، و سؤال المحتج ( من هو و هويته ) ، و أخيرا سؤال البنية العامة التي يشتغل فيها المتن الاحتجاجي . حققت حركة 20 فبراير منذ أول خروج لها للشارع ، يوم 20 فبراير 2011 إلى حدود آخر مسيرة لها يوم 24 أبريل 2011 ، نوعا من التراكم على المستوى السياسي ، و الميداني ، و التنظيمي ، الشيء الذي يمكننا من طرح سؤال جوهري حول ما هو مستقبل الحركة في الأفق البعيد ؟ . يحيلنا هذا السؤال إلى ضرورة قيام الحركة بعملية النقد الذاتي لمسارها ، بدءا من انطلاق تجربتها إلى الآن ، و ذلك على مستوى طريقة اشتغالها ، و تطور حركيتها المجتمعية ، و تفاعلها مع مطالب الجماهير الشعبية ، و العلاقة بين مكوناتها السياسية ، و أيضا تصوراتها للإصلاح و التغيير ببلادنا . فعلى مستوى العلاقة بين المكونات السياسية للحركة يظهر أنها تتوزع بين تيارين : التيار اليساري بمختلف توجهاته الايديولوجية ، و التيار الإسلامي ، و قد أدى ذلك إلى اختلاف توجهاتهم بين الدعوة إلى الإصلاح القائم على الملكية البرلمانية ، و هو السقف المتفق عليه في الأرضية التأسيسية للحركة ، و مابين الدعوة إلى التغيير الجذري للنظام من خلال النموذج الجمهوري ، و نموذج دول الخلافة على المنهج النبوي ، و هما الطرحان السياسيان اللذان تجاوزهما التطور السياسي الذي عرفه المغرب . فمن المهام المطروحة اليوم على حركة 20 فبراير كحركة من أجل التغيير و الإصلاح ، المزاوجة بين الحضور في الشارع من أجل الضغط على النظام السياسي لتحقيق مطالب الجماهير ، و أيضا الانتقال إلى قوة اقتراحية لها تصورات واضحة في مسألة طبيعة النظام ، و شكل الدستور المقبل ، و أيضا في الاصلاحات الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، لأن اللحظة التي شكلتها حركة 20 فبراير هي لحظة تاريخية من أجل مغرب الحرية ، و الديمقراطية ، و العدالة الاجتماعية ، و أملنا هو استمرارية هذه الحركة من أجل تحول ديمقراطي حقيقي ، لكي لا تجهض هذه اللحظة التاريخية مثلما أجهضت لحظات التحول الديمقراطي الكبرى التي عرفها المغرب ، لهذا فلشباب 20 فبراير مسؤولية تاريخية من أجل بناء مغرب ممكن يسع لجميع أبناءه ، و مؤسس لمشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي ينعم فيه جميع المغاربة بالحرية و الكرامة و تكافؤ الفرص و دولة الحق و القانون .
مناضل بالشبيبة الاتحادية و ناشط بحركة 20 فبراير الدارالبيضاء : 27- 04 2011 .