سليمان صدقي – نبراس الشباب: قديما قال العلامة الغزالي رحمه الله أن “العدل أساس الملك” وآزره في ذلك ثلة من العلماء الأتقياء الأنقياء الأخيار من الخلف والسلف معا، مستندين إلى قطعيات الشريعة التي حفلت بها النصوص ومن تقريرات وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وشواهد التطبيق لدى الخلفاء الراشدين وقواعد المعاملة بين مجتمع الصحابة الأوائل الذي شهد له رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بالخيرية، وبذلك حق على الأمة وصفها بأمة الشهادة على العالمين بما تحمله من معان وقيم تسعى بها إلى بدل الوسع واستفراغ الجهد لإقامة العدل بين الناس ومحاربة الاستبداد والظلم، حتى أنه من المعلوم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تنويهه بحلف بني جذعان المعقود قبل البعثة النبوية نصرة للمظلوم رغم أن عاقديه كان مشهودا لهم بكفرهم لمقصد عظيم من مقاصد شريعتنا السمحة المتجلي في إقامة العدل والقسط بين الناس، وفي هذا السياق يمكن إدراج ما ذهب إليه الفقيه الفيلسوف ابن تيمية من أن «الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة»، وهكذا دخل في الإسلام عدد غفير من الناس بغية تخليصهم من براثين الجهل والعبودية والظلم الممارس عليهم، وأُخرجوا بفضل من الله ونعمة منه من ظلم الجاهلية وجورها إلى عدل الإسلام ورحمته، فتساوى الناس كأسنان المشط لا فرق بين الرئيس والمرؤوس ولا بين العربي والعجمي ولا بين اليهودي والمسلم والمسيحي. و واقع حال الأمة في محاربة الاستبداد بدأ يستعر ويشتد يوما بعد يوم، وقد كشفت انتفاضة الشعوب الأخيرة سوءات ديكتاتورية أنظمة الجور في كل من تونس ومصر التي أزيحت فيها رؤوس الاستبداد وفي اليمن والبحرين وسوريا والجزائر والمغرب (التي ما تزال الشعوب فيها تخرج للشوارع هاتفة بحب الحرية وكراهية الظلم) وفي ليبيا التي تعيش آخر أيامها مع الطاغية معمر القدافي الذي جن جنونه وبدأ يقصف المدنيين بالطائرات والقذائف المضادة للدبابات والدروع في أبشع مجزرة تٌرتكب في بداية القرن الحالي من طرف حاكم عربي مسلم ضد شعبه الأعزل بتهمة مطالبة الناس بالحرية، فسقط آلاف الشهداء وآلاف الجرحى عشقا في العدل وكراهية في الاستبداد الممارس عليهم من طرف الطاغية المجنون!! وإن ما يقع للأمة في هذه اللحظة التاريخية من تحرير لإراداتها من سطوة زعامات اشتعلت رؤوسها شيباً(رغم الأصباغ) في ترسيخ الظلم والاستبداد وهواننا بين الأمم، ومن بيع ممنهج لمقدسات الأمة، ومن اغتناء فاحش بأموال المستضعفين وتسليط زمرة من أصحاب المصالح والنفوذ على رقاب الفقراء والمساكين. مكنت الأمة من وعيها الذي جابهت به الرصاص الحي بصدور عارية، فسقط الشهداء والجرحى في سبيل تحرير إرادات الشعوب من ربقة الظلم والقابلية للاستبداد، وانتشلتها من بين أيدي ''المستبدين العدول‘‘ إلى نعماء الحرية والكرامة، فبدأنا والحمد لله نطوي صفحة بئيسة ونفتح أعيننا على دورة حضارية جديدة لا يمكن أن نحافظ على نقائها وصفائها إلا بمزيد من التضحية واليقظة، لتجنيبها مسارات لا تحمد عقباها ومآلات مشهود بحلكة ظلمتها. للتواصل مع الكاتب: [email protected]